الخميس، 29 أكتوبر 2015
محمود الفرماوى،المنهج التاريخي في البحث العلمي
1ـ تعريف المنهج التاريخي:
يقصد بالمنهج التاريخي، هو"عبارة عن إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها وأخيراً تأليفها؛ ليتم عرض الحقائق أولاً عرضاً صحيحاً في مدلولاتها وفي تأليفها، وحتى يتم التوصل حينئذٍإلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة وهو أيضاً "ذلك البحث الذي يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث الماضي ويدرسها ويفسرها ويحللها على أسس علمية منهجية ودقيقة؛ بقصد التوصل إلى حقائق وتعميمات تساعدنا في فهم الحاضر على ضوء الماضي والتنبؤ بالمستقبل كما يعرف، بأنه ذلك المنهج المعني بوصف الأحداث التي وقعت في الماضي وصفاً كيفياً، يتناول رصد عناصرها وتحليلها ومناقشتها وتفسيرها،والاستناد على ذلك الوصف في استيعاب الواقع الحالي، وتوقع اتجاهاتها المستقبلية القريبة والبعيدة.
2ـ أهمية المنهج التاريخي:
على ضوء التعاريف السابقة للمنهج التاريخي، يمكن إبراز أهمية هذا المنهج : أ ــ يمكّن استخدام المنهج التاريخي في حل مشكلات معاصرة على ضوء خبرات الماضي. ب ــ يساعد على إلقاء الضوء على اتجاهات حاضرة ومستقبلية . جـ ــ يؤكدالأهمية النسبية للتفاعلات المختلفة التي توجد في الأزمنة الماضية وتأثيرها. دــ يتيح الفرصة لإعادة تقييم البيانات بالنسبة لفروض معينة أو نظريات أو تعميمات ظهرت في الزمن الحاضر دون الماضي.
3 ـ خطوات تطبيق المنهج التاريخي:
يتبع الباحث الذي يريد دراسة ظاهرة حدثت في الماضي بواسطة المنهج التاريخي الخطوات التالية :
أ ــ توضيح ماهية مشكلة البحث: أي تحديد مشكلة البحث التاريخية : يتطلب توضيح ماهية مشكلة البحث تناول خطوات الأسلوب العلمي في البحث، وهي: التمهيد للموضوع، وتحديده، وصياغة أسئلة له،وفرض الفروض، وأهداف البحث، وأهمية البحث، والإطار النظري للبحث، وحدوده، وجوانب القصور فيه، ومصطلحات البحث و تحديد الظاهرة أو الحادثة التاريخية المراد دراستها ويتم هذا التحديد وفق نسقين محددين: البعد المكاني : للظاهرة كأن نقول الثورة الجزائرية. المجال الزماني: كأن نقول الثورة الجزائرية 1954م – 1962م. ويشترط في مشكلة البحث توافر شروط، من مثل:
أهميتها،ومناسبة المنهج التاريخي لها، وتوافر الإمكانات اللازمة . وأهمية النتائج التي سيتوصل إليها الباحث. ب ــ جمع البيانات اللازمة : أي جمع المادة التاريخية: وهذه الخطوة تتطلب مراجعة المصادر الأولية والثانوية،واختيار البيانات التي ترتبط بمشكلة بحثه. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن على الباحث التمييز بين نوعي المصادر. إذ تتمثل المصادر الأولية في السجلات والوثائق،والآثار. وتتمثل المصادر الثانوية في الصحف والمجلات، وشهود العيان، والمذكرات والسير الذاتية، والدراسات السابقة، والكتابات الأدبية، والأعمال الفنية، والقصص،والقصائد، والأمثال، والأعمال والألعاب والرقصات المتوارثة، والتسجيلات الإذاعية،والتلفزيونية، وأشرطة التسجيل، وأشرطة الفيديو، والنشرات، والكتب، والدوريات،والرسومات التوضيحية، والخرائط. ج ــ نقد مصادر البيانات: وتتطلب هذه الخطوة فحص الباحث للبيانات التي جمعها بواسطة نقدها، والتأكد من مدى فائدتها لبحثه. ويوجد نوعان للنقد، الأول، ويسمى بالنقدالخارجي، والثاني، ويسمى بالنقد الداخلي. ولكل منهما توصيف خاص به على النحوالتالي:
- النقد الخارجي : ويتمثل في إجابة الباحث عن الأسئلة التالية: هل كتبت الوثيقة بعدالحادث مباشرة أم بعد مرور فترة زمنية؟ هل هناك ما يشير إلى عدم موضوعية كاتب الوثيقة ؟ هل كان الكاتب في صحة جيدة في أثناء كتابة الوثيقة؟ هل كانت الظروف التي تمت فيها كتابة الوثيقة تسمح بحرية الكتابة؟ هل هناك تناقض في محتويات الوثيقة؟ هل تتفق الوثيقة في معلوماتها مع وثائق أخرى صادقة؟ النقد الداخلي : ويتمثل في إجابة الباحث عن الأسئلة التالية: هل تمت كتابة الوثيقة بخط صاحبها أم بخط شخص آخر؟ هل تتحدث الوثيقة بلغة العصر الذي كتب فيه؟ أم تتحدثبمفاهيم ولغة مختلفة؟ هل كتبت الوثيقة على مواد مرتبطة بالعصر أم على ورق حديث؟ هل هناك تغيير أم شطب أم إضافات فيالوثيقة ؟ هل تتحدث الوثيقة عن أشياء لم تكن معروفة في ذلك العصر؟ هل يعتبر المؤلف مؤهلاً للكتابة فيموضوع الوثيقة؟ د ـ تسجيل نتائج البحث وتفسيرها: وهذه الخطوة تتطلب من الباحث أن يعرض النتائج التي توصلإليها البحث تبعاً لأهداف أو أسئلة البحث مع مناقشتها وتفسيرها.
وغالباً ما يتبع الباحث عند كتابة نتائج بحثه ترتيب زمني أو جغرافي أو موضوعي يتناسب ومشكلة البحث محل الدراسة. هـ ـ ملخص البحث: وهذه هي الخطوة الأخيرة من خطوات المنهج التاريخي، وتتطلب أن يعرض الباحث ملخصاً لما تم عرضه فيالجزء النظري والميداني في البحث، كما يقدم توصيات البحث التي توصل إليها، ومقترحات لبحوث مستقبلية.
4-أدوات جمع المعلومات في المنهج التاريخي:
-الملاحظة التحليلية الناقدة للمصادر التاريخية. -تحليل للمادة التاريخية باستخدام الاجهزة والوسائل التكنولوجية للكشف عن صحة أو زيف المادة التاريخية . -المقابلات الشخصية لشهود العيان والقنوات الناقلة للحوادث والاخبار. -إستطلاعات الرأي والاستبيانات. صياغة الفروض في المادة التاريخية: يعتمد البحث التاريخي غيره من مناهج البحث على الفرضية أو الفرضيات لتساعده في تحديد مسار وإتجاه البحث وتوجهه الفرضية الى جمع المعلومات الضرورية واللازمة للفرضية وبعد فحصها ونقدها يقوم بتعديل فرضية البحث على ضوئها والبناء عليها وبعد ذلك إستخلاص الحقائق ووضع النتائج، وعادة ما تتعدد الفروض في الدرسات التاريخية على اعتبار أن معظم أحداث التاريخ لا يمكن تضيقها بشكل موضوعي بسبب واحد وهو أن الاحداث التاريخية معقدة ومتداخلة ويصعب ربطها بسبب واحد. مثلا: ..... كتابة وتركيب البحث التاريخي: إن تقرير البحث التاريخي لا يختلف في مواصفاته عن غيره من تقارير الابحاث الأخرى فهناك إعتبارات أساسية في كتابة البحث التاريخي منها:
1 . كتابة الحقائق التاريخية على بطاقات أو مذكرات خاصة بشكل حقائق مرتبة على أساس تسلسلي زمني من الماضي إلى الحاضر.
2 . دراسة البيانات التاريخية وتحليلها مع التركيز على إظهار علاقات ..... والنتيجة للحوادث والعوامل المدروسة.
5 . كتابة تقرير البحث يكون على أساس العناصر التالية:
أ- المقدمة التمهيدية بما فيها من فرضيات و الاشكال المطروح ب-الدراسات السابقة للبحث. ت-أهداف وأسئلة فرضيات البحث. ث-منهجية البحث للاجابة عن الاسئلة واختيار الفرضيات بواسطة المنطق أو بالأدوات والوسائل النقدية المناسبة. ج- عرض الحقائق والبراهين والدلائل التاريخية للتحليل والتقدير وإخراج النتائج والتوصيات للمستقبل 6ـ مزايا وعيوب المنهج التاريخي:
أ ـ مزايا المنهج التاريخي: - يعتمد المنهج التاريخي الأسلوب العلمي في البحث. فالباحث يتبع خطوات الأسلوب العلمي مرتبة، وهي: الشعوربالمشكلة، وتحديدها، وصياغة الفروض المناسبة، ومراجعة الكتابات السابقة، وتحليلالنتائج وتفسيرها وتعميمها. - اعتماد الباحث على المصادرالأولية والثانوية لجمع البيانات ذات الصلة بمشكلة البحث لا يمثل نقطة ضعف في البحثإذا ما تم القيام بالنقد الداخلي والنقد الخارجي لهذه المصادر.
ب ـ عيوب المنهج التاريخي: -أن المعرفة التاريخية ليست كاملة، بل تقدم صورة جزئية للماضي؛ نظرا ًلطبيعة هذه المعرفة المتعلقة بالماضي، ولطبيعة المصادر التاريخية وتعرضها للعوامل التي تقلل من درجة الثقة بها، من مثل: التلف والتزوير والتحيز . - صعوبة تطبيق الأسلوب العلمي في البحث في الظاهرةالتاريخية محل الدراسة؛ نظراً لأن دراستها بواسطة المنهج التاريخي يتطلب أسلوباًمختلفاً وتفسيراً مختلفاً. - صعوبة تكوين الفروض والتحقق من صحتها؛ وذلك لأن البيانات التاريخية معقدة، إذ يصعب تحديد علاقة السبب بالنتيجةعلى غرار ما يحدث في العلوم الطبيعية. - صعوبة إخضاع البيانات التاريخية للتجريب، الأمر الذي يجعل الباحث يكتفي بإجراء النقد بنوعية الداخلي والخارجي. - صعوبة التعميم والتنبؤ؛ وذلك لارتباط الظواهر التاريخية بظروف زمنية ومكانية محددة يصعب تكرارها مرة أخرى من جهة، كما يصعب على المؤرخين توقع المستقبل.
المصدر: المراجع 1) د/ديو بولد ب فان دالين : مناهج البحث في التربية وعلم النفس 1985 م – مكتبة الانجلو المصرية – القاهرة د/ ذوقان عبيدات – د/ عبد الرحمن عدس – د/ كايد عبد الحق : البحث العلمي مفهومه ، أدواته ، قياسه - دار محدولاي للنشر والتوزيع – عمان ل.ر.جاى تعريب د/ جابر عبد الحميد جابر : البحث التربوي 1993 م - دار النهضة العربية - القاهرة د/ صالح بن حمد العساف : المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية الطبعة الأولى 1416 هـ / 1995م – مكتبة العبيكان – الرياض د/جابر عبد الحميد جابر،د/أحمد خيري كاظم:مناهج البحث في التربية وعلم النفس -1973م – دار النهضة لعربية – القاهرة 2) د/ فؤاد أبو حطب و د/ آمال صادق : مناهج البحث وطرق التحليل الإحصائي في العلوم النفسية والتربوية والاجتماعية - 1990م – مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة
الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015
عبد الرزاق العساوي،إقامة المغاربة بجبل طارق خلال القرن 19م
وقد طرح هذا الاختلاف في مفهوم القانون بين هذه المجتمعات مشاكل قانونية جمة، تزايدت حدتها و بشكل كبير منذ القرن 19م، الذي سجل تصاعدا في وثيرة العلاقات بين الشعوب الأوربية والإسلامية، مما استدعى ضرورة عقد معاهدات سياسية وتجارية، كان هدفها الأساسي حماية مصالح الطرفين المتبادلة، وإيجاد صيغ قانونية لمسألة إقامة رعايا الطرفين بأراضي بعضهما البعض. غير أن هذه الاتفاقيات والمعاهدات، وإن استطاعت من جهة وضع قاعدة قانونية للعلاقات بين الشعوب الإسلامية والأوربية، فإنها اصطدمت من جهة أخرى بصعوبة التوفيق بين الترسانتين القانونيتين المعتمدتين في كل من البلدان الأوربية و الإسلامية، مما أثار مشاكل قانونية أمام إقامة رعايا الطرفين، وإن اختلفت هذه الحدة حسب خصوصية كل ترسانة ومدى قابليتها للتكيف.
وبناء على ما سبق ذكره واجه المغرب ـ باعتباره جزء من العالم الإسلامي ـ مشاكل قانونية متعددة خلال القرن 19م، بفعل تزايد علاقاته مع الدول الأوربية التي أصبحت لها تمثيلية داخل الأراضي المغربية ضمت القناصل والتجار، كما أصبح المغاربة بدورهم يقيمون بالأراضي الأوربية متجاوزين الأطر الدينية التقليدية التي حكمت مسألة إقامة المسلم بأوربا طيلة القرون السابقة . ومن خلال هذه المقال سنركز على مسألة إقامة المغاربة بصخرة جبل طارق وإشكالاتها القانونية، وذلك اعتبارا لأهمية الصخرة التي شكلت محطة تجارية أساسية لأوربا خلال القرن 19م، و صلة وصل بين أوربا والمغرب، وسنتطرق إلى هذه الإشكالية من خلال طرح ثلاثة تساؤلات أساسية:
• كيف حدث التحول في مسألة إقامة المغاربة المسلمين بأوربا؟ • كيف حاول المغرب الاستجابة لهذا التحول من خلال ترسانته القانونية ؟ • إلى أي حد استطاع المغاربة الاندماج داخل المجتمع الجبلتاري؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، فقد ارتأينا تقسيم مقالنا إلى ثلاثة محاور أساسية : المحور الأول: سنتطرق خلاله إلى الأطر الدينية المنظمة لمسألة إقامة المسلم بأوربا قبل القرن 19م. المحور الثاني: سنتناول خلاله دور صخرة جبل طارق في تهذيب الأطر الدينية التقليدية الخاصة بمسألة إقامة المسلم بأوربا. المحور الثالث: سنخصصه لموضوع إقامة المغاربة بصخرة جبل طارق بين تمثلات الشريعة الإسلامية والقانون المدني البريطاني.
I ـ الأطر الدينية المنظمة لمسألة إقامة المسلم بأوربا قبل القرن19م: خضعت مسألة إقامة المسلم بأوربا قبل القرن 19م للقواعد الإسلامية المنظمة لعلاقة المسلم بغيره والمبنية بالأساس على مبادئ القرآن الكريم والسنة النبوية. فقد بنى المسلمون علاقاتهم مع الآخر على معطيات موقفه وسلوكه تجاه الله، ومن هنا جاء ذلك المفهوم الذي طبع تاريخ العلاقات بين الإسلام و الأجانب والمتمثل في دار الحرب ودار الإسلام. 1. المفهوم من الناحية الفقهية: يقصد بدار الإسلام في الاصطلاح الفقهي كل مكان ظهرت فيه الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيه خصلة كفرية إلا بجوار، أما دار الكفر فكل مكان لا يستطيع المسلم فيه إعلاء الشهادتان وإقامة الصلاة و يسيطر فيه المشركين حيث تكون لهم الغلبة و القوة . إذن من خلال هذا التعريف يشترط في دار الحرب توفر الشروط التالية :
1 ـ أن تكون الأكثرية من الكفار، أي غير المسلمين على الإطلاق. 2 ـ أن تتبع في قوانينها المنهج الكافر، أي غير الإسلامي، سواء على مستوى الدولة أو الشعب. ومن ثم فحرصا على مبدأ قدرة المسلم على إقامة الشريعة الإسلامية، جاءت دعوات الفقهاء المسلمين الأوائل إلى ضرورة الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، واعتبروا ذلك جهادا لا يقل عن باقي أنواع الجهاد الأخرى مرتكزين في حكمهم على عدة آيات وأحاديث نبوية . والأكيد أن الفقهاء المسلمين الأوائل قد بنوا حكمهم على المرجعية الرمزية الأساسية للمسلمين والمتمثلة في الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة خلال فترة بداية الإسلام، غير أنه مع تزايد مساحة الدولة الإسلامية وانفتاحها على مجموعة من الشعوب ظهر نوع من الاهتمام بمسألة الأخر غير المسلم في الفقه الإسلامي، وهذا ما ترجمه ظهور ما سمي بفقه السيّر الذي اشتهرت به مدرسة العراق الفقهية بزعامة الإمام أبو حنيفة)699م ـ802م) وتلامذته مثل: محمد بن الحسن الشيباني )750 م ـ805م ) وأبو يوسف القاضي )731م ـ798م).
وقد عرفت مدرسة العراق بغزارة تأليفها في موضوع العلاقات بين المسلمين وغيرهم سواء داخل أرض الإسلام أو خارجها حيث أضافت مفهوما آخر هو دار الهدنة أو دار العهد، وهي بلاد غير إسلامية عقد أهلها الصلح مع المسلمين، كما تميزت هذه المدرسة بنزوعها نحو الاجتهاد في اتخاذ الأحكام، و يظهر ذلك بوضوح من خلال رأي أبو حنيفة في مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، فهو يرى أنها ينبغي أن تطبق على المسلمين فقط داخل الدولة الإسلامية، ذلك أن الدولة الإسلامية لها الولاية على أتباعها ضمن حدودها الجغرافية فقط . أما بقية المذاهب الإسلامية الأخرى، فأنها لم تول اهتماما كافيا لمسألة علاقة المسلم بغير المسلم، وظلت إشاراتها قليلة وهي تنصب في اتجاه التمسك بمواقف الفقهاء المسلمين الأوائل، حيث رأى فقهاء الشيعة والمالكية والشافعية والحنبلية أن خضوع المسلم للشريعة الإسلامية ضرورة أساسية، سواء كان المسلم داخل الدولة الإسلامية، أو خارجها.
2. المفهوم من الناحية التاريخية: خلال فترة العصر الوسيط لم يهتم المسلمون بأوربا لأنها كانت في وضعية لا تخيفهم، وخضع منطق علاقاتهم معها بدوره إلى منطق المنظور الديني السالف الذكر، فقد لاحظ برناند لويس الاختلاف الموجود بين الإسلام والغرب، وأرجع ذلك إلى منطق التمييز بين العالمين حيث يقول: "... إذا كان الإسلام هو المحدد الأساسي لتحديد الهوية الإسلامية في علاقته مع الآخر، فإن الغرب تعود أن يميز بين الناس حسب معايير أخرى كالانتماء القومي أو الترابي.." غير أنه من الصعب الحكم على التجربة التاريخية للإسلام انطلاقا من القولة السالفة الذكر لأن ذلك سيكون من باب التعميم الذي يتنافى مع واقع الممارسة التاريخية الإسلامية التي تميزت بمعطيات وخصوصيات اختلفت حسب الزمن والمكان. ومن المعطيات التي ينبغي استدعاؤها عند تحليلنا لهذه القولة مسألة المذاهب الإسلامية وتراكمها الفقهي في هذا الباب والذي كان له انعكاس كبير على الممارسة التاريخية لكل دولة من دول الإسلام.
بناء على ما سلف ذكره تميز التاريخ العثماني بنوع من الانفتاح في علاقته الخارجية مع الدول غير الإسلامية كما تعكس ذلك الاتفاقيات الموقعة بين العثمانيين والأوربيين، خاصة خلال فترة حكم السلطان سليمان القانوني )1521م ـ 1566م) الذي منح عدة امتيازات للأوربيين بالدولة العثمانية. أما اذا عدنا إلى التاريخ المغربي، نجد أنه خص المفهوم بمكانة خاصة على غرار العالم الإسلامي خاضعا في ممارسته السياسية مع الدول الأوربية للمذهب المالكي كما توضح ذلك إحدى النوازل الفقهية خلال القرن 15م، ونخص بالذكر هنا نازلة الونشريسي التي ضمنها في كتابه المعنون ب" أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى و لم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر"، وهي فتوى أصدرها الونشريسي انطلاقا من سؤال لأحد الفقهاء حول الموريسكيين الذين هاجروا من الأندلس إلى المغرب بعد سقوط غرناطة، وعقب صدور قرار الملك الإسباني فيليب الثالث سنة 1609م القاضي بطرد الموريسكيين من الأندلس. لقد أوضح الونشريسي أن هذه الهجرة واجبة على جميع الموريسكيين، بعدما ضاعت دار الإسلام وسقطت في أيادي الكفار، معتمدا في ذلك على آيات وأحاديث وفتاوي الفقهاء السابقين. وحول سؤال في نفس النازلة حول أحد الموريسكيين الذي يرغب في العودة إلى الأندلس لعدم رضاه بواقعه في المغرب فقد اعتبر الونشريسي ذلك بمثابة معصية أحكام الدين الإسلامي، لذا فقد أفتى بعدم جوازها . وظل مفهوم دار الإسلام ودار الكفر حاضرا في الذهنية المغربية طيلة القرنين 17م و18م، كما تعكس ذلك البعثات التي أرسلها السلاطين المغاربة إلى أوربا مثل بعثة ابن عثمان إلى اسبانيا سنة 1779م، والتي كانت محددة من حيث المدة الزمنية وكان صاحبها محكوما بخلفيات دينية مبنية بالأساس على المفهوم السالف الذكر، وهذا ما يظهر بوضوح من خلال مواضيع مؤلفاته . وفي القرن 19م نسجل حضور المفهوم بشكل قوي في الكتابات التاريخية والفقهية، فإذا أخدنا مثلا البلغيثي فانه يذكر: ".. أن ما يفعله التجار من السفر إلى أرض الحرب للتجارة هو أمر ممنوع لأنه يؤدي لمشاهدة مناكر الكفار والتذلل لهم والدخول تحت حكمهم ..." هذه إذن كانت نبذة سريعة عن القواعد المنظمة لمسألة إقامة المسلم بأوربا، والتي حاولنا من خلالها التطرق إلى المفهوم من الناحية الفقهية وانعكاساته على الواقع التاريخي الإسلامي، ثم المغربي حيث أوضحنا مدى حضور هذا المفهوم في الممارسة التاريخية المغربية تجاه أوربا، غير أنه مع بداية القرن 19م عرف المغرب تحولات مهمة في علاقاته مع الدول الأوربية خاصة بريطانيا، وقد كان لذلك انعكاس كبير على مفهوم دار الإسلام ودار الكفر. فكيف ثم ذلك؟
II ـ صخرة جبل طارق ودورها في تهذيب الأطر الدينية التقليدية للمغرب الخاصة بمسألة إقامة المسلم بأوربا خلال القرن 19م:
1. الموقع الجغرافي والتطور التاريخي: تقع صخرة جبل طارق في أقصى شبه جزيرة إبيريا على منطقة صخرية متوغلة في البحر الأبيض المتوسط، تقدر مساحته ب 1500 ياردة وهي تمتد على طول يصل إلى خمسة أميال، في حين يتجاوز عرضها أربعة أميال، وتتميز مياهها بعمق كبير، ومما زاد من أهمية صخرة جبل طارق عامل قربها من الضفة الجنوبية للمتوسط حيث لا تفصلها عنها إلا كيلومترات قليلة، ومن ثم فهي تشكل مضيقا استراتيجيا يسمح للقوة التي تستقر به بمراقبة مختلف التحركات والعمليات البحرية بالمتوسط . ويرجع أصل تسمية جبل طارق إلى القائد الإسلامي طارق بن زياد الذي فتح المنطقة سنة 711م، بعدما كان الجبل يحمل سابقا تسمية Le Mons Calpe، ثم استقرت التسمية خلال العصر الحديث على اسم جبلتار Gibraltar. مر جبل طارق بعدة مراحل تاريخية، فقد خضع لعدة قوى سياسية منذ فجر التاريخ، ذلك أن الجبل شكل نقطة ارتكاز لكافة الشعوب التي مارست الملاحة البحرية بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، مثل الفينيقيين و الرومانيين مرورا بالمسلمين والإسبان، ووصولا إلى البريطانيين الذين تمكنوا من دخول حلبة الصراع حول المتوسط بفضل استقرارهم بالصخرة منذ بداية القرن 18م، عقب الحرب الإسبانية حول العرش، ثم تدعم وجودهم بالصخرة قانونيا عقب معاهدة أتريخت Utrecht لسنة 1713م التي نصت على ملكية الصخرة من لدن البريطانيين. وقد ظلت الصخرة طيلة القرن 18م بمثابة حصن وبرج اعتمده البريطانيون لمراقبة حوض البحر الأبيض المتوسط، غير أن الصخرة تجاوزت هذا الدور خلال القرن 19 م عندما أصبحت مركزا تجاريا مهما بغرب البحر الأبيض المتوسط يقصده التجار من كل حدب و صوب، كما أنها أضحت تعج بمختلف أنواع السلع، وتتحكم في الأسعار المتوسطية وحركة انتقال السلع بين مختلف الموانئ المتوسطية، وفي مقدمتها المراسي المغربية .
2. التجارة المغربية في القرن 19م قراءة في التحول : شهد القرن 19م تحولات تجارية مهمة حيث تزايدت المبادلات التجارية العالمية نتيجة ظهور قوى اقتصادية كبرى، أفرزتها ظاهرة الامبريالية، ونقصد هنا بالخصوص فرنسا وبريطانيا اللتين عملتا على اكتساح الأسواق العالمية من خلال فرض معاهدات غير متكافئة على الدول الضعيفة بإفريقيا وأسيا. وقد أدرك المغرب مبكرا أن مواجهة الامبريالية الأوربية تقتضي بضرورة الانخراط في التحولات الاقتصادية للقرن التاسع عشر من خلال الأخذ بالنماذج التجارية الأوربية، حيث أضحى المخزن أكثر اهتماما بالتجارة الخارجية، وذلك بالاعتماد على فئة من التجار كوسطاء بينه وبين الدول الأوربية في إطار ما عرف بتجار السلطان، وقد تشكل هؤلاء التجار من المسلمين واليهود. و أدى هذا التوجه الجديد للمخزن إلى نمو التجارة الخارجية المغربية، ونمو فئة جديدة من التجار الذين أصبحوا مضطرين إلى الإقامة بالموانئ الأوربية لمدة طويلة خاصة بجبل طارق، وذلك بهدف تسيير تجارتهم، مما فرض على المغرب تعيين قنصل دائم بالصخرة انطلاقا من 1815م، وذلك ضمانا لمصالح التجار المغاربة .
3. القناصل المغاربة بصخرة جبل طارق خلال القرن 19م كان يتم اختيار القناصل المغاربة بصخرة جبل طارق من لدن السلطان، وهم في الغالب تجار كبار مقيمين بالصخرة بهدف تسيير أعمالهم التجارية، فيضيفون إلى ذلك تسيير تجارة السلطان كما يعملون على قضاء مصالح التجار المغاربة الآخرين حيث يقومون بتسهيل الصادرات والواردات إلى المغرب، إلى جانب ذلك كانوا يراقبون القروض التي يمنحها السلطان لتجاره بالصخرة، فضلا عن تمثيل الدور التجارية المغربية بجبل طارق، وأحيانا يمنحون قروض للتجار المغاربة، من واجباتهم كذلك ضمان مصالح التجار المغاربة بالأبناك الأوربية وحماية مصالحهم لدى شركات الملاحة البحرية . إلى جانب ذلك كان القناصل المغاربة يتكلفون بمراقبة إقامة المغاربة وجوازات سفرهم وحل بعض المشاكل المرتبطة بمرور الحجاج المغاربة بالصخرة، والنظر في المشاكل المرتبطة بتركات المغاربة بالصخرة. إذن من خلال هذا المحور نسجل التحول الذي عرفته مسألة إقامة المغاربة خاصة المسلمين بأوربا، حيث تجاوز المغرب مفهوم دار الإسلام ودار الكفر، وذلك تحت ضغط التحولات التجارية التي حفل بها القرن 19م، حيث بادر المغرب إلى تهذيب الأطر الدينية السالفة الذكر التي حكمته طيلة القرون السابقة، وذلك من خلال تعيين قناصل له بجبل طارق، فهل جسدت الاتفاقيات الموقعة بين المغرب وأوربا خاصة مع بريطانيا هذا التحول؟ III ـ إقامة المغاربة بصخرة جبل طارق خلال القرن 19م: بين واقع القانون المدني البريطاني وتمثلات الشريعة الإسلامية:
1. قراءة في الاتفاقيات المغربية ـ البريطانية: تميزت العلاقات المغربية البريطانية بقدمها وعراقتها ،غير أن الاهتمام الكبير للبريطانيين بالمغرب برز وبشكل واضح بعد الاستقرار البريطاني بصخرة جبل طارق في بداية القرن 18م، حيث سارعت بريطانيا إلى حث المغرب على التوقيع على معاهدات ضمانا لوجود حاميتها بصخرة جبل طارق، وكذا نفوذها التجاري بالمنطقة من خلال ضمان الإقامة للتجار البريطانيين بالموانئ المغربية، ومن ثم فقد جاء إبرام عدة اتفاقيات كان في مقدمتها اتفاقية 1721م التي اشتملت على 15 مادة جلها صبت لصالح بريطانيا . من خلال اشتغالنا على الاتفاقيات الموقعة بين المغرب وبريطانيا نسجل مجموعة من الملاحظات: • على مستوى الشكل: أولا نلاحظ أن المغرب وقع على ست اتفاقيات مع بريطانيا طيلة القرنين 18م و19م. ثانيا نشير أن كل معاهدة ارتكزت على بنود التي سبقتها، حيث كان يتم تجديد البنود، وأحيانا إضافة بنود جديدة حسب المستجدات. • على مستوى المضمون : أولا؛ نلاحظ أن بنود الاتفاقيات تتطرق إلى مواضيع محددة، مثل التجارة وافتكاك الأسرى، والحقوق القضائية للرعايا الإنجليز والمغاربة والقرصنة . ثانيا؛ نلمس حضور قوي للبريطانيين عبر بنود هذه الاتفاقيات، حيث تشير مختلف البنود إلى امتيازات البريطانيين في الموانئ المغربية، تفاديا لكل ضرر يمكن أن يلحق بأحد الرعايا البريطانيين، أما الحضور المغربي فيبقى من باب الإلحاق في بعض البنود . ثالثا؛ نسجل تركيز بريطانيا في بنود الاتفاقيات على مسألة إقامة رعاياها في المدن والمراسي المغربية، حيث تضمن لهم عدة حقوق قضائية ومدنية، مثل حل مشاكلهم القضائية وفق القانون البريطاني، إضافة إلى حرية التنقل، والسفر، والإقامة، والتعبد، وحل مشاكل التركة في حالة الوفاة في المغرب . أما مسألة إقامة المغاربة على الأراضي البريطانية، فإذا ما استثنينا المادة الأولى من معاهدة 1728 التي تنص على تحديد مدة إقامة المغاربة بصخرة جبل طارق في شهر واحد، مع عدم إمكانية إقامة المغاربة لسكنى دائمة بالصخرة، وهو بند يصب في مصلحة بريطانيا، نلاحظ أن باقي الاتفاقيات لم تخص المسألة بالعناية الكافية، هناك فقط بعض الإشارات غير الواضحة التي تضمنتها اتفاقية 1801م في السطرين الأخيرين من شرطها الثامن الذي ينص على ما يلي: "... أنه إذا وقع نزاع بين المسلمين وبين الإنكليز، وتعين الظلم في ذلك على واحد منهما، فينظر في ذلك المسلمون والنصارى بالتساوي على حكم قانون الانكليز، إن لم يخالف شرع المسلمين ...". من خلال هذه القراءة السريعة، نلمس مدى خبرة و دهاء البريطانيين الذين عملوا على إيجاد أرضية قانونية لمسألة إقامة رعاياهم بالمغرب، دون اصطدامهم بواقع الترسانة القانونية المغربية المعتمدة وقتئذ على الشريعة الإسلامية، في حين ظل المغرب عاجزا عن مواكبة التحول في العلاقات الدولية، من خلال تجاوز خلفياته الدينية وطرح مسألة إقامة رعاياه بالموانئ البريطانية، خاصة بميناء جبل طارق على طاولة التفاوض مع البريطانيين أثناء التوقيع على الاتفاقيات، مما كان سيوفر قاعدة قانونية واضحة تمكن قناصله بالصخرة من حل مختلف المشاكل القانونية التي تعترض المغاربة بالصخرة أثناء ممارسة نشاطهم التجاري. 2. نماذج من مشاكل إقامة المغاربة بصخرة جبل طارق • قضية محمد بن عمر بجة عين محمد بن عمر بجة قنصلا للمغرب بجبل طارق سنة 1815م ، كان من كبار تجار نهاية القرن 18 وبداية القرن 19م ،غادر مسقط رأسه العرائش عند أواسط فترة حكم سيدي محمد بن عبد الله ) 1757ـ1790(، واستقر بمدينة قادس حيث كان يزاول نشاطه التجاري. وقد شكل محمد بجة مثالا لفئة جديدة من التجار المغاربة الذين ارتبطت مصالحهم التجارية بالتبادل التجاري بين المغرب وأوربا خاصة بعد منتصف الفرن 18م، وكان من التجار الذين حققوا نوعا من النجاح كما تؤكد ذلك الثروة التي خلفها بعد وفاته بجبل طارق سنة 1820، وقدرت حسب ـ محمد المنصورـ بخمسة وعشرين ألف جنيه أسترليني . و أحدثت وفاة محمد بجة أزمة قانونية بين المغرب وبريطانيا، ذلك أن القنصل المذكور توفي تاركا خلفه ممتلكات بجبل طارق دون أن يترك وريثا، لذا فقد كتب السلطان المولى سليمان )1792ـ1822( إلى جورج دونGeorge Don حاكم جبل طارق مدعيا استحقاقه لكل ميراث بجة طبقا للشريعة الإسلامية، في حين رأت سلطات جبل طارق أنه طبقا للقانون البريطاني تؤول ممتلكات المتوفى الذي لم يخلف وريثا إلى التاج البريطاني، غير أن السلطان لم يقبل بذلك وتمسك بادعائه ووصلت المسألة إلى الطريق المسدود. ولم يتوقف النزاع وظل الحديث يتردد حول ممتلكات محمد بجة حتى تم تسوية القضية بشكل نهائي خلال فترة المولى الحسن) 1873ـ 1894 ( .
• المشاكل المرتبطة بإقامة الشرائع الإسلامية: طرحت عدة قضايا أمام المغاربة بجبل طارق خلال القرن 19م، من أبرزها مسألة الاحتفال بعيد الأضحى، فمن خلال وثائق عائلة الرزيني نجد مثلا مراسلة من سلطات جبل طارق إلى القنصل المغربي الحاج محمد الرزيني تعلمه بعدم جواز ـ طبقا للقانون البريطاني ـ ذبح أضحية العيد بمنزله، وذلك ضمانا لحقوق جيرانه، كما نجد مراسلات عديدة تلقاها القناصل من المغرب تخبرهم بأوقات الصلاة الخمس، حيث لم يكن بالصخرة إمام أو ميقاتي يمكنه القيام بهذا العمل، وذلك إلى حدود بداية القرن العشرين إذ أصبح بالصخرة إماما لإقامة الصلاة، وهو محمد بن حمادي بناني الذي كان والده تاجرا في مدينة مانشستر .
• المشاكل المرتبطة بالمعاملات التجارية: كان مغاربة جبل طارق يصطدمون بواقع المعاملات التجارية بصخرة جبل طارق الخاضعة لتنظيمات مدنية، لذا فقد كان المغاربة يقدمون على بعض الممارسات التجارية من قبيل التأمينات والقروض واستعمال تقنيات التجارية الحديثة، مثل الشيك والسفتجة بنوع من التوجس والخوف، خاضعين في ذلك إلى الخلفيات الدينية المتراكمة في بنيتهم الذهنية . فنادية الرزيني تذكر أن تاجرا اسمه محمد المرابط مقيما بالصخرة كان يطلب من الله المغفرة والعفو بمناسبة إقدامه على كل عملية تجارية . خلاصة: تمكن المغرب خلال القرن 19م من تجاوز أطره الدينية التقليدية الخاصة بمسألة إقامة المغاربة، إذ أصبح بإمكان المغاربة الإقامة بصخرة جبل طارق، وذلك انسجاما مع التحولات التي كان يعرفها العالم وقتئذ، غير أن المغرب لم يستطع إحداث القطيعة مع ممارساته السياسية التقليدية، إذ لم يبادر إلى إيجاد قاعدة قانونية صلبة لهذه الإقامة على غرار ما فعلته الدول الأوربية، مثل بريطانيا التي ناورت بكل خبرتها من أجل إيجاد إطار قانوني وفق منظورها القانوني لإقامة رعاياها على التراب المغربي، وهذا ما حققته، في حين ظلت إقامة المغاربة بصخرة جبل طارق طيلة القرن 19م تطرح مشاكل قانونية، جمة خاصة عندما يحدث التعارض بين القانون المدني الإنجليزي والشريعة الإسلامية . عبد الرزاق العساوي ـ حاصل على دكتوراة في التاريخ، جامعة محمد الخامس الرباط.
الاحالات المرجعية:
1. لؤي صافي، العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية، إصدارات المعهد العالمي للفكر الاسلامي:سلسلة الحوار44، الطبعة الثالثة، منشورات الفرقان، الدار البيضاء، 2001، ص.151ـ152.
2.عبد المجيد القدوري، المغرب وأوربا مابين القرنين الخامس عشر والثامن عشر: مسألة التجاوز، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2000، ص.305.
3 حسين بن عودة العوايشية، الفصل المبين في مسألة الهجرة ومفارقة المسلمين، سلسلة فقه الدعوة وتزكية النفس15، دار ابن حزم، 2003، ص. 22.
4 استند الفقهاء في حكمهم على عدة آيات منها نذكر حديث الرسول الذي بقول فيه: " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركينٍ".
5 عبد المجيد القدوري، مرجع سابق، ص. 309.
6 وهو أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي التلمساني، أبو العباس العالم العلامة، حامل لواء المذهب المالكي، ولد سنة 1428هـ، أخذ من علماء تلمسان كالإمام محمد بن العباس والعالم الخطيب الصالح ابن مرزوق، من أهم مؤلفاته: "المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب"، توفي سنة 1508هـ .
7جاء في السؤال أن هذا المورسكي قال على جهة الإنكار للهجرة إلى دار الإسلام :"إلى ها هنا يهاجر من هناك ؟بل من هنا تجب الهجرة الى هناك".
8 عبد المجيد القدوري، سفراء مغاربة في أوروبا 1610-1922: في الوعي بالتفاوت، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط،1995، ص. 27-28.
9ونخص بالذكر هنا كتابه المعنون ب :"الإكسير في فكاك الاسير".
10 تحدث عن ذلك في كتابه:" بيان الخسارة " للمزيد من التفاصيل انظر:عمر أفا ،التجارة المغربية في القرن التاسع عشر :البنيات والتحولات 1830ـ1912 ، دار الامان، الرباط، 2006، ص. 210.
11 Bathilde Larsonneur, Histoire de Gibraltar, Collection :que –sais-je ?Presse Universitaire de France,n.674,1955.p 5. 12 J.L.Miege,Le Maroc et l Europe (1822-1906),t2,Ed laPorte,Rabat,1989 ,pp.65-69.
13.محمد المنصور، تجار السلطان، معلمة المغرب، ج07، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، 1989-2005، ص. 2279.
14- Nadia Erzini, Hal Yaslah li-Taqunsut, is he suitable for Consul ship ? The Moroccan Consuls in Gibraltar during the nintheenth Century, in the Journal of North, African studies ,vol, 12, n 2007, p 518.
15روجرز، تاريخ العلاقات الانجليزية ـالمغربية حتى سنة 1900،ترجمة يونان لبيب رزق، الدار البيضاء، 1981، ص. 32ـ36. 16 Hopkins,F.P,Letters from Barbary 1576-1774.Arabic Documents,in the Public Record Office.Oxford University Press,1982,PP .46-50.
17 للاطلاع على هذه الاتفاقيات انظر:عبد اللطيف الشاذلي،نصوص واتفاقيات دولية مبرمة بين المملكة المغربية ودول أجنبية، الجزءان 2و3، المطبعة الملكية، الرباط،2006 ـ2007.
18 انظر بنود الاتفاقية الموقعة بين المغرب وبريطانيا سنة 1801 ضمن المرجع أعلاه، ص. 199ـ220.
19انظر الشرط الثامن من المعاهدة أعلاه.
20 انظر المعاهدة المغربية البريطانية لسنة 1856 ضمن كتاب عبد اللطيف الشاذلي السالف الذكر، ص.379ـ402.
21عبد العزيز السعود ،تطوان في القرن الثامن عشر: السلطة ـ المجتمع- الدين، منشورات جمعية تطاون أسمير، تطوان، 2007،ص.150 ـ151.
22 محمد المنصور، بجة محمد بن عمر، معلمة المغرب ، ج04، ص 1038.
23 محمد المنصور، المغرب قبل الاستعمار :المجتمع والدولة والدين (1792-1822)، ترجمة محمد حبيدة، المركز الثقافي الغربي، 2006 ،ص89ـ90.
Nadia Erzini, op.cit, pp 524-525.
25عبد القادر الرزيني ،وثائق عائلة الرزيني حول تطوان ، ضمن أعمال ندوة تطوان قبل الحماية، مجموعة البحث في التاريخ المغربي والأندلس، تطوان، 1994، ص.
10-20. 26Nadia Erzini ,British-Moroccan Relations in the first half of 19thCentury from the Perspective of the Erzini Archive ,Revue d’Histoire Maghrébine ,n.105,2002,pp 94-95. 27عمر أفا، مرجع سابق، ص.209ـ210. 28 Nadia Erzini, op.cit, p 525.
الأحد، 18 أكتوبر 2015
محمد كنبيب،التنافس الإستعماري 1894 - 1912: الترتيب، القروض، الإنتفاضات
ارتباطا بالتحولات السياسية العامة لأوربا وتزايد الضغوطات
الخارجية في عهد الصدر الأعظم بَاحماد ، كان لابد أن يتبلور اتجاه واضح نحو عزل
المغرب عن الساحة الدولية
1 - الضغوطات الألمانية، التراجع البريطاني، الإجتياح الفرنسي
2 - الترتيب العزيزي
3 - اللجوء إلى القروض الخارجية
4 - انتفاضات في القبائل وفتن في المدن
5 - من الاتفاق الودي إلى مؤتمر الجزيرة الخضراء 1904-1906
6 - عهد مولاي عبد الحفيظ 1907 - 1912
2 - الترتيب العزيزي
3 - اللجوء إلى القروض الخارجية
4 - انتفاضات في القبائل وفتن في المدن
5 - من الاتفاق الودي إلى مؤتمر الجزيرة الخضراء 1904-1906
6 - عهد مولاي عبد الحفيظ 1907 - 1912
1-
الضغوطات الألمانية، التراجع البريطاني، الاجتياح الفرنسي
جمعت المغرب منذ سنة 1885 ″صداقة″ مع ألمانيا التي جاءت متأخرة في السباق نحو المستعمرات ، بحكم انشغالها بتحويل أنظار فرنسا عن ″الخط الأزرق لجبال الفوج″ . لكن تبين أن ذلك غير كاف لتعويض الفراغ الذي مهد له ″التحرر من الإلتزام″ لبريطانيا العظمى إزاء المغرب ، حيث تميزت سنة 1894 بأزمة قوية في العلاقات المغربية الألمانية . تجسدت في استعراض عسكري بحري منظم من طرف الألمان للإسراع بتسوية 200.000 فرنك المفروضة على المخزن كتعويض عن مقتل اثنين من تجارهم . فأفادت هذه الوضعية فرنسا للتقدم نحو توات وواحات كورارة وتديكلت، مثلما شرعت في التخطيط لغزو القصور الواقعة في الشمال .
لقد ظل المخزن أمام هذه الأطماع عاجزا عن الحركة ، خصوصا وأن الانهيار الداخلي تزايدت حدته بسبب استفحال نظام الحمايات . فبدا ″ ضياع الإمبراطورية″ المصير محتوم على حد تعبير دي مونبيل ( De Monbel ) وزير فرنسا بطنجة، خصوصا وأن المحميين والمخالطين الزراعيين كانوا يسارعون في تسهيل التسرب التجاري الأوربي ، الذي تولدت عنه آثار وخِيمة على الاقتصاد المغربي، فالميزان التجاري أصبح غير متوازن.
جمعت المغرب منذ سنة 1885 ″صداقة″ مع ألمانيا التي جاءت متأخرة في السباق نحو المستعمرات ، بحكم انشغالها بتحويل أنظار فرنسا عن ″الخط الأزرق لجبال الفوج″ . لكن تبين أن ذلك غير كاف لتعويض الفراغ الذي مهد له ″التحرر من الإلتزام″ لبريطانيا العظمى إزاء المغرب ، حيث تميزت سنة 1894 بأزمة قوية في العلاقات المغربية الألمانية . تجسدت في استعراض عسكري بحري منظم من طرف الألمان للإسراع بتسوية 200.000 فرنك المفروضة على المخزن كتعويض عن مقتل اثنين من تجارهم . فأفادت هذه الوضعية فرنسا للتقدم نحو توات وواحات كورارة وتديكلت، مثلما شرعت في التخطيط لغزو القصور الواقعة في الشمال .
لقد ظل المخزن أمام هذه الأطماع عاجزا عن الحركة ، خصوصا وأن الانهيار الداخلي تزايدت حدته بسبب استفحال نظام الحمايات . فبدا ″ ضياع الإمبراطورية″ المصير محتوم على حد تعبير دي مونبيل ( De Monbel ) وزير فرنسا بطنجة، خصوصا وأن المحميين والمخالطين الزراعيين كانوا يسارعون في تسهيل التسرب التجاري الأوربي ، الذي تولدت عنه آثار وخِيمة على الاقتصاد المغربي، فالميزان التجاري أصبح غير متوازن.
2 - الترتيب العزيزي
كان المولى عبد العزيز مبعدا عن الحياة السياسية بفعل النفوذ الفعلي الذي كان لوالدته للا رقية. وعند وفاة الرجل القوي باحماد ( 13 ماي 1900) وجد نفسه في مواجهة حقائق الحكم . ورغم أنه كان عديم الخبرة بتدبير شؤون الدولة فقد كان يتميز بفكر متفتح ، حيث أسرع السلطان الشاب ( كان عمره آنذاك لايتجاوز 22 سنة ) إلى تعيين صدر أعظم جديد هو المختار بن عبد الله ( الذي عوض فضول غرنيط )، ووضع عدة مشاريع إصلاحية والتخطيط لأخرى بدعم أو بإيعاز من العلاف الكبير المهدي المنبهي .
فأظهر السلطان بسرعة رغبته في إعادة بناء المخزن عبر تحديد مهام مختلف الوزراء ، وجعل استشارة الأعيان تتم بشكل منتظم ( استدعاء المجلس في الرباط منذ 1901 )، فضلا عن تحديث الجيش والشروع في إصلاح العملة وإعادة تطبيق مشروع تعميم الضرائب الذي أحدثه المولى الحسن .
وهكذا أصبح تعديل النظام الجبائي قابلا للتنفيذ بفعل قرارات مؤتمر مدريد ، وبضمانة من الدول الأوربية . وبالتالي كان هدف هذا المشروع الجديد - عكس تجربة 1884 هو توحيد النظام الجبائي وتعميمه على الجميع بمن فيهم الأجانب والمحميون . غير أن المفوضيات الأوربية لم ترضخ لهذا المبدأ إلا بعد عدة مماطلات قبل أن يصدر هذا القانون في 2 أبريل 1902 والذي أكد على« التسوية بين الأجانب والمحميين ورعايا السلطان أمام الضريبة على المزروعات و الماشية وأراضي الحرث» (المادة الأولى ) .
لكن الدول الأوربية ربطت تطبيق الضرائب الجديدة على مواطنيها ومحمييها بتطبيقها أولا على رعايا السلطان بشكل عام في كل بلاد المخزن . وبذلك كانت في المقابل تشجع على نمو معارضة للإصلاح لدى بعض الفئات الاجتماعية التي ألفت الامتيازات الجبائية. فتعبأت هذه الفئات لإفشاله عندما اعتبرته مخالفا لتعاليم الإسلام، خصوصا وأنها كانت تتوفر على ظهائر تعفيها من أداء الضرائب ،حصلت عليها عندما كانت زواياها تقدم خدماتها للسلطة المركزية، فكانت الحماية الممنوحة بداية لشريف وزان مولاي عبد السلام قد دفعت شرفاء وزان إلى اعتبار الترتيب غير شرعي.
كان المولى عبد العزيز مبعدا عن الحياة السياسية بفعل النفوذ الفعلي الذي كان لوالدته للا رقية. وعند وفاة الرجل القوي باحماد ( 13 ماي 1900) وجد نفسه في مواجهة حقائق الحكم . ورغم أنه كان عديم الخبرة بتدبير شؤون الدولة فقد كان يتميز بفكر متفتح ، حيث أسرع السلطان الشاب ( كان عمره آنذاك لايتجاوز 22 سنة ) إلى تعيين صدر أعظم جديد هو المختار بن عبد الله ( الذي عوض فضول غرنيط )، ووضع عدة مشاريع إصلاحية والتخطيط لأخرى بدعم أو بإيعاز من العلاف الكبير المهدي المنبهي .
فأظهر السلطان بسرعة رغبته في إعادة بناء المخزن عبر تحديد مهام مختلف الوزراء ، وجعل استشارة الأعيان تتم بشكل منتظم ( استدعاء المجلس في الرباط منذ 1901 )، فضلا عن تحديث الجيش والشروع في إصلاح العملة وإعادة تطبيق مشروع تعميم الضرائب الذي أحدثه المولى الحسن .
وهكذا أصبح تعديل النظام الجبائي قابلا للتنفيذ بفعل قرارات مؤتمر مدريد ، وبضمانة من الدول الأوربية . وبالتالي كان هدف هذا المشروع الجديد - عكس تجربة 1884 هو توحيد النظام الجبائي وتعميمه على الجميع بمن فيهم الأجانب والمحميون . غير أن المفوضيات الأوربية لم ترضخ لهذا المبدأ إلا بعد عدة مماطلات قبل أن يصدر هذا القانون في 2 أبريل 1902 والذي أكد على« التسوية بين الأجانب والمحميين ورعايا السلطان أمام الضريبة على المزروعات و الماشية وأراضي الحرث» (المادة الأولى ) .
لكن الدول الأوربية ربطت تطبيق الضرائب الجديدة على مواطنيها ومحمييها بتطبيقها أولا على رعايا السلطان بشكل عام في كل بلاد المخزن . وبذلك كانت في المقابل تشجع على نمو معارضة للإصلاح لدى بعض الفئات الاجتماعية التي ألفت الامتيازات الجبائية. فتعبأت هذه الفئات لإفشاله عندما اعتبرته مخالفا لتعاليم الإسلام، خصوصا وأنها كانت تتوفر على ظهائر تعفيها من أداء الضرائب ،حصلت عليها عندما كانت زواياها تقدم خدماتها للسلطة المركزية، فكانت الحماية الممنوحة بداية لشريف وزان مولاي عبد السلام قد دفعت شرفاء وزان إلى اعتبار الترتيب غير شرعي.
3 - اللجوء إلى القروض الخارجية
أدى فشل كل من الترتيب و إصلاح العملة المغربية والعجز المتفاقم للميزان التجاري ( 52 مليون فرنك فقط في سنوات 1901-1902، مقابل 83 مليون فرنك بالنسبة لكل الفترة الممتدة بين 1889-1899 ) إلى الإنذار بإفلاس الدولة. أضيفت إليها المصاريف الناتجة عن إعادة تشغيل إنتاج البنادق والخراطيش في ماكينة السلاح بمدينة فاس، واستيراد كميات هامة من الأسلحة الأوربية والأمريكية. فضلا عن الاقتناء بوفرة وإسراف لبعض المخترعات الأوربية التي ينقلها وكلاء تجاريون إلى المشور (دراجات هوائية، سيارات، زوارق بمحركات، بلغت قيمتها 30 مليون فرنك بين سنتي 1900و 1903) ، كل ذلك أدى إلى استنفاذ موارد الخزينة.
للخروج من هذا المأزق، اضطر المولى عبد العزيز إلى الالتجاء إلى سياسة الاقتراض من الخارج بنسب فائدة عالية، توسط له فيها صيرفيون أوربيون . لكن أمام اتساع حاجياته ومصاريفه الناتجة عن تنظيم حركات ضد القبائل الثائرة، وجد نفسه بسرعة مجبرا على الإلحاح أكثر في طلب المزيد من القروض الأجنبية. وهكذا سلمت مجموعة من البنوك يتقدمها ″بنك باريس والأراض المنخفضة″ أول قرض للمخزن في سنة 1902 دون ضمانات، بلغت قيمته 7.5 مليون فرنك (الذي أصبح وسيلة لانطلاق الدورة الجهنمية للاقتراض) خاصة وأن هم هذه المجموعة كان هو آجال سداد الدين .
ونظرا لعجز المخزن عن تسديد أصل الدين وفوائده ، اضطر في سنة 1903 إلى الحصول على قرض آخر تقدمت به بنوك إنجليزية وإسبانية (ساهمت الأبناك الفرنسية فيه دون إشعار حكوماتها). أما القرض الثالث فتم في سنة 1904 وبلغ 62.5 مليون فرنك قدمه كونسورتيوم الأبناك الفرنسية.وشكل مثالا لمدى خطورة سياسة الإقتراض (ذلك أن الخزينة لم تتسلم منه سوى مبلغ محدود لم يتجاوز العشر) ، مثلما ساهم هذا القرض والشروط التي قدم فيها في فرض فعلي ″للحماية المالية″ على البلاد.
أدى فشل كل من الترتيب و إصلاح العملة المغربية والعجز المتفاقم للميزان التجاري ( 52 مليون فرنك فقط في سنوات 1901-1902، مقابل 83 مليون فرنك بالنسبة لكل الفترة الممتدة بين 1889-1899 ) إلى الإنذار بإفلاس الدولة. أضيفت إليها المصاريف الناتجة عن إعادة تشغيل إنتاج البنادق والخراطيش في ماكينة السلاح بمدينة فاس، واستيراد كميات هامة من الأسلحة الأوربية والأمريكية. فضلا عن الاقتناء بوفرة وإسراف لبعض المخترعات الأوربية التي ينقلها وكلاء تجاريون إلى المشور (دراجات هوائية، سيارات، زوارق بمحركات، بلغت قيمتها 30 مليون فرنك بين سنتي 1900و 1903) ، كل ذلك أدى إلى استنفاذ موارد الخزينة.
للخروج من هذا المأزق، اضطر المولى عبد العزيز إلى الالتجاء إلى سياسة الاقتراض من الخارج بنسب فائدة عالية، توسط له فيها صيرفيون أوربيون . لكن أمام اتساع حاجياته ومصاريفه الناتجة عن تنظيم حركات ضد القبائل الثائرة، وجد نفسه بسرعة مجبرا على الإلحاح أكثر في طلب المزيد من القروض الأجنبية. وهكذا سلمت مجموعة من البنوك يتقدمها ″بنك باريس والأراض المنخفضة″ أول قرض للمخزن في سنة 1902 دون ضمانات، بلغت قيمته 7.5 مليون فرنك (الذي أصبح وسيلة لانطلاق الدورة الجهنمية للاقتراض) خاصة وأن هم هذه المجموعة كان هو آجال سداد الدين .
ونظرا لعجز المخزن عن تسديد أصل الدين وفوائده ، اضطر في سنة 1903 إلى الحصول على قرض آخر تقدمت به بنوك إنجليزية وإسبانية (ساهمت الأبناك الفرنسية فيه دون إشعار حكوماتها). أما القرض الثالث فتم في سنة 1904 وبلغ 62.5 مليون فرنك قدمه كونسورتيوم الأبناك الفرنسية.وشكل مثالا لمدى خطورة سياسة الإقتراض (ذلك أن الخزينة لم تتسلم منه سوى مبلغ محدود لم يتجاوز العشر) ، مثلما ساهم هذا القرض والشروط التي قدم فيها في فرض فعلي ″للحماية المالية″ على البلاد.
4 - انتفاضات في القبائل وفتن في المدن
تظافرت مجموعة من العوامل في تعميم القلاقل والتمردات في عدة أنحاء من البلاد، عبرت عنها انتفاضات الفلاحين واستياء السكان الحضريين . تزامن ذلك مع استمرار اغتصاب الأراضي المغربية من طرف القوات الأوربية (احتلال الفرنسيين لكوراي في مايو سنة 1900 وتوات في يناير فبراير 1901 ) والمس بسيادة البلاد في شتى المجالات والآثار الكارثية لمحاولات الإصلاح النقدي ( سك مفرط للنقود البرونزية 500 طن في سنة 1902، عجل بانهيار قيمة العملة) . رافقتها أزمة في الإنتاج الاقتصادي (إنتاج ضعيف من الحبوب) كانت إيذانا بميلاد الإنتفاضات التي شملت جميع البوادي المغربية تقريبا ، إلى جانب الفتن في المدن (مراكش في يناير سنة 1904) .
وفي منطقة الشمال الغربي وجد المخزن نفسه في مواجهة تمرد أحمد الريسوني. فانطلاقا من مركزه في الزينات ضاعف ″ملك الجبال″ حسب تعبير روزيتا فوربيس، من ابتزازه لقبائل جبالة وغاراته على المدن بمنطقة الفحص. مثلما نظم عمليات اختطاف للأجانب (اختطاف الأمريكي بيرديكاريس (Perdicaris) والصحفي الإنجليزي والتر هاريس (Walter Harris) ومواطنه المدرب العسكري هاري ماكلين (Harry Maclean) .
أما في شرق فاس فقد ظهرت حركة أكثر خطورة. قام بها "روكي" غريب الأطوار هو الجيلالي الزرهوني الملقب ببوحمارة، ينتمي إلى دوار أولاد يوسف (زرهون). كان طوبوغرافيا في الجيش المخزني، تعرض للطرد من خدمته ككاتب لدى مولاي عمر- أخ السلطان مولاي عبد العزيز- لأسباب غير معروفة. وبعد مقام قصير بالجزائر عاد في شهري نونبر دجنبر سنة 1902 لإثارة قبائل المنطقة الشرقية وخاصة غياثة (ناحية تازة) مدعيا أنه المولى امحمد الابن الأكبر للمولى الحسن، وأنه أحق بالعرش من أخيه المولى عبد العزيز.
وقد استغل بوحمارة الإستياء العام ضد التوجه الأوربي للسلطان الشاب، كما استفاد من الأزمة النفسية التي كانت تعم البلاد في انتظار ″ رجل الساعة ″ مصلح الأحوال، فانضم إليه أنصار كثر. فتمكن منذ المواجهات الأولى من تحقيق انتصار على المحلة السلطانية بالقرب من مدينة فاس (دجنبر 1902)، نجح على إثره في احتلال تازة التي اتخذها عاصمة مؤقتة. وفي أعقاب طرده منها (سنة 1903) استقر في سلوان وهي مركز في الريف قريب من مدينة مليلية.
تظافرت مجموعة من العوامل في تعميم القلاقل والتمردات في عدة أنحاء من البلاد، عبرت عنها انتفاضات الفلاحين واستياء السكان الحضريين . تزامن ذلك مع استمرار اغتصاب الأراضي المغربية من طرف القوات الأوربية (احتلال الفرنسيين لكوراي في مايو سنة 1900 وتوات في يناير فبراير 1901 ) والمس بسيادة البلاد في شتى المجالات والآثار الكارثية لمحاولات الإصلاح النقدي ( سك مفرط للنقود البرونزية 500 طن في سنة 1902، عجل بانهيار قيمة العملة) . رافقتها أزمة في الإنتاج الاقتصادي (إنتاج ضعيف من الحبوب) كانت إيذانا بميلاد الإنتفاضات التي شملت جميع البوادي المغربية تقريبا ، إلى جانب الفتن في المدن (مراكش في يناير سنة 1904) .
وفي منطقة الشمال الغربي وجد المخزن نفسه في مواجهة تمرد أحمد الريسوني. فانطلاقا من مركزه في الزينات ضاعف ″ملك الجبال″ حسب تعبير روزيتا فوربيس، من ابتزازه لقبائل جبالة وغاراته على المدن بمنطقة الفحص. مثلما نظم عمليات اختطاف للأجانب (اختطاف الأمريكي بيرديكاريس (Perdicaris) والصحفي الإنجليزي والتر هاريس (Walter Harris) ومواطنه المدرب العسكري هاري ماكلين (Harry Maclean) .
أما في شرق فاس فقد ظهرت حركة أكثر خطورة. قام بها "روكي" غريب الأطوار هو الجيلالي الزرهوني الملقب ببوحمارة، ينتمي إلى دوار أولاد يوسف (زرهون). كان طوبوغرافيا في الجيش المخزني، تعرض للطرد من خدمته ككاتب لدى مولاي عمر- أخ السلطان مولاي عبد العزيز- لأسباب غير معروفة. وبعد مقام قصير بالجزائر عاد في شهري نونبر دجنبر سنة 1902 لإثارة قبائل المنطقة الشرقية وخاصة غياثة (ناحية تازة) مدعيا أنه المولى امحمد الابن الأكبر للمولى الحسن، وأنه أحق بالعرش من أخيه المولى عبد العزيز.
وقد استغل بوحمارة الإستياء العام ضد التوجه الأوربي للسلطان الشاب، كما استفاد من الأزمة النفسية التي كانت تعم البلاد في انتظار ″ رجل الساعة ″ مصلح الأحوال، فانضم إليه أنصار كثر. فتمكن منذ المواجهات الأولى من تحقيق انتصار على المحلة السلطانية بالقرب من مدينة فاس (دجنبر 1902)، نجح على إثره في احتلال تازة التي اتخذها عاصمة مؤقتة. وفي أعقاب طرده منها (سنة 1903) استقر في سلوان وهي مركز في الريف قريب من مدينة مليلية.
5 - من الإتفاق الودي إلى مؤتمر الجزيرة الخضراء 1904-1906
5 - 1: الإخلال بالإلتزامات البريطانية
كانت ″ الصفقة ″ الموقعة في 8 أبريل سنة 1904 بين الفرنسيين والبريطانيين على حساب المغرب ومصر قد أكدت بوضوح، اقتراب نهاية استقلال المغرب. خاصة بعد الإعلان عن إرسال سفارة فرنسية إلى مدينة فاس- بقيادة سان روني طاياندي (Saint-René Taillandier) (بداية ربيع سنة 1905) -الهادفة إلى الزيادة من النفوذ الفرنسي، عبر اقتراحه إنشاء بنك مخزني وإتمام قرض جديد يتراوح بين 150 و200 مليون فرنك، مرهون بمجموع مداخيل بيت المال فضلا عن الإعلان عن برنامج للأشغال العمومية والإصلاحات العسكرية والإدارية. وكل ذلك تحت إشراف فرنسا.
لقد رفض وفد من الأعيان والعلماء برئاسة جعفر بن إدريس الكتاني، قدِم للحضرة الشريفة في يوم 22 دجنبر سنة 1904هذه الاقتراحات. وأصدر فتوى تضمنت إقصاء الوزراء المعروفين بميلهم وتعاونهم مع الفرنسيين، وإعادة التوازن للدبلوماسية المغربية عبر توجيهها نحو العالم الإسلامي وخاصة الإمبراطورية العثمانية.
5 - 1: الإخلال بالإلتزامات البريطانية
كانت ″ الصفقة ″ الموقعة في 8 أبريل سنة 1904 بين الفرنسيين والبريطانيين على حساب المغرب ومصر قد أكدت بوضوح، اقتراب نهاية استقلال المغرب. خاصة بعد الإعلان عن إرسال سفارة فرنسية إلى مدينة فاس- بقيادة سان روني طاياندي (Saint-René Taillandier) (بداية ربيع سنة 1905) -الهادفة إلى الزيادة من النفوذ الفرنسي، عبر اقتراحه إنشاء بنك مخزني وإتمام قرض جديد يتراوح بين 150 و200 مليون فرنك، مرهون بمجموع مداخيل بيت المال فضلا عن الإعلان عن برنامج للأشغال العمومية والإصلاحات العسكرية والإدارية. وكل ذلك تحت إشراف فرنسا.
لقد رفض وفد من الأعيان والعلماء برئاسة جعفر بن إدريس الكتاني، قدِم للحضرة الشريفة في يوم 22 دجنبر سنة 1904هذه الاقتراحات. وأصدر فتوى تضمنت إقصاء الوزراء المعروفين بميلهم وتعاونهم مع الفرنسيين، وإعادة التوازن للدبلوماسية المغربية عبر توجيهها نحو العالم الإسلامي وخاصة الإمبراطورية العثمانية.
5-2: زيارة
غليوم الثاني لطنجة ( 1905)
شكلت زيارة الإمبراطور الألماني (31 مارس 1905) حدثا مفاجئا على الساحة الدولية، وأنعشت في المغرب آمال معارضة الأطماع الفرنسية. فقد كان هدف الزيارة هو تجاوز تحييد ألمانيا دبلوماسيا، وفرضها طرفا أساسيا في توزيع ″الكعكة المغربية″، وتأمين الامتيازات والمصالح الإقتصادية والتجارية الألمانية في المغرب. فخاطب الإمبراطور الألماني الجالية الألمانية مؤكدا معارضته لأي محاولة فرنسية لفرض حمايتها على المغرب والإستفراد به. ونجم عن الموقف الألماني توتر في العلاقات بين باريس وبرلين.
شكلت زيارة الإمبراطور الألماني (31 مارس 1905) حدثا مفاجئا على الساحة الدولية، وأنعشت في المغرب آمال معارضة الأطماع الفرنسية. فقد كان هدف الزيارة هو تجاوز تحييد ألمانيا دبلوماسيا، وفرضها طرفا أساسيا في توزيع ″الكعكة المغربية″، وتأمين الامتيازات والمصالح الإقتصادية والتجارية الألمانية في المغرب. فخاطب الإمبراطور الألماني الجالية الألمانية مؤكدا معارضته لأي محاولة فرنسية لفرض حمايتها على المغرب والإستفراد به. ونجم عن الموقف الألماني توتر في العلاقات بين باريس وبرلين.
5-3: مؤتمر
الجزيرة الخضراء: المغرب تحت الحماية الدولية
كان المؤتمر الدولي المنعقد في الجزيرة الخضراء من 16 يناير إلى 7 أبريل سنة 1906، والهادف إلى إيجاد حل للأزمة المغربية الأولى قد نجح في تجاوز إشعال نزاع مسلح بين فرنسا وألمانيا ) وبين حلفائهم على التوالي . (ولم يتم الوصول إلى هذه النتيجة إلا عبر فرض بنود جديدة قاسية وتطاولات إضافية ، نقصت بشكل شبه تام من الاستقلال المغربي رغم أن الموقعين على الاتفاق النهائي أكدوا جميعا « سيادة جلالة السلطان الشريفة ووحدة أراضيه» .
ومن أهم الإجراءات التي أقرها مؤتمر الجزيرة الخضراء الإعتراف بالحقوق الخاصة لفرنسا وإسبانيا والتأكيد على مبدأ المساواة الاقتصادية للدول الكبرى ، وإقرار مبدأ الباب المفتوح في المجال التجاري ، ومنع إجراء أي إصلاح جبائي أو مالي دون موافقة مسبقة من الممثليات الأوربية . فضلا عن تنظيم بوليس في الموانئ بتأطير فرنسي وإسباني ، وإنشاء ″لجنة مكلفة بالأشغال العمومية″ ، وتأسيس بنك مخزني مغربي براساميل أجنبية.
كان المؤتمر الدولي المنعقد في الجزيرة الخضراء من 16 يناير إلى 7 أبريل سنة 1906، والهادف إلى إيجاد حل للأزمة المغربية الأولى قد نجح في تجاوز إشعال نزاع مسلح بين فرنسا وألمانيا ) وبين حلفائهم على التوالي . (ولم يتم الوصول إلى هذه النتيجة إلا عبر فرض بنود جديدة قاسية وتطاولات إضافية ، نقصت بشكل شبه تام من الاستقلال المغربي رغم أن الموقعين على الاتفاق النهائي أكدوا جميعا « سيادة جلالة السلطان الشريفة ووحدة أراضيه» .
ومن أهم الإجراءات التي أقرها مؤتمر الجزيرة الخضراء الإعتراف بالحقوق الخاصة لفرنسا وإسبانيا والتأكيد على مبدأ المساواة الاقتصادية للدول الكبرى ، وإقرار مبدأ الباب المفتوح في المجال التجاري ، ومنع إجراء أي إصلاح جبائي أو مالي دون موافقة مسبقة من الممثليات الأوربية . فضلا عن تنظيم بوليس في الموانئ بتأطير فرنسي وإسباني ، وإنشاء ″لجنة مكلفة بالأشغال العمومية″ ، وتأسيس بنك مخزني مغربي براساميل أجنبية.
5-4: احتلال الفرنسيين لوجدة والدار البيضاء والشاوية في
سنة 1907
تهيأت عدة ظروف منحت لفرنسا الفرصة للتدخل عسكريا في المغرب، وإحكام قبضتها على البلاد، تمثلت أولا في مقتل الدكتور إميل موشان رئيس مستوصف أنشأ ه في سنة 1905 ، كان سكان المدينة قد رأوا فيه تحديا لهم على اعتبار أنه ″كان يروم أهدافا تبشيرية ماكرة″ (19 مارس 1907). و تلت هذا الحادث هجوم قبائل الشاوية (في يوليوز 1907 ) على تجهيزات وعمال الشركة ذات امتياز إنجاز الأشغال العمومية لميناء الدار البيضاء، وقد جاء هجوم هذه القبائل نتيجة حالة الغليان التي عاشتها منذ تعيين موظف فرنسي لمراقبة المداخيل الجمركية .
تهيأت عدة ظروف منحت لفرنسا الفرصة للتدخل عسكريا في المغرب، وإحكام قبضتها على البلاد، تمثلت أولا في مقتل الدكتور إميل موشان رئيس مستوصف أنشأ ه في سنة 1905 ، كان سكان المدينة قد رأوا فيه تحديا لهم على اعتبار أنه ″كان يروم أهدافا تبشيرية ماكرة″ (19 مارس 1907). و تلت هذا الحادث هجوم قبائل الشاوية (في يوليوز 1907 ) على تجهيزات وعمال الشركة ذات امتياز إنجاز الأشغال العمومية لميناء الدار البيضاء، وقد جاء هجوم هذه القبائل نتيجة حالة الغليان التي عاشتها منذ تعيين موظف فرنسي لمراقبة المداخيل الجمركية .
لقد وضعت الضربة العسكرية المزدوجة لفرنسا المغربَ
- أكثر من أي وقت مضى - بين كماشتين : احتلال وجدة في الشرق ( 29 مارس
1907 ) و الإنزال العسكري يوم 5 أبريل 1907 في الدار البيضاء،
بمساهمة الإسبان بحوالي 600 رجل .
انضافت إلى هذه التوسعات ديون أصبحت ثقيلة نتيجة
فشل الإقتطاعات الجبائية ديون تجاوزت 200 مليون فرنك .ثم
إن الهزائم أمام الروكي وتحديات الريسوني انتهاءً بفرض قرارات الجزيرة
الخضراء كل ذلك أعلن نهاية أمل حكم المولى عبد العزيز.
6 - عهد مولاي عبد الحفيظ 1907 - 1912
6 -1: بيعة مولاي عبد الحفيظ
شكل احتلال عدة مناطق من التراب المغربي مسًّا بهيبة السلطان وتأكيدا لعجزه وقصور سياسته . و قد لاحظ المولى عبد العزيز ذلك على كل الجبهات في أعين رعاياه ، باستثناء الدعم المقدم للشيخ ماء العينين ، الذي استقبله السلطان بحفاوة في المشور سنة 1906 ، ومنحه الأسلحة والمؤن والمال من أجل النهوض بالمقاومة انطلاقا من زاويته بالسمارة في الساقية الحمراء وفي كل الصحراء المغربية .
ففي منطقة الجنوب الشرقي و بفعل غياب الدعم رغم نداءات خليفة تافيلالت المولى رشيد ، بادرت قبائل آيت عطا وبني كيل وآيت خباش بدعم من متطوعين من آيت نظير و آيت يوسي وبني مكيلد لنجدة الأطلس المتوسط . ثم قاومت هذه الفبائل التقدم الفرنسي على طول وادي زوزفانا وواد كير ، كما حاولت كذلك تخريب المراكز العسكرية المقامة في جنوب عين الصفراء ( هجوم في غشت 1904 من طرف حوالي 4000 من المجاهدين ضد مركز طاغيت) .
أما في الشمال فكانت المفاجأة عندما تمكنت القوات الفرنسية من الدخول دون حرب إلى مدينة وجدة. فشكل كل من غياب الحماس الوطني وفكرة الجهاد والفوران القوي الذي أججه وصول أصداء حركات الجماهير في الشرق العربي ( النهضة، الجامعة الإسلامية، القومية العربية)، حركة تركيا الفتاة والنجاح الباهر لليابانيين على الروس ، مجمل الشروط التي عجلت بنهاية حكم المولى عبد العزيز .
6 -1: بيعة مولاي عبد الحفيظ
شكل احتلال عدة مناطق من التراب المغربي مسًّا بهيبة السلطان وتأكيدا لعجزه وقصور سياسته . و قد لاحظ المولى عبد العزيز ذلك على كل الجبهات في أعين رعاياه ، باستثناء الدعم المقدم للشيخ ماء العينين ، الذي استقبله السلطان بحفاوة في المشور سنة 1906 ، ومنحه الأسلحة والمؤن والمال من أجل النهوض بالمقاومة انطلاقا من زاويته بالسمارة في الساقية الحمراء وفي كل الصحراء المغربية .
ففي منطقة الجنوب الشرقي و بفعل غياب الدعم رغم نداءات خليفة تافيلالت المولى رشيد ، بادرت قبائل آيت عطا وبني كيل وآيت خباش بدعم من متطوعين من آيت نظير و آيت يوسي وبني مكيلد لنجدة الأطلس المتوسط . ثم قاومت هذه الفبائل التقدم الفرنسي على طول وادي زوزفانا وواد كير ، كما حاولت كذلك تخريب المراكز العسكرية المقامة في جنوب عين الصفراء ( هجوم في غشت 1904 من طرف حوالي 4000 من المجاهدين ضد مركز طاغيت) .
أما في الشمال فكانت المفاجأة عندما تمكنت القوات الفرنسية من الدخول دون حرب إلى مدينة وجدة. فشكل كل من غياب الحماس الوطني وفكرة الجهاد والفوران القوي الذي أججه وصول أصداء حركات الجماهير في الشرق العربي ( النهضة، الجامعة الإسلامية، القومية العربية)، حركة تركيا الفتاة والنجاح الباهر لليابانيين على الروس ، مجمل الشروط التي عجلت بنهاية حكم المولى عبد العزيز .
6 -2 الحركة الحفيظية
كان يبدو أن هناك إجماعا على المولى عبد الحفيظ لخلافة أخيه المولى عبد العزيز . فقد كان مكلفا بفرض سلطة المخزن بمنطقة سوس، انطلاقا من مقره في تيزنيت ( 1877-1901 ) . ثم أصبح خليفة للسلطان بمراكش . كان ملما بعلوم الدين وحاصلا على إجازة من الشيخ ماء العينين ( 1904 ) . كما كان قارضا للشعر ومؤلفا لعدة كتب ومتأثرا بالفكر السلفي . انحاز إلى صفِّه القوادُ الكبار بالجنوب : المدني لكلاوي وعبد المالك المتوكي وعيسى بن عمر العبدي الذين كانوا متخوفين من ضياع امتيازاتهم أما م اتساع الانتفاضات الشعبية. فتم إعلان توليته بدعم منهم بمراكش يوم 16 غشت سنة 1907، ثم شرع المولى عبد حفيظ في تشكيل حكومة جديدة منحت فيها للمدني لكلاوي وزارة الدفاع ولعيسى بن عمر العبدي وزارة الخارجية، وللمتوكي وزارة الشكايات وللطيب التازي وزارة المالية.
تولد عن الإعلان عن سلطان جديد أمل كبير في تخليص وإنقاذ البلاد، لما حمله من فكرة المقاومة . علما أن المفوضيات الأوربية كانت تخشى منذ زمن بعيد من نداء رسمي للجهاد وما يتلوه من تعبئة للمغاربة بحماس ديني. وهذا ما فسر تخوفها من الشروط التي وضعها سكان مدينة فاس في عقد بيعتهم للسلطان المولى عبد الحفيظ : رفض مقررات الجزيرة الخضراء وتحرير وجدة والشاوية وعدم الاعتراف بديون المولى عبد العزيز وإلغاء الامتيازات والحمايات واستشارة الأمة في أي اتفاقية مع القوى الكبرى وربط العلاقات مع العالم العربي والإسلامي.
كان يبدو أن هناك إجماعا على المولى عبد الحفيظ لخلافة أخيه المولى عبد العزيز . فقد كان مكلفا بفرض سلطة المخزن بمنطقة سوس، انطلاقا من مقره في تيزنيت ( 1877-1901 ) . ثم أصبح خليفة للسلطان بمراكش . كان ملما بعلوم الدين وحاصلا على إجازة من الشيخ ماء العينين ( 1904 ) . كما كان قارضا للشعر ومؤلفا لعدة كتب ومتأثرا بالفكر السلفي . انحاز إلى صفِّه القوادُ الكبار بالجنوب : المدني لكلاوي وعبد المالك المتوكي وعيسى بن عمر العبدي الذين كانوا متخوفين من ضياع امتيازاتهم أما م اتساع الانتفاضات الشعبية. فتم إعلان توليته بدعم منهم بمراكش يوم 16 غشت سنة 1907، ثم شرع المولى عبد حفيظ في تشكيل حكومة جديدة منحت فيها للمدني لكلاوي وزارة الدفاع ولعيسى بن عمر العبدي وزارة الخارجية، وللمتوكي وزارة الشكايات وللطيب التازي وزارة المالية.
تولد عن الإعلان عن سلطان جديد أمل كبير في تخليص وإنقاذ البلاد، لما حمله من فكرة المقاومة . علما أن المفوضيات الأوربية كانت تخشى منذ زمن بعيد من نداء رسمي للجهاد وما يتلوه من تعبئة للمغاربة بحماس ديني. وهذا ما فسر تخوفها من الشروط التي وضعها سكان مدينة فاس في عقد بيعتهم للسلطان المولى عبد الحفيظ : رفض مقررات الجزيرة الخضراء وتحرير وجدة والشاوية وعدم الاعتراف بديون المولى عبد العزيز وإلغاء الامتيازات والحمايات واستشارة الأمة في أي اتفاقية مع القوى الكبرى وربط العلاقات مع العالم العربي والإسلامي.
وفي هذا الاتجاه أضافت - في فترة لاحقة - لسان المغرب، وهي
جريدة في طنجة نشطها سوريون ولبنانيون، مشروع دستور وتشكيل مجلس للنواب قدمته
للسلطان المولى عبد الحفيظ في عدد 11 أكتوبر سنة 1908، والذي يمكن أن يمنح- حسب
الجريدة- حرية الحركة والفكر الضروريين لإنجاز الإصلاحات. وتولدت عن هذه
الاقتراحات مطالب كانت تهدف إلى « وضع تعليم ابتدائي إجباري ومجاني، وطرد
العملاء والجواسيس، وتعيين رجال أكفاء مؤهلين وشرفاء في مناصب المسؤولية».
6 -
3- تناقضات وحدود الحركة والنظام الحفيظيين
بعد عزل المولى عبد العزيز ( في 21 غشت سنة 1908 ) وجدَ المولى عبد الحفيظ نفسه بسرعة بيد قوة المطالب الراديكالية للبعض من أنصاره . ورهَنت الدول الأوربية اعترافها به، بقبوله لمقررات الجزيرة الخضراء. كما كانت فرنسا تبحث وضع شروط إضافية قاسية ، تتمثل في إعلان صريح من السلطان يقرأ على منابر جميع المساجد يعلن فيه تخليه عن الجهاد .
وأمام اضطرار السلطان الإقرار بديون أخيه المولى عبد العزيز وتجميد مداخيل الجمارك غير المرهونة والمحولة لبنك الدولة، وجد نفسه في مواجهة نفاذ موارده المالية والحاجة لاسترجاع جزء من المداخيل الجمركية، وتحريك جهاز الدولة والقضاء على تمرد بوحمارة. فلم يكن له من حل سوى التفاوض مع الممثليات الأوربية على قبوله لقرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء ( سنة 1909 ) .
وإزاء مواقف السلطان قام الشريف محمد الكتاني بإثارة القبائل ضد المولى عبد الحفيظ خاصة أمام استمرار تعسفات وجوْر ″القواد الكبار″ في الجنوب الذين أصبحوا وزراء، ضد أولاد جامع، آيت نظير والشراردة ( وهم من قبائل الكيش، كانت تستفيد من الإعفاء الضريبي ) وبني احسن... إلخ . خلق استياء عارما تمثلت أهمُّ أبعاده في حصار فاس سنة 1911.
بعد عزل المولى عبد العزيز ( في 21 غشت سنة 1908 ) وجدَ المولى عبد الحفيظ نفسه بسرعة بيد قوة المطالب الراديكالية للبعض من أنصاره . ورهَنت الدول الأوربية اعترافها به، بقبوله لمقررات الجزيرة الخضراء. كما كانت فرنسا تبحث وضع شروط إضافية قاسية ، تتمثل في إعلان صريح من السلطان يقرأ على منابر جميع المساجد يعلن فيه تخليه عن الجهاد .
وأمام اضطرار السلطان الإقرار بديون أخيه المولى عبد العزيز وتجميد مداخيل الجمارك غير المرهونة والمحولة لبنك الدولة، وجد نفسه في مواجهة نفاذ موارده المالية والحاجة لاسترجاع جزء من المداخيل الجمركية، وتحريك جهاز الدولة والقضاء على تمرد بوحمارة. فلم يكن له من حل سوى التفاوض مع الممثليات الأوربية على قبوله لقرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء ( سنة 1909 ) .
وإزاء مواقف السلطان قام الشريف محمد الكتاني بإثارة القبائل ضد المولى عبد الحفيظ خاصة أمام استمرار تعسفات وجوْر ″القواد الكبار″ في الجنوب الذين أصبحوا وزراء، ضد أولاد جامع، آيت نظير والشراردة ( وهم من قبائل الكيش، كانت تستفيد من الإعفاء الضريبي ) وبني احسن... إلخ . خلق استياء عارما تمثلت أهمُّ أبعاده في حصار فاس سنة 1911.
6-
4- المولى عبدالحفيظ وتكرار السابقة العزيزية
بجانب استمرار الابتزاز وبيع مختلف أنواع الوظائف من طرف القواد الباحثين عن سبل الاغتناء، مما شكل عوامل إضافية في تفكيك أسس المجتمع المغربي والتشكيك من جديد في شرعية ″سلطان الجهاد″، سارع هذا الأخير إلى توقيع قرض بـ90 مليون فرنك بباريس رهَن به مداخيل الأملاك المخزنية المحيطة بالمراسي وما تبقى من مداخيل هذه المراسي واحتكار التبغ والكيف .
في هذه الأجواء، وكرد فعل على ما آلت إليه الأمور، اجتمع مندوبو القبائل في أكوراي ( جنوب مدينة مكناس ) وقرروا محاصرة العاصمة وإجبار السلطان على الوفاء بالتزاماته المُضَّمَّنة في بيعة فاس. لكن هذا المشروع ووجه بتدخل من قوات الجنرال موانيي ( 21 مايو سنة 1911 )، والتي كانت موجهة في البداية ضد محلة الشريف العمراني القادمة من الشاوية لمحاصرة العاصمة.
استغلت فرنسا وجود قواتها العسكرية في مدينة فاس لدفع المولى عبد الحفيظ في اتجاه قبول فكرة الحماية.كما أن الاتفاق الموقع في برلين في 4 نوفمبر سنة 1911 غدا ة الحضور القوي لألمانيا في الساحة المغربية، وإرسال بارجة حربية تسمى ″ بانطير ″ إلى ساحل أكادير سهَّل من مناوراتها.
بجانب استمرار الابتزاز وبيع مختلف أنواع الوظائف من طرف القواد الباحثين عن سبل الاغتناء، مما شكل عوامل إضافية في تفكيك أسس المجتمع المغربي والتشكيك من جديد في شرعية ″سلطان الجهاد″، سارع هذا الأخير إلى توقيع قرض بـ90 مليون فرنك بباريس رهَن به مداخيل الأملاك المخزنية المحيطة بالمراسي وما تبقى من مداخيل هذه المراسي واحتكار التبغ والكيف .
في هذه الأجواء، وكرد فعل على ما آلت إليه الأمور، اجتمع مندوبو القبائل في أكوراي ( جنوب مدينة مكناس ) وقرروا محاصرة العاصمة وإجبار السلطان على الوفاء بالتزاماته المُضَّمَّنة في بيعة فاس. لكن هذا المشروع ووجه بتدخل من قوات الجنرال موانيي ( 21 مايو سنة 1911 )، والتي كانت موجهة في البداية ضد محلة الشريف العمراني القادمة من الشاوية لمحاصرة العاصمة.
استغلت فرنسا وجود قواتها العسكرية في مدينة فاس لدفع المولى عبد الحفيظ في اتجاه قبول فكرة الحماية.كما أن الاتفاق الموقع في برلين في 4 نوفمبر سنة 1911 غدا ة الحضور القوي لألمانيا في الساحة المغربية، وإرسال بارجة حربية تسمى ″ بانطير ″ إلى ساحل أكادير سهَّل من مناوراتها.
قراءة في كتاب ''المغرب وأوروبا (مسألة التجاوز)'' لمؤلفه الأستاذ عبد المجيد القدوري ـ عاهد ازحيمي
يعتبر كتاب المغرب وأوروبا مابين القرنين الخامس عشر والثامن عشر (مسألة التجاوز) لصاحبه عبد المجيد القدوري من أهم الكتابات المعاصرة عن المرحلة الحديثة لكونه ينطلق من أسئلة أخذت باهتمام المهتمين بدراسة تقدم الغرب بالمقارنة مع العالم الإسلام، وانصبت معظم هذه التساؤلات في اتجاه الإسلام والمشروع المجتمعي، حيث شكلت مسالة التباين بين الحضارات موضوع نقاش بين مختلف المفكرين العرب والأجانب، فاختلفت التحليلات والتأويلات، التي بحثت عن أجوبة شافية ومستفيضة حول تساؤل مركزي، فحواه لماذا، نهض الغرب وتراجع العرب، ما هي ميكانيزمات التي تحكمت في هذا التطور؟ ويتناول هذا الكتاب الفترة التي تمتد من المد الأيبيري كتدشين لمرحلة التوسع الأوروبي واستغلال العوالم الأخرى، وتنتهي مع تجربة محمد بن عبد الله التجديدية، معتمدا في تحليله على المدى الطويل، بهدف تتبع المراحل التي تمت فيها محولات التجديد بالمغرب، لإبراز خصوصيات كل مرحلة وإدراك ما إذا كان التجديد مستمرا أم أن كل تجربة كانت تموت بموت صاحبها. وهكذا كان عبد المجيد القدوري سباقا للقيام بدراسة من هذا النوع حيث توقف على العديد من المفاهيم والمظاهر من تاريخ المغرب، وقدم قراءة جديدة للمصادر، بهدف الإجابة عن العوامل والأسباب التي حالت دون تقدم المغرب، ومواكبته للتطور الذي عرفته أوربا خلال العصر الحديث، إذن فكيف عالج عبد المجيد القدوري مسألة التجاوز بين المغرب وأوربا؟ وما هي أهم القضايا التي توقف عندها؟ 1. مقدمة الكتاب: حاول عبد المجيد في مقدمة هذا الكتاب أن يبرز بأن أوربا حاولت الإنفراد بالمبادرة وعملت على فرض إيقاعها على الآخرين، ولما تحقق لها ذلك صارت تتلذذ وتفتخر بملكاتها العقلية لتنظر من فوق العوالم الأخرى، غير أن ما يثير الانتباه هو أن دعاة هذا الموقف نسوا أو تناسوا بأن قوة أوربا وتقدها جاء نتيجة استغلالها لمقومات وخيرات حضارية أخرى، حيث دخل الأوروبيون بسبب الاكتشافات الجغرافية في مرحلة استنزافية فرضوها على الآخرين، وذكر بأن أوربا لم تكتفي باستغلال الثقافات والحضارات الأخرى بل عملت على طمس هويات هذه الشعوب. وبين بأن الاتجاه الاقتصادي تناول مسألة التجاوز من زاوية اقتصادية، فحاول البعض أن يحمل الجمود في البلدان النامية إلى الحركة الاستعمارية التي أجهضت كل محاولات الهادفة إلى التنمية، بينما سعى آخرون إلى معالجة موضوع التقدم والتأخر من زاوية أروبية وحاولت أن تربط الظاهرة بأسباب كامنة في عدم قدرة البلدان المعنية على استيعاب التحولات الاقتصادية العالمية، وانتقد سمير أمين هذا التيار واعتبره غير تاريخي لأنه لم يراعي خصوصيات تطور إفريقيا، أما فيما يخص الكتابات السياسية فلقد رأت في نشأة الدولة الحديثة أساس التجاوز لأنها كانت تساير التحولات والمنعطفات الجديدة في أوربا، في حين تشبث المسلمين بماضيهم المجيد مما جعلهم لا يولون أهمية كبرى في دراستهم التاريخية للأزمات والنكبات، وكانت الكاتبة التاريخية التي اهتمت بالعالم الإسلامي في علاقته بالغرب كتابة تمجيدية للحضارة الاسلامية، وإلى جانب هذا الموقف ظهر اتجاه أخر ربط كل ويلات العالم العربي بأوربا، وهنا تساءل عن العوامل التي حالة دون تقدم الغرب؟ ثم انتقل للتقسيم الذي أعطاه لهذا الكتاب. 2. القسم الأول من الكتاب: يعالج عبد المجيد القدوري في هذا القسم التجاوز ومسألة الذهنية، وذلك من خلل أربعة فصول، يحمل أولها عنوان عن العقل في التاريخ، والذي استهله بالحديث عن مكانة العقل عند الأوربيين، حيث أشار بأن أوربا تلجأ إلى تمجيد العقل والعقلانية لتميز نفسها عن غيرها، وكما تطرق في هذا الفصل كذلك بأن الذهنية الأوربية ارتكزت منذ عصر النهضة على العقل واعتبرته أساس تكوين الإنسان الكامل، ثم تساءل عن مفهوم العقل والعقلانية في كل من أوربا والعالم والإسلامي؟ وينقسم هذا الفصل إلى ثلاث محاور: يحمل أولها عنوان مفهوم العقل عند المسلمين والذي تطرق فيه لمفهوم العقل في المعاجم العربية التي حصرت مدلول الكلمة في اتجاهين أولها معرفي يحيل على الفهم والعلم والإدراك، والرأي، وثانيها خلقي ويعني الكف عن الهوى، والكف عن الإساءة وأن لإنسان العاقل هو الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، ثم ذكر بأن فقهاء الإسلام انطلقوا في تحديدهم للعقل من الإستعملات القرآنية، فحسب الإمام الغزالي في كتابه شرف العقل وماهية، فأن العقل هو منبع العلم وأساسه، وهو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة، أما الفقيه اليوسي فذكر بأن العقل ألة خصه الله بها الإنسان، ثم انتقل للحديث عن مفهوم العقل عند ابن خلدون الذي اعتبره قوة يشترك في امتلاكها كل البشر غير أنه لا يبقى على حاله وإنما ينمو ويزداد نباهة بحسب الظروف، وأن العقل تاريخ مركب لأنه لا يمكن فهم عقل مجتمع ما أو ثقافة إلا بالانتباه إلى تداخل الثقافات، ثم انتقل القدوري للحديث عن مفهوم العقل عند علماء الإسلام في عصرنا الحاضر، فوقف عند مفهوم العقل عند محمد عابد الجابري الذي حث على الإهتمام بالعقل المكون داخل بيئته العربية الإسلامية على شرط أن يكون عقلا متجاوزا للخرافات والأساطير وذلك من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي، هذا في حين عالج عبد الله العروي العقل من زاوية تاريخية، فاعتبر أن أساس التأخر في المجتمعات العربية راجع لغياب الوعي التاريخي عندها، ولهذا ركز العروي على أهمية التاريخ في تأسيس وتقويته وتحصينه بالتقدم، وأن التاريخانية الأساس والإستراتجية التي يجب تبنيها من أجل الالتحاق بأوربا ومسايرة العصر، وخلص القدوري في نهاية هذا المحور إلى أن اختلاف مفهوم العقل في الثقافي العربية، يختلف باختلاف المنطلقات. لينتقل للحديث في المحور الثاني من هذا الفصل عن مفهوم العقل عند الأوربيين الذين اعتبره قوة متحركة ومتجددة لأنها تخضع لتبدل الأحول والظروف، وأن العقل عملية مستمرة التكوين شارك في بلورته ثقافات وحضارات بشرية مختلفة، مشيرا إلى أن أوربا عرفت نهضتها خلال القرن الثاني عشر نتيجة احتكاكها بالحضارة الإسلامية، وهو ما عبره جاك لوكوف إذ قال ''الاندفاع الصليبي كان بمثابة انفجار لذهنية المسيحي التي كانت تحلم على الدوام بخيرات الشرق''، وبذلك تحول العقل الأوربي إلى الاهتمام بالتجربة من أجل السيطرة على الطبيعة بما في ذلك من منفعة، وأشار القدوري كذلك إلى أن الفلاسفة الأوربيين خلال القرن الثامن عشر ربطوا العقل بالحرية مستدلا على ذلك بقولة إمنويل كانط الذي قال ''أما بالنسبة للتنوير فلاشيء مطلوب غير الحرية بمعناها الأكثر براءة أي تلك التي تقبل على استخدام علني للعقل في كل الميادين''، وذكر بأن تقدم أوربا غير منفصل عن عقلها التاريخي، ثم انتقل للحديث عن العقل الأوربي بعد انهيار حائط برلين، الذي أنهى قناعات وزعزع ذهنيات وأصبح النقاش حول مصير أوربا فظهر اتجاه يقول بنهاية التاريخ وأن الهيمنة صارت في يد الغرب، في حين كان الاتجاه الثاني يرى بأن العالم بعد 1889 دخل في منعطف جديد، وظهور المواجهة الثقافية. وفي نهاية هذا المحور خلص القدوري إلى العقل الأوربي عقل تاريخي نفعي متغير وتراكمي يعتمد التجديد ليساير الظروف ويطابق كل الممارسات. أما المحور الثالث والأخير من هذا الفصل فيحمل عنوان العقل في تاريخ المغرب، أشار فيه إلى أن العقل السياسي المغربي لم يكن يساير التحولات، وذكر بأن السلاطين المغاربة احتفظوا في مراسلاتهم بشكل بل وحتى مضمون المراسلات التي كانت متبعة على عهد الرسول (ص) والخلفاء، وأشار إلى أن الأسلوب الذي اختاره الذي اختاره هؤلاء السلاطين لا يلاءم ولا يخدم العمل الدبلوماسي المغربي، مقارنة مع الدبلوماسية الأوربية التي وصفها القدوري بالاتزان لكونها تحرص على المصلحة العامة، وخلص في النهاية إلى أن العقل السياسي المغربي كان امتدادا للعقل الإسلامي الذي تميز بالانكسار ولإقصاء التراكم. وأما الفصل الثاني من هذا القسم فيحمل عنوان الحداثة في الذهنية المغربية، والذي ينقسم إلى ثلاثة محاور، يعنون أولها بالحداثة في الثقافة العربية الإسلامية، تطرق فيه إلى لمفهوم الحداثة التي هي نقيض القديم، ثم تساءل عن مدى أمكانية الحديث عن الحداثة في العالم الإسلامي؟ فأجاب بأن الدعوة الإسلامية شكلت أهم حدث في تاريخ المسلمين لكونها شكلت قطيعة مع الماضي، وبذلك تكون الحداثة في العالم الإسلامي مرتبطة بمشروع التغير الذي يرتكز على مبادئ الإيمان واجتهادات عقل الإنسان المسلم، كما يتطلب التغير من المسلم أن يكون مسلحا بالاجتهاد الذي هو حداثة المسلمين، كما يجب أن يكون مبنيا على الحرية وتجاوز التقليد الذي يدفع إلى استئناس الراحة والخمول وفي هذا السياق يرى القدوري مستندا على الكوكبي، بأنه من أجل تجاوز الخرافات، يجب على المسلمين استخدام العقل المتنور، لأن التقاعس الذي يعيشه المسليين ناتج عن تقصير علمائهم في إدراك العلم النافع وتشبثهم بالتكرار والتقليد وتشددهم في الدين، وفي نهاية هذا المحور أشار القدوري إلى أن الاجتهاد هو مفتاح الحداثة في المجتمعات الإسلامية لكنه لن يتحقق ما دامت شروطه التاريخية غائبة. أما في المحور الثاني من هذا الفصل فيحمل عنوان حداثة أوربا، والذي تطرق فيه إلى أن كلمة الحداثة تدل على كل ما هو معاصر، وتتعارض مع ما هو قديم، وأشار إلى أن الكلمة ظهرت في نهاية القرن الخامس الميلادي، غير أن الانطلاق الفعلي للكلمة بدأ حتى عصر النهضة، حيث صارت النهضة رمز التغير والتجاوز، وتهدف إلى خلق ثقافة وقيم منفصلة عن تلك التي كانت تسود أوربا خلال العصر الوسيط، غير أن جاك لوكوف انتقد دعاة هذا الموقف، وطلب برد الاعتبار لهذه الحقبة، إذ قال '' لا توجد في التاريخ نهضة، بل توجد فيه مراحل انتقالية''، ويرجع تجذر الحداثة في أوربا إلى ارتباطها بالطبقة البرجوازية ، لأنها حسب كار ماركس ''سر نمو وتقدم الرأسمالية في أوربا، لأنها عرفت كيف تجعل من حركتها حركة ثورية مناهضة ومفتتة للمجتمع الفيودالي المنهار''، كما أنها لم تكتف بالهيمنة على الاقتصاد، بل وطدت مكانتها في المجال الفكري، فكانت كتابات رجال الإصلاح لعادات العصر الوسيط، كالصاعقة على مكتسبات الكنيسة، وعملت الطبقة البرجوازية على فسح المجال أمام كل عمل خلاق. ومن هنا فالحداثة حسب الطبقة البرجوازية استحضار للذاكرة الجماعية وعمل على استخدامها من أجل فرض مركزية الإنسان الأوربي، وإقصاء الآخر. وفي نهاية هذا المحور خلص إلى أن العصرنة في أوربا فكر وديناميكية جاءت نتيجة تحولات تاريخية أثرت في المجتمعات الأوربية وقادتها طبقة نشيطة جعلت مشروعها ينخرط فيه الجميع، لكونه ينطلق من الحاضر ويراهن على الإنسان الأوربي والحضارة الأوربية، على عكس العالم الإسلامي الذي ظل فيه الاجتهاد أسلوبا ومنهجا دفاعيا يعتمد بالأساس على الجدل ويتميز بالعقم، نظرا لعدم وجود تقاطع بين الفكر والواقع. ثم انتقل للحديث في المحور الثالث من هذا الفصل عن أسس التغيير في تاريخ المغرب، فذكر أن الوازع الديني كان أساس التحولات في المغرب، وأن جل الانقلابات العسكرية التي عرفها تاريخ المغرب، كانت تنطلق من فكرة دينية وتستمد مشروعيتها من المرجعية الإسلامية،وأنه بالرغم من كون المغرب ظل مرتبطا بالمشرق فإنه ظل يحمل هويته الخاصة. وأشار كذلك إلى أن الشرف كان رمزا أساسيا لمن أراد الوصول إلى السلطة، وأن الأشراف عملوا على مسايرة عصرهم عن طريق خلق جيش نظامي، فكانت هذه الظاهرة أهم ميزة من مميزات الدولة الحديثة، هذا علاوة على اهتمام السلاطين المغاربة بالتجارة نظرا لما لها من فوائد على الخزينة، لكن رغم ذلك فإن هذا القطاع لم يقم بدور المحرك في اقتصاد المغرب، كما هو الشأن في أوربا، نظرا لاحتكار المخزن لهذا القطاع. أما الفصل الثالث من هذا القسم فيحمل عنوان مغرب المغاربة الذين قبلوا الغزو الإيبيري ومسألة التجاوز، والذي تعرض فيه إلى أن العصر الحديث تميز بالمغامرة الأوربية، وكانت الاكتشافات الجغرافية لحظة تحول هائلة في ذهنية الإنسان الأوربي، حيث انطلقت أساطيل البرتغال الاستكشافية من السواحل المغربية لتقوم بدورتها حول إفريقيا، وتجاوز الوساطة المغربية، وينقسم هذا الفصل إلى أربعة محاور يحمل أولها عنوان الغزو الإيبيري في الكتابة المغربية، والذي تطرق فيه أن جل المصادر المغربية عالجت الغزو البرتغالي في أبعاده الدينية، وفي نفس السياق أشار إلى وجود ثلاثة تيارات تعاملت مع هذا الغزو بطرق مختلفة، فالتيار الأول، والذي يشمل معظم الفقهاء والعلماء، ظل يعمل وينتج وكأن شيئا لم يحصل، في حين حاول أصحاب التيار الثاني إبراز العوامل التي أدت بالمسلمين إلى هذه الوضعية المتأزمة، والتي أرجعوها إلى التشتت والبعد عن الإسلام، وكان من أبرز دعاة هذا الاتجاه أبو عبد الله محمد الهبطي، الذي ألف كتاب ''تنبيه العامة والخاصة على ما أوقعوا من التغيير في الملة الإسلامية''، فكان بمثابة لوحة قيد فيها الهبطي كل الممارسات التي كان يتجاوز بها سكان الريف الحدود الشرعية. وأشار إلى نموذج أخر وهو حسن الوزان الذي تناول في كتابه وصف إفريقيا، تأزم المغرب، وأعطى فكرة واضحة عن ذهنية مغاربة مطلع القرن السادس عشر، التي غلب عليها التمزق والتصدع والدمار الذي شمل كل مرافق الحياة في المغرب. ثم انتقل للحديث عن التيار الثالث الذي اهتم بالغزو البرتغالي، والذي يسمى بالاتجاه الشعبي ويتعلق الأمر بأدب المناقب، الذي ظهر نتيجة للصدمة التي خلخلت المجتمع المغربي، أثناء الغزو الإيبيري للسواحل المغربية، وأخذ كتاب محمد بن عساكر ''دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر'' نموذجا لذلك لكونه فيه سخط الأولياء على الأوضاع وحكام الوطاسيين الذين تخلوا عن واجبتهم الإسلامية، وركنوا إلى المهادنة مع العدو المسيحي، وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن المحن التي عرفها المغرب بسبب الأزمات الداخلية والتحرشات الإيبرية سببا في إنتاج كتابة معبرة عن التمزق والتشتت الذي كان ينخر في المجتمع المغربي، والتي كانت سببا مباشرا في عجز المغرب عن مسايرة التحولات التي عرفتها مجتمعات الضفة الشمالية للمتوسط. أما المحور الثاني من هذا الفصل فيحمل عنوان الكتابة البرتغالية وغزو المغرب، والذي أكد من خلاله على أن الكتابة البرتغالية غلب عليها كذلك الطابع الديني، لكونها صورت انتصارات الغزاة كإرادة ربانية، وأشار كذلك في هذا المحور إلى أن فرنسا ساهمت بدور كبير في التعريف بهذا الغزو، لكون التجربة البرتغالية كانت حاضرة في العملية الاستعمارية الفرنسية، خلص في نهاية هذا المحور إلى أن الغزو الإيبيري أدى إلى خنق ديناميكية المغرب وعرقلتها، نظرا لتراكم التجارب الاستعمارية. وفي المحور الثالث من هذا الفصل الذي يحمل عنوان السياق التاريخي العام، حاول عبد المجيد القدوري أن يبين كيف استطاع البرتغال أن يكون أول إمبراطورية استعمارية رغم صغر مساحتها، وقلة عدد سكانها، وأنهم قاموا بتحويل الخط التجاري الذي كان يربط إفريقيا بأوروبا، إلى المحيط الأطلسي، متجاوزين بذلك الوساطة المغربية، وخنق الفضاء الصحراوي، وأشار إلى أن الغزو البرتغالي للمغرب جاء كرد فعل على الهجومات التركية على أوربا الوسطى، فكان لذلك دورا أساسيا في الحيوية التي أصبحت تحرك أوربا خلال العصر الحديث، كما كان لاحتلال الثغور المغربية حافزا أساسيا لتأسيس الدولة البرتغالية لأسطولها البحري الذي سيجوب العالم الحديث، وذكر في هذا المحور كذلك بأنه لا يجب ربط ويلات البلاد بالعوامل الخارجية فقط، وإنما يجب التركيز كذلك على العوامل الداخلية الكامنة وراء الخراب والفتن بين المسلمين، دون الالتفاف إلى جهاد العدو، فكانت حسب محمد القبلي المؤشرات الأولى للتفاوت التاريخي بين الشمال والجنوب، وبقدر ما كان المغرب يتراجع وينحط، كان الغزاة الإيبيريون يكشفون عن نواياهم الاستعمارية، وخلص في النهاية إلى أن الغزو فتت اللبنة الاجتماعية ومزقها وظهرت اتجاهات متناقضة: اتجاه رفض الاحتلال وحاربه، في حين قبل اتجاه آخر بالاحتلال ورأى في الغزاة خلاص المغرب. أما المحور الأخير من هذا الفصل والذي يحمل عنوان مغرب مغاربة الاستسلام، فذكر فيه بأن بعض الفئات، حاولت الاستفادة من الوجود الأجنبي على السواحل، فصارت تطمع في الجاه والسلطة وذلك عن طريق تعاملها ومساندتها للغزاة، وأشار إلى أن هذه الظاهرة ليست غريبة على المجتمع المغربي، وإنما هي عادة مرتبطة بالأزمات والفتن والصراعات، وقدم مجموعة من الأمثلة على ذلك من تاريخ المغرب، ومن بينها استنجاد محمد المتوكل بالبرتغال، ضد عميه، عبد الملك وأحمد المنصور. الأمر الذي زاد من ضعف المغرب، وتصدع بنياته، ذلك أن الاستسلام وقبول الاحتلال وتفرقة المغاربة، أدى إلى حرمان المغرب من مواكبة التحولات التي كان العالم يعرفها، وبالتالي فجل الاتفاقيات التي عقدها البرتغال مع السكان كانت غير متكافئة، وأشار إلى أن المراسلات التي وجهها المغاربة المحميون أو الراغبون في الدخول تحت حماية العرش البرتغالي، تبين ولاء أهل المدن والبوادي له، مقابل أن يضمن لهم الأمن والحماية، وكذلك دعم بعض الطموحات الفردية التي كانت غايتها الوصول إلى الزعامة، وذكر القدوري نماذج كثيرة من المغاربة الذين دعموا الأجانب وتعاملوا معهم لضرب مؤهلات البلاد وتكسيرها، وساهموا في تعميق الفتور والتراجع والانحطاط، مما أصاب الذهنية المغربية وجعلها تتجه إلى الله بحثا عن الفرج الرباني، فبرزت حركة الأشراف السعديين التي اتخذت الجهاد ضد المسيحيين، فاستطاعت بذلك أن تحقق مشروعها في الانفراد بالحكم وتوحيد المغرب، بدعم من الزوايا. وفي الفصل الرابع من هذا القسم المعنون بمغرب مغاربة الصمود والمقاومة: الزوايا والتجاوز، تطرق فيه إلى أن المغاربة الذين قبلوا الحماية الأجنبية كانوا يعتقدون في ذلك خلاصهم من الفتن والهرج الذي كان يزعزع المغرب، وأن مستقبل البلاد أصبح رهينا لتبني التجارب الأوربية، غير أن أغلب المغاربة لم يقتنعوا بهذا الطرح بل عارضوه وحاربوه بكل قواهم، ثم انتقل للحديث عن الاتجاه الثاني الذي عارض التعامل مع الأجنبي، وتبنى الصمود والمقاومة والدفاع عن المغرب والمغاربة، فانخرطت فيه جل الشرائح الاجتماعية، فنجح هذا التيار في ملء الفراغ السياسي الناتج عن الضعف الذي وصل إليه ملوك الوطاسيين، وفي هذا الصدد يقول مارمول كربخال ''كان في المغرب في هذه الفترة من الزمان عدة أمراء، يتقاسمون السيادة ذلك ما جعل الكثير من الحواضر تنفرد باستقلالها ولم يكن حينئذ لملوك بنو وطاس ما يلزم من السلطة لبسط نفوذهم على مجموع تراب موريطانيا الطنجية''. وأشار القدوري إلى أن هذا الانحطاط أدى إلى بروز الزوايا كقوى سياسية اقتصادية واجتماعية، انتشرت في جميع أنحاء المغرب. وينقسم هذا الفصل إلى خمسة محاور، يأخذ أولها عنوان مصطلحات ومفاهيم، والذي حاول من خلاله أن يشير إلى ارتباط ظهور الزوايا بواقع وحالة التوتر والحروب التي سادت علاقات الإسلام بالمسيحية، وأن مسألة الصلاح والولاية تصرف إنساني وجد في كل الديانات، كما ذكر بأن طرد المسلمين من الأندلس وملاحقة المسيحيين لهم في المغرب من الأسباب المباشرة التي أدت إلى ظهور الزوايا في المغرب، فأطرت المغاربة ودافعت عن البلاد وأنقذت المغرب من فقدان هويته. ثم انتقل للحديث عن المصطلحات المرتبطة بالزوايا، كالرباط، الولاية والكرامة، وذكر بأن هذه المصطلحات تحيل على العبادة والتعبد، وأنها تنطلق من الفرد لتنتهي في الجماعة، فيصبح الوالي الذي كان بحث عن الخلاص لنفسه عن طريق الانزواء، قبلة للزوار قصد التبرك من صلاحه، كما ذكر في هذا المحور كذلك بأن دور الزوايا لا ينحصر فقط في العبادة، وإنما يتعداه لتصبح مركزا للمرابطة والجهاد قبل أن تصبح مؤسسة اجتماعية وسياسية، فتصبح بذلك منشغلة بمشاكل المجتمع كله ومتاعبه، وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن شدة الجفاف وكثرة الأزمات، وانتشار الأوبئة والمجاعات في جميع أنحاء المغرب، سببا في تكاثر عدد الزوايا وازدياد عدد المريدين، وصار الشيوخ يطمحون إلى أداء أدوار سياسية حاسمة. وفي ما يخص المحور الثاني من هذا الفصل فيأخذ عنوان الزوايا وتجذرها الاجتماعي، والذي تطرق فيه إلى أن الزوايا، بدأت كمؤسسة دينية واجتماعية قبل أن تظهر طموحاتها السياسية، وأنها انتشرت في جميع أنحاء المغرب، واضطلعت بوظائف متنوعة، واختلف الأولياء في سلوكهم، فهناك من الأولياء من لا يشتغلون بمكسب وليس لهم حرفة غير عبادة الله، وهناك من كانوا يشتغلون كباقي الناس، ويأكلون من كدهم، في حين سخر آخرون الزوايا لاكتساب الجاه والشهرة. ثم انتقل للحديث في المحور الثالث من هذا الفصل عن طموحات الزوايا السياسية، حيث وضح بأن الاحتلال الإيبيري للسواحل المغربية، وعجز السلطات الحاكمة عن مواجهة هذا الاحتلال، كانا عاملين أساسيين ساهما في تزايد نفوذ الزوايا، نظرا لمشاركة الأولياء في الجهاد ضد الإيبرين، الأمر الذي زاد من تقوية مكانتهم السياسية، وبداية منافستهم للوطاسيين، وكانت تجربة الإمام الجزولي أحسن مثال على هذه المنافسة، حيث فاقت شهرته الأفاق وانتشرت طريقته عبر أتباعه في المغرب وخارجه، وكان الجازولين الأنصار الطبعين للأشراف السعديين، اللذين انطلقت حركتهم من منطقة سوس، التي كانت صلة وصل أساسية في مبادلات المغرب التجارية مع السودان، ووصلت إلى مستوى اقتصادي متميز حيث أصبحت تنتج مواد فلاحية أساسية كالنيلة وقصب السكر، غير أنها كانت في حاجة إلى الأمن والاستقرار، وبالتالي كانت المنطقة مؤهلة ماديا لتنطلق منها حركة الأشراف، الذين فرضوا أنفسهم بحيويتهم العسكرية، خاصة وأن التحديات التي كان يواجهها المغرب اقتضت وجود سلطة مركزية قوية، وفي نهاية هذا المحور خلص إلى أن قيام الدولة السعدية فرضته ظرفية وسياق تاريخي وحتمية حيوية، لأن المجتمع أصبح في حاجة إلى سلطة مركزية قادرة على رفع التحديات. وقد عنون المحور الرابع من هذا الفصل بنكبة الونشريسي والزقاق ودلالاتها، والذي بين فيه نكبة هؤلاء العلماء التي تعتبر استمرارا لصراع تميز بتزكية هؤلاء العلماء لبني وطاس ومساندة الأولياء للأشراف، وذكر بأن الونشريسي نشأ بتلمسان ورحل إلى فاس وانسجم فيها وتقلد رياسة الخطط الثلاث: القضاء، الفتوى والتدريس، وعرف بالرزانة وحسن التدبير، ولهذا تم اختياره لتحرير الصلح بين السعديين والوطاسيين، وحاول محمد الشيخ استمالة هذا العالم لقضيته، لكنه أبى لأن بيعة الوطسيين في عنقه، الشيء الذي دفع بالشريف إلى اغتياله، مثلما قام به في حق أبي محمد بن عبد الوهاب الزقاق الذي اشتهر بالعلم، وبمواقفه المعادية للسعديين، لذلك أمر محمد الشيخ بقتله، وعلى عكس ذلك كانت مواقف الأولياء مدعمة للسعديين. أما في المحور الأخير من هذا الفصل والذي يحمل الزوايا ومسألة التجاوز فلقد تطرق إلى أن الزوايا قامت بأدوار اجتماعية واقتصادية وسياسية في مغرب القرنيين السادس عشر والسابع عشر، وذكر بأن الزوايا شكلت في المغرب قوة حيوية أطرت المغاربة وملأت الفراغ السياسي، وقادت الجهاد ودعمت وصول الأشراف إلى الحكم، غير أن مراقبة شيوخ الزوايا ومزاحمتهم للسعديين في تسيير أمور المغرب، أدى إلى ظهور بعض مؤشرات التوتر بين الطرفين، واحتد الصراع في عهد محمد الشيخ الذي عرف بصرامته في التسير، والذي كان يرى في الزوايا العنصر المعرقل لتطبيق سياسته، وذكر المؤلف كذلك بأن أهم عوامل اصطدام الزوايا بجهاز السعدين، هو لجوء محمد الشيخ إلى إحداث ضريبة النائبة ومحاولته فرضها على جميع المغاربة بما فيهم شيوخ الزوايا الذين رفضوها، وفي هذا الصدد يقول الناصري '' ولم ينزه عنها شريفا مشرفا حتى أرباب الزوايا المنتسبين''. لكن عندما لجأ محمد المتوكل إلى الأجانب، عاد الالتحام من جديد بين الطرفين، وعندما صارت الدولة في عهد المنصور تطمح إلى تأدية أدوار سياسية ذات أبعاد عالمية، فتر التوتر نظرا لعدم معارضة الزوايا لسياسة المنصور الذهبي، لكن بمجرد موت هذا الأخير عمت الفتنة، وساد التمزق واسترجعت الزوايا مكانتها وهكذا كانت الزوايا التي أوصلت السعديين إلى الحكم، سببا في انهيار حركتهم، فرغم محاولة السلاطين التخلص من وصاية الشيوخ فإنهم لم يستطيعوا، نظرا لتجذر نفوذ الزوايا في البلاد كلها، وتحكمهم في الذهنية المغربية، وبذلك صارت الزوايا تعيق كل محاولات التغيير في المغرب، حيث تغير مفهوم الولاية، من الوالي الصالح التقي المتفاني في عبادة الله إلى ذلك الوالي الذي أنتجته الأحداث التاريخية، وأصبح المغرب يعيش تحت تأثير شعوذة الأولياء في وقت كانت في أوربا تعيش قفزة نوعية وتعمل على خلق إنسان النهضة المتكامل القادر على مواجهة التحديات، وهكذا ساهمت الزوايا في إبعاد المغرب عن مسايرة أوربا، وبقيت وحدها تتخذ المبادرة. 3. القسم الثاني من الكتاب: أما بخصوص القسم الثاني من هذا الكتاب فيأخذ عنوان الحديث كممارسة سلطانية نماذج وأفاق، والذي ينقسم إلى ثلاثة فصول يحمل أولها عنوان التحديث بين الفقيه والسياسي، والذي ينقسم بدوره إلى ثلاثة محاور يعنون أولها بملاحظات عامة، تعرض في بدايته إلى أن فكرة التقدم لا تنشأ عن طريق الصدفة، إنما يجب أن تكون متجذرة في المحيط المادي الذي يكون مسؤولا عن ترجمها إلى الواقع، ثم ذكر بأن أوروبا عاشت فكرة التقدم والنمو واستوعب علماؤها بالتدريج مغزى التحولات والابتكار، فاستطاعت أوربا بذلك تجاوز غيرها لأنها ربطت الفكر بالتطبيق وخلص هذا المحور بطرح مجموعة من الأسئلة، حول الأبعاد الفكرية التي تبناها بعض السلاطين الذين حاولوا تحديث المغرب؟ وعلاقة السياسي بالفكري؟ والمواقف التي اتخذها العلماء من محاولات أحمد المنصور أو عن محاولات محمد بن عبد الله؟ ثم انتقل للحديث في المحور الثاني عن المواقف النظرية من مسألة التحديث، حيث أبرز أن التجديد يقتضي أن يكون المجتمع مؤهلا ومستعدا لقبوله، وأن تكون طبقة العلماء مؤهلة أكثر من غيرها لذلك لأنها مسؤولة عن تمرير كل جديد في المجتمع، الذي يضع الثقة الكاملة فيهم، ثم تساءل عن كيف ترجمت هذه المعطيات على أرض الواقع؟ وعن العلاقات التي كانت تربط العلماء بالسلطة السياسية في مغرب العصر الحديث؟ وأجاب على ذلك بأن العالم هو الذي يعلم بالشيء وهو القائم بأحكام الله، والذي يستمد سلطته من القران والسنة، وتتلخص وظائفه في مراقبة السلاطين وحثهم على الالتزام بتطبيق الشرع والمحافظة على حقوق الله، وقدم على ذلك مثال اليوسي الذي كان يخاطب المولى اسماعيل اعتمادا على مبدأ الدين النصيحة أو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وأنه كان ينطلق من كونه كان عالما مسؤولا أمام خالقه وأمام الأمة بحراسة الحدود الشرعية. وبالتالي فمنطق اليوسي كان منطقا إسلاميا، ولم يكن يهتم بالمنطق السياسي الذي اعتمده مولاي سليمان من أجل تدبير أمور الناس وتنظيمها انطلاقا مما كانت تفرضه الظروف، وشأن اليوسي شأن باقي العلماء الذين كانوا خارج الجهاز المخزني، وكانت مواقفهم مختلفة عن باقي العلماء الذي دخلوا في خدمة السلاطين، أمثال عبد العزيز الفشتالي -وزير القلم عند أحمد المنصور- الذي كان له خطابا تبريريا ومتفهما لقرارات السلاطين وممارساتهم، ويرجع هذا التباين بين السياسي والفقيه، إلى الفهم الذي يعطيه كل منهما للدولة، ففي الوقت الذي يرى فيه الفقيه بأن الدولة وضعت من أجل حماية الحدود التي أقامها الله لعباده، يرى السياسي في قوة الدولة وأبهتها قوة السلطان وعظمته. أما المحور الثالث من هذا الفصل فيحمل عنوان الفقيه والسياسي على أرض الواقع، فذكر فيه بأن غزو السودان شكل حدثا بارزا، بل من أهم انجازات المنصور الذهبي، حيث شكل الأساس الذي طبع في العمق العلاقات مع البلدان الواقعة جنوب الصحراء، وأشار إلى أن الكتابة الأوربية، ضخمت من هذا الحدث وربطت كل الويلات السودان الغربي بهذه الحملة، ثم تساءل عن موقف الفقهاء المغاربة من هذه الحملة؟ فأجاب بأن الفشتالي استعمل كل مهارته الأدبية ليقدم القرار السلطاني مدعما بحجج دينية حتى يجعل القرار السياسي موافقا للشرع، في حين كان المؤرخ المجهول صريح الموقف واعتبر غزو هذه الأصقاع الإسلامية عارا، أما ابن أبي محلى فاعتبر حملة السودان علامة من علامات نهاية الكون. ومن هنا فمواقف الفقهاء المعارضة تنطلق من الشرع وتعيب على المنصور غزوه لبلد مسلم وإعراضه عن الأندلس وإهماله للثغور المغربية، عكس مواقف الفقهاء المحافظين، فقد تبنى أحمد المنصور غزو السودان من منطق سياسي وفق منطلقات إستراتيجية، لأنه كان واعيا بالأوضاع الدولية. وفي نهاية هذا الفصل خلص بطرح السؤال التالي: ما هي المحاولات التحديثية التي عرفها المغرب خلال العصر الحديث ومن دعاتها؟ وهو ما حاول الإجابة عنه في الفصل الثاني من هذا القسم الذي يحمل عنوان الحداثة عند الأشراف السعديين عبد الملك المعتصم وأحمد المنصور، والذي ينقسم إلى ثلاثة محاور يحمل أولها عنوان، المحولات التحديثية والمناخ المتوسطي، والذي أشار فيه إلا أنه بعد وفاة محمد الشيخ سنة 1557، فر كل من عبد الملك وأحمد إلى تلمسان من أخيهما عبد الله الذي تولى أمور الدولة، وشاركا في بعض أحداث البحر المتوسط كمعركة ليبنتو التي وقعت في 7 أكتوبر 1571، والتي على إثرها أعلنت القوة التركية بداية التراجع، وذكر بأن أهمية هذه المعركة بالنسبة للمغرب تكمن في الأدوار التي أدها فيها عبد الملك وأحمد المنصور، اللذان شاركا إلى جانب الأسطول العثماني، فساهمت هذه المعركة في تكوين شخصيتهما وجعلتهما يطلعان على المؤسسات العسكرية سواء عند الأتراك أو الأوربيين، وبعد ذلك عاد إلى الجزائر لكي يقوم بالتخطيط والتحضير لمشروع العودة إلى بلاده، رغم أن الأتراك لم يكونوا متحمسين في بداية الأمر لمشروع عبد الملك، غير أن هذا الأخير عمل كل ما في وسعه لتحقيق مبتغاه، إلى جانب أخيه أحمد المنصور، ثم انتقل للحديث عن معركة واد المخازن وأبعادها الدولة، إذ أشار إلى أن هذه المعركة كانت أساسا لبناء القومية المغربية، وكانت القاعد الصلبة التي بنى عليها أحمد المنصور جميع تحركاته، كما وظف الفشتالي كل مهارته، لجعل عبد الملك المعتصم ذو دور ثانوي في هذه الملحمة مقارنة مع الدور الذي أعطاه للمنصور، رغم كون عبد الملك كان له الفضل في تهيئ المناخ الداخلي والخارجي الذي أهل المغرب للخروج من هذه المعركة منتصرا ، وبفضله استطاع المغرب أن يندمج في السياسة المتوسطية، وأن يصبح خلال هذه المرحلة عنصرا فاعلا في أحداثها. أما المحور الثاني من هذا الفصل فيأخذ عنوان خطة عبد الملك التحديثية، والذي ذكر فيه بأن هذا الأخير كان رجل دولة ذو أبعاد متعددة عاش وساهم في صنع أحداث متوسطية كثيرة وعاد إلى المغرب، لينفرد بالسلطة فيه، وكانت له إرادة في انفتاح المغرب على محيطه، وجعله يندمج وينصهر في أحداث عصره، فكان مشاركا إلى جانب الفاعلين الأساسين للسياسة الكونية في النصف الثاني من القرن السادس عشر إل جانب العثمانيين والاسبانيين والانجليز، كما حاول إخراج المغاربة من المؤلوف ودفعهم إلى التأسيس والتجديد، إلا أنه لم يعيش طويلا حتى يطبق خطته، فشيد بذلك معالم الدولة التي وطدها المنصور. وفي المحور الأخير من هذا الفصل الذي يحمل عنوان أحمد المنصور الذهبي ومركزية الدولة، تطرق القدوري إلى أن أحمد المنصور عاش في ظل أخيه عبد الملك واستفاد كثيرا من تجاربه ومهارته، واستغل الأساس التي شيدها هذا الأخير لينفرد بالسلطة في المغرب، فاستطاع أن يبني دولة مغربية مركزية على غرار ما عاينه عند العثمانيين والأوربيين، كما حاول المنصور أن يحصن المخزن السعدي، وعمل على جعل الدولة الشريفة ذات حرمة وهيبة داخل المغرب وخارجه، كما عمل على تقوية الدولة المركزية وتحصينها عن طريق خلق جيش نظامي على أساس أن يكون أداة مرتبطة بشخص السلطان يستعملها كلما دعت الضرورة إلى ذلك من أجل فرض سلطته المطلقة، وجهز هذا الجيش بأحدث الأسلحة النارية التي كانت في وقته أساس الحروب، وسعى هذا السلطان إلى تشجيع صناعة الأسلحة في المغرب، فاشتهرت دار العدة بمراكش، كما تمكن المنصور عن طريق دبلوماسية نفعية أن يحقق مشروعه في غزو السودان، هذا علاوة على اهتمام المنصور بالجانب الاقتصادي وجعله مندمجا في الاقتصاد العالمي، نظرا لما أوله من اهتمام كبير بزراعة قصب السكر والنيلة بسبب ما كانت تدره عليه من أرباح، كما أشار القدوري في هذا المحور إلى أن صدى التجهيزات التي عمت مناطق عديدة من أوربا خلال القرن السادس عشر، وصلت إلى المغرب، حيث تذكر بعض الدراسات أن أحمد المنصور اهتم بالأمن في الطرق وتشيد القناطر، وفي الباب يقول الفشتالي ''ومنها بناء القناطر المتعددة كقنطرة تانسيفت، وكذا قنطرة وادي أم الربيع السفلي... والقنطرة العظيمة التي على واد سبو''، وتحدث المقري في كتابه روض الأس، عن اهتمام المنصور بتشييد السدود، هذا علاوة على اهتمامه بالمعمار، وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن المنصور أعطى أهمية كبيرة للترجمة والمترجمين، بهدف معرفة الأخر (أروبا) وتتبع خطواته. والفصل الثالث والأخر من هذا القسم فيحمل عنوان محمد بن عبد الله أو الإرادة السلطانية لخلق المغرب الحديث (1757-1790)، والذي ينقسم إلى أربعة محاول يحمل أولها عنوان الإجماع الإيجابي، وتطرق فيه إلى أن جل المصادر المغربية أجمعت على اعتبار محمد بن عبد الله منقذ الدولة الشريفة بعدما تلاشت هياكلها منذ وفاة المولى إسماعيل، إذ قال عنه الضعيف، ''السلطان الأسعد، وشمس الزمان وروح عالم الإسلام وظل الله على العباد''، وأشار القدري إلى أن الكتابة المعاصرة استمرت كذلك في هذا الاتجاه. الأمر الذي دفعه للتساؤل عن الدوافع التي كانت وراء هذا الإجماع، هل لأن محمد بن عبد الله كانت له أرادة حقيقة في تحديث المغرب أم أن الأمر لا يزيد عن وصوله إلى السلطة في ظروف كان فيها الغاربة في حاجة إلى الاستقرار؟ ثم استطرد في الحديث عن أوضاع أوروبا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فتحدث عن انهيار النظام القديم، الذي تجسد سياسيا في الثورة السياسية، واقتصاديا في الثورة الصناعية، حيث ناهضت البرجوازية كل القيم التي كانت تعاكس مصالحها، وقاومت احتكار الدولة للاقتصاد، وشجعت مبدأ المبادرة الفردية، وناهضت الاعتقادات الغيبية عن طريق دعمها للعقل واعتبرته معيار كل التحركات، وعاصر محمد بن عبد الله كل هذه التحولات التي عرفتها أوربا، فسعى هذا السلطان إلى التعامل مع أوربا على أسس جديد يتحكم فيه، غير أن هذه الإرادة يقول القدوري لم تكن لتضع حدا للموروث في هذه العلاقات التي تحمل في طياتها السلم والمواجهة، وإلى جانب المواجهة في الثغور، طغت على المغرب بأوربا على عهد محمد بن عبد الله مسألة القرصنة، التي جعلها مؤسسة تابعة للدولة وحاول تسخيرها وتوظيفها في علاقات المغرب بأوربا. أما المحور الثاني من هذا الفصل فيأخذ عنوان محمد بن عبد الله: النشأة والتكوين، والذي أشار فيه إلى أن محمد بن عبد الله نشأ وتربى في جو من الفتن والشدائد التي عمت أرجاء المغرب، حينما استبد العبيد بالأمور وهدموا أركان الدولة، فصارت البلاد في حاجة إلى منقذ، ولعلى هذا ما يفسر السهولة التي تمت بها بيعت السلطان محمد بن عبد الله، وذكر في هذا المحور كذلك بأن جل المصادر تجمع على أن ميلاد هذا الأمير هو 4 رابيع النبوي1134، بمدينة مكناس، وتربى تربية كانت مبنية على اللغة العربية، وعلى المبادئ الأولى في الحساب، وكان يتدرب على ركوب الخيل واستعمال الأسلحة، وأنه كان يستعين بالعلوج أو ببعض المهندسين الأوربيين في توسيع معرفته، كما علمته أيام الشدة والفتن مكامن ضعف المخزن، فتعمقت في نفسه فكرة القيام بالإصلاح في المغرب حتى يتجاوز ما تسبب فيه العبيد من جور واستبداد، ويعد للمغرب الأمن وينشر العدل، ولهذا قام بإعادة إحياء هياكل الدولة على أسس جديدة، تمكن من تحديد معالمها الأساسية عندما كان ينوب عن والده في مراكش. أما المحور الثالث من هذا الفصل فيحمل عنوان تجارب السلطان وأثرها في بلورة مشروعه التحديثي، والذي تطرق فيه إلى محمد بن عبد الله كان يتميز ببعد النظر في تسيره لأمور الدولة، منذ أن كان نائبا عن أبيه مراكش وسوس، وأنه كان يرفض أن يخرج عن والده رغم محاولة العبيد إلى استمالته، وأنه كان يعرف كيف يستعمل الأحداث لصالحه، فكان يلجأ إلى المرونة واللين عندما يعرف أن ميزان القوى ليس لصالحه، ومن خلال هذه التجارب عرف محمد بن عبد الله واقع المغرب وحدود موازن القوى فيه، وكانت تجربته بأسفي هامة جدا لأنها مكنته من معرفة الرواج التجاري فتكاملت له الرؤية واتضحت معالم مشروعه التجديدي الهادف إلى تجاوز الضغوط الداخلية. أما المحور الرابع من هذا الفصل فيأخذ عنوان تجديد هياكل المخزن، بين فيه بأن المصادر المغربية تزخر بالألفاظ التي تحيل على عملية التجديد، ونفس الشيء بالنسبة للسفراء والرحالة الأجانب، الذي اشروا في كابتهم إلى هذه الحركة الإصلاحية التي قادها محمد بن عبد الله، وهنا تساءل عبد المجيد القدوري عن مدى وعي محمد بن عبد الله بما نسب إليه؟ فأشار إلى استعمال محمد بن عبد الله كلمة إصلاح في إحدى رسائله التي بعثها إلى شرفاء تافيلات، وأنه استعملها بالموازاة مع توفر الشروط المادية الضرورية لإنجاح هذا الإصلاح، فعلى مستوى القضاء ذكر القدوري بأن محمد بن عبد الله أعطاه أهمية خاصة، فكان يحاور القضاة والمفتين ويناقشهم، كما كان لا يتردد في توجيه انتقادات قاسية لأولئك الذين يحكمون أو يفتون اعتمادا على كتب المتأخرين وفتاويهم، وأوصى القضاة بعدم التسرع في الأحكام. أما فيما يخص إصلاح التعليم، فقد تبنى هذا السلطان مشروعه بتعميم تعليم الصبيان، لأنه كان مقتنعا بأن إخراج المغرب من الفتن لن يتم إلا إذا قام بعمل في العمق عن طريق تربية العامة تربية إسلامية، حيث قام بتأليه لكتاب في الحث على تربية الأطفال تربية صالحة ودفع الجهل عنهم وسماه ''مواهب المنان مما يتأكد على المعلمين تعليمه للصبيان''، واعتبر التعليم مسؤولية يتقاسمها المعلم والأب، وما كان يهم محمد بن عبد الله من هذا البرنامج هو تأطير الصبيان تأطيرا دينيا، ومنع تدريس علم الكلام والمنطق والفلسفة، ورأى في تدريسها مضيعة للوقت. ثم انتقل للحديث عن عدم اهتمام المغاربة بالبحر، نظرا لنشاط التجارة مع الشرق والجنوب، فأهمل البحر واعتبر أحينا مصدرا للويلات للمغرب، لكن بعد وصول العلويين إلى الحكم وتغير الأوضاع العالمية، أصبح المحيط الأطلسي المركز الحيوي في الاقتصاد العالمي وصارت الطرق البحرية أساس المواصلات، ولهذا أول السلاطين العلويين أهمية كبرى لتعامل المغرب مع أوربا، وانطلاقا من السواحل المتوسطية ربط المولى إسماعيل علاقاته مع هده القارة في حين وجه محمد بن عبد الله كل اهتماماته بالتجارة الخارجية، نظرا لتجربته بأسفي، فسعى إلى الاستفادة من الجو التنافسي الذي كان يميز العلاقات الأوربية ليقتني الأسلحة من انجلترا وهولندا وهذا ما دفع للرحالة شخونينخ للقول إن ''التجارة الخارجية كانت تضمن لهذا الإمبراطور مداخيل بيت المال الأساسية التي كان يؤديها التجار في شكل رسوم جمروكية''، وبفضل دلك حاول خلق أسطول بحري وطني قادر على رفع التحديات والمشاركة في النشاط الاقتصادي العالمي، كما قام بتجهيز الموانئ وجعلها ملائمة للملاحة، من خلق فضاء المغرب الأطلنتيكي وإشراك المغرب في التجارة العالمية ويشكل تشيد مناء الصويرة التجسيد الكامل لهذا المشروع، فشكل هذا الميناء رمزا للانفتاح المغرب على العالم الخارجي. 4. القسم الثالث من الكتاب: وفي القسم الثالث والأخير من هذا الكتاب والذي يحمل عنوان جذور العرقلة وأسباب التجاوز، وينقسم إلى خمسة فصول يحمل أولها عنوان الأزمات السياسية في مغرب العصر الحديث أو حتمية العودة المستمرة إلى البداية، والذي ينقسم بدوره إلى ثلاثة محاور يحمل أولها عنوان ملاحظات عامة والذي افتتحه بقولة ابن خلدون ''الدولة كائن حي تنشأ وتزدهر ثم تنحط وتنتهي، وبنهايتها تأتي دولة جديدة''، وأشار بأنه رغم نظرية ابن خلدون لا تنطبق على الدولة السعدية لأنها لم تقوم على العصبية، فإن شدة الأزمات وتكرارها حالت إلى العودة إلى البداية لأن الثورات السياسية والكوارث الطبيعة كانت تهدم ما بنها المغرب وتعرقل كل المحولات التحديثية، وفي نهاية هذا المحور خلص إلى مجموعة من التساؤلات أهمها أسباب التي حالت دون نمو المغرب وتقدمه؟ وما هي الدوافع التي كانت وراء فشل محاولات التحديثية؟ وفي المحور الثاني من هذا الفصل والذي يحمل عنوان من ثوابت الأزمات في تاريخ المغرب، تطرق لمجموعة من النقط التي كانت تقود المغرب دائما إلى الأزمة أولها الكوارث الطبيعية حيث أشار إلى أن المناخ المغربي يتميز بعد انتظام التساقطات، لأنها تتهاطل كثيرا في وقت وجيز أو لا تتساقط، فيبقى الجفاف بذلك هو المحدد الأساسي في نمط العيش، مما يجعل حياة المغاربة مهددة باستمرار بالكوارث الطبيعية وتوالي القحط، ومما كان يزيد من وطأة هذه الكوارث كونها كانت تتسبب في اندلاع المجاعات والأوبئة في جميع أنحاء المغرب، فأنهكت هذه الكوارث هياكل المغرب وتسببت في تعطيل طاقاته الحيوية وحالت دون طموحاته التحديثية، كما أنها رسخت في الذهنية المغربية الغيبية فأصبح الناس يرون فيما يصيبهم من ويلات عقابا من الله، كما تسبب انتشار المجاعات والأوبئة في نزيف ديمغرافي، مما أدى إلى تقلص اليد العاملة لصالح النشاط الرعوي ثم انتقل للحديث عن النقطة الثانية التي كانت لها دور في هذه الأزمة وهي مسألة المشروعية في الحكم حيث ذكر القدوري بأن البيعة كانت من بين المشاكل الثابتة والمسئولة عن اندلاع الأزمات السياسية في التاريخ المغرب، وبسبب الطبيعة الشرعية لعقد البيعة فإن هذه الأخيرة كانت موضوع خلاف وتأويل بين العلماء والأمراء، مستدلا على ذلك بحالة الأمير المتوكل الذي لجأ إلى النصارى ضد عمه المعتصم، وحمل علماء فاس مسئولية ذلك لأنهم تخلوا عن بيعته ومناصرته، فردوا عليه وبينوا له أنهم تخلوا عنه لأنه لم يلتزم بما هو واجب عليه وأنه فر وترك المدينة عرضة للنهب، وأوضحوا له أن الاستغاثة بالنصارى ردة تحتم خلعه وسقوط بيعته، علاوة على اعتمادهم على حجج سياسة، وهي أن عبد الملك أحق بالحكم، انطلاقا مما سنه مؤسس الدولة السعدية، الذي أمر أن تكون البيعة للأكبر، وطرحت مشكلة مشروعية في الحكم عدة مرات في تاريخ المغرب، وأعطى العديد من النماذج على ذلك، واعتبر أن البيعة أزمة القصر قبل أن تكون أزمة المجتمع. ثم أشار إلى أنه من بين الأمور التي سهلت الفتن، هو لجوء السلاطين في حياتهم إلى تقسيم إدارة المغرب بين أبنائهم، وبمجرد وفاة السلطان تحدث صراعات طاحنة بين أبنائه تنتهي دائما بماسي وحروب تهز المجتمع وتتسبب في عرقلة مسيرته، ونظرا للحزازات الناتجة عن ولاية العهد، وتعدد الزوجات وانتهمائهم إلى قبائل مختلفة فلا يخلوا عهد من عهود السلاطين الأشراف من اغتيال سياسي، مما شتت الجهود وصرف السلاطين عن تشييد المغرب المتين القادر على مسايرة التحديات والمشارك في صنع أحداث عصره، وجعلهم يهتمون أساسا بالجيش بصفة أداة ضرورية لردع الأمراء قبل القبائل، الأمر الذي أدى إلى انكسار شوكة المخزن ودفع المغرب إلى حروب أهلية عنيفة ومدمرة في مطلع القرن السادس عشر والسابع عشر وبعد وفاة المولى إسماعيل. وفي المحور الثالث من هذا الفصل تطرق إلى الفتن والحروب أو الدمار المتكرر إذ يقول '' فيظهر تاريخ المغرب وكأنه صراع دائم بين الجهاز المخزني بصفته مركزا والقوى المحلية بصفتها هوامش معارضة'' وأشار إلى أن أزمة نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر ساهمت في عرقلة إقلاع المغرب ومسايرته لمحيطه وعصره لأنها نخزت مؤهلاته وقدراته وطاقاته وجعلته عاجزا عن مواكبة سير الفاعلين الدوليين، نظرا لتراجع السلطة المركزية وانعدام مشروعية الوطاسيين، وإثقال هؤلاء كاهل المغاربة بالإتاوات، وظهرت كيانات سياسية وعسكرية جهوية مستقلة أو متصارعة، وتزامن هذا التوقف في المغرب مع تجاوز أوربا لحدودها المغلقة لتكتسح العوالم الأخرى، وكانت سنة 1492 سنة الحسم والمنعطف، حيث استرجعت اسبانيا أخر إمارة إسلامية في الأندلس، ووصلت سفن كريستوف كلومب إلى العالم الجديد، في حين ضل المغرب يعيش أزمة خانقة فرضت عليه الانكماش والانعزال والانزواء، ثم انتقل للحديث عن الحروب الأهلية في مطلع القرن السابع عشر ودمار المغرب حيث أشار إلى أن المغرب عرف خلال الفترة أزمة خانقة ازدادت حدتها بعد وفاة المنصور، فاجتاحت الحروب جميع أطراف المغرب، فوقعت التجاوزات وأهينت الكرامات وعم الهرج وكثرت الفتن وانتشر الخوف بين الناس، لقد عاش المغرب منذ وفاة أحمد المنصور إلى وصول المولى رشيد إلى الحكم فوضى عارمة ليبدأ العلويين يعملون لإعادة الوحدة للبلاد، حيث قضى المولى اسماعيل معظم وقته متنقلا لجمع الشتات، ما أن هدأت الأمور نسبيا في أيامه حتى عادت بعد وفاته الأزمة اهتز لها المغرب، وهي الأزمة التي تعرف بأزمة عبيد البخاري (1727-1757) التي أدت إلى فقدان الدولة لأهم أطرافها، وزرعت الفتن والكراهية بين الناس وأصبح النهب والسبي والدمار والقتل من الأمور المعتادة. أما الفصل الثاني من القسم فيحمل عنوان احتكار المخزن للتجارة الخارجية ودعمه للتجار الأجانب، وينقسم إلى أربعة محاور، أولها يحمل عنوان الإسلام والتجارة، والذي تطرق فيه استنادا على مجموعة من الكتابات الأجنبية والمحلية على أن الإسلام لم يحرم الملكية الفردية بل دعمها وأكد عدم التساوي في الرزق بين الناس، وأن القرآن لا يمنع التجارة ما دامت في خدمة الجميع ووفق الحدود الشرعية ولا تشغل المسلمين عن واجباتهم الدينية، في يحرم التجارة المبنية على الغش أو المرتبطة بالمواد المحرمة، واشترط ابن خلدون في التاجر أن يكون جريئا مقداما، وفصل هذا المفكر الكلام عن التجارة ولم يجد فيها ما لم يتعارض مع الإسلام، وأوضح ابن خلدون المساوئ التي تلحق الرعايا بسبب مزاولة السلطان للتجارة، لأن اهتمام ولي الأمر بالتجارة يؤدي به إلى الاحتكار لأن ماله أعظم من مال التجار، واعتبر هذه الممارسات السلطانية إساءة للبلاد، وخرابا للعمران، واختلال للدولة، ثم انتقل للحديث في المحور الثاني من هذا الفصل عن احتكار المخزن للتجارة الخارجية ومسألة التجاوز، إذ قال ''عرفت أوربا خلال العصر الحديث ازدهارا متفاوت الأهمية جغرافيا: ...ظهرت في اسبانيا خلال القرن السادس عشر فئة تجارية فيها التاجر البنكي، والتاجر المشارك والتاجر في الدكان... وطاف ملاحو انجلترا العالم، وشجعت السلطة تأسيس الشركات التجارية ( شركة الهند الشرقية 1600/ والشركة البربرية 1585)، وتبنت هولندا بعد استقلالها موقف انجلترا، واعتمدت سياسة خلق الشركات، ثم تساءل عن الحالة التجارية في المغرب؟ وعن نتائج سياسة الاحتكار التي نهجها الأشراف في قطاع التجارة الخارجية؟ فحسب القبلي فإن احتكار المخزن للتجارة الخارجية كان نتيجة تحريم الفقهاء التجارة في الدار الحرب، فتحملت الدولة دور الوسيط بين أوربا وبلاد السودان، أما عبد الله العروي فلقد حمل مسؤولية ذلك للأندلسيين الذي أتوا إلى المغرب واكتفوا بمنافسة التجار والصناع المحلين، دون الاهتمام بالتجارة الخارجية وخلق طبقة تجارية. وحاول في المحور الثالث من هذا الفصل والذي يحمل عنوان التجار الأجانب أهل الذمة والمخزن، أن يبرز بأن المخزن المغربي لم يكن يتردد في استخدام الأجانب لتسهيل المعاملات والصفقات، وأنه اهتم باستيراد الأسلحة التي ازداد حجمها حتى أصبحت تشكل خلال العصر الحديث أسس استيراد الدولة، بينما كان الأشراف يسوقون قصب السكر وملح البارود في عهد السعديين، والجلد والصوف فيما يخص العلويين، وكان هذا الاحتكار مبنيا على خدمة التجار الأجانب، مما زاد من تقويت نفوذهم داخل المغرب، كما اعتمد السلاطين أيضا على أهل الذمة كوسطاء بينهم وبين التجار الأجانب، حيث اشتهرت عائلات يهودية كثيرة بهده الأدوار كما هو الشأن بالنسبة لعائلة بلاش التي ارتبطت بالمخزن السعدي لمدة طويلة حتى صارت مطلعة على أسراره، وأصبحوا يتصرفون بكل حرية في أمور المغرب ويتخذون القرارات ويعرقلون مصالح البلاد. أما في المحور الرابع والأخير من هذا الفصل فيحمل عنوان الضجة حول الإسلاميين وأبعادها، والذي أشار فيه إلى أن السلاطين أقصوا التجار المغاربة من المساهمة والمشاركة في المبدلات مع العالم الخارجي، ومن ثم حرمهم من اكتساب الخبرة والانفتاح، ودفعوهم إلى عدم الاهتمام بمحولاتهم الإصلاحية، عكس أوربا التي تركت المبادرة في يد الأشخاص والشركات وكانت الدولة مجرد حام وحارس لمصالح الفئات وتطلعاتها، في حين ظلت التجارة في المغرب جامدة وإذا ازدهرت فإنها حققت ذلك بفضل ارتباطها بالأجانب الذين سعوا دائما إلى حماية مصالحهم التي كانت لا تنفصل عن مصالح بلدانهم، مما جعل المغرب عرضة للتهديد، وكلما أردوا المقاومة لجاءوا إلى إلى ذلك سياسيا أو عسكرا في حين لم يهتموا بالمقاومة العسكرية، مما جعل السلاطين عرضة لهذا الضغوط التي كانت تحد من تحركاتهم، لأنهم عملوا على تغييب القاعدة الاجتماعية التي لم تكتسب الخبرة وبالتالي لم تكن مؤهلة لإدراك الواقع الذي كانت تعيش فيه. وفي الفصل الثالث من هذا القسم الذي اتخذ عنوان الدبلوماسية المغربية خلال العصر الحديث، أداة نمو أم مؤشر تجاوز، ذكر بأن حيوية أوربا ارتبطت بميلاد الدولة الحديثة المتخذة للمبادرة والمستعينة في تنفيذها للمشاريع بأدوات ومؤسسات هادفة، فشكلت الدبلوماسية العنصر الأساسي والفعال في محاولات أوربا اكتساح العالم، ثم تساءل هل كان للمغرب آلة دبلوماسية فعالة استخدمها السلاطين في علاقتهم بأوربا؟ وهو ما حاول الإجابة عنه في هذا الفصل الذي ينقسم إلى خمسة محاور يحمل أولها عنوان قراءة في المصطلحات، والذي أشار فيه إلى المراسلات الرسمية للسلاطين تزخر بالمصطلحات التي تحيل على السفارة، مثل السفير والتي تعني في الرسول المصلح بين القوم، والسفراء نوعان: سفراء فوق العادة وهم الذين يكلفون بمهمة محدودة في الزمن، ثم هناك سفراء عاديون وهم الذين تكون إقامتهم في البلدان التي يعينون فيها لمدة طويلة. واستعمل السلاطين أيضا كلمة قونصو عند كلامهم عن ممثلي البلدان الأجنبية بالمغرب، وعرفه ابن زيدان بأنه موظف تعينه إحدى الدول في البلاد الأجنبية ولاسيما في الثغور.كما أشار إلى أن السلاطين تعودوا على كلمة مبعوث السلطان، لأنهم اعتادوا على تعين خدامهم وتكليفهم للقيام بمهام محدودة لدى الملوك الأجانب، كما أقحم السلاطين في مراسلاتهم الكثير من المصطلحات الدخيلة كالبشادور والقونصو. وعالج في المحور الثاني من هذا الفصل العلاقات السياسية في الإسلام، إذ قال ''ينبثق المبدأ المنظم للعلاقات الدولية في الإسلام من منطق وتفكير القانون الإسلامي المرتبط بالقرآن والسنة،... وانطلاقا من هذا بني المسلمين علاقاتهم مع الأخر لا على معطيات اجتماعية أو اقتصادية، وإنما على مواقف الفرد والجماعة وسلوكياتهم اتجاه الله''، وأشار إلى أن الدبلوماسية الإسلامية لجأت إلى تقسم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، وفي المحور الثالث من هذا الفصل فيحمل عنوان الدبلوماسية أداة نمو في أوربا، تطرق إلى أن الدبلوماسية في أوربا لا تنفصل عن تزايد الاهتمام بالقانون الدولي العالم خلال القرن السادس العشر، حيث اعتمدت أوربا على الآلة الدبلوماسية للتوغل داخل العلوم الأخرى، كان البشادور أداة إدراك ذهنية النخبة الحاكمة في هذه العوالم بحكم احتكاكهم بها وخدمتهم لها، وصارت أوربا لا تستطيع الاستغناء عن خدمات دبلوماسيها لأن مصالحها التجارية قد تتوقف، ولكي يوضح أكثر أهمية الفاعلين الدبلوماسيين قدم نموذجين، أولهما وهو السفير المقيم بالمغرب ويبستير بلونط الهولندي الأصل ويعتبر من أهم الدبلوماسيين الذي تعامل معهم المغرب، حيث مثل بلده وبلدان أخرى فيما بين 1773و 1810، أدى خلالها أدوارا أساسية في توطيد علاقات الأقاليم المتحدة في المغرب، وفي مقابل الخدمات التي كان يقدها للسلاطين استطاع أن يكسب حظوة فصار يتاجر في الثغور المغربية بكل حرية بل وبحماية من المخزن، كما حقق هذا القونصو انجازات كثيرة لصالح التجار الأوربيين، كما نجح في في تقريب المغرب من هولندا وهو ما تؤكده معاهدة الصلح بين البلدين في سنة 1777. ثم انتقل إلى النموذج الثاني وهو السفير المفاوض كنسبرجن الذي جاء على رأس وفد هولندي من أجل تجديد معاهدة الصلح التي وقعها المغرب مع الأقاليم المتحدة في سنة 1752، وأظهر هذا المفوض مهارته الدبلوماسية عندما وصل للمغرب وبدأ يهيئ الجو للمفاوضات. أما المحور الرابع من هذا الفصل فيأخذ عنوان الدبلوماسية المغربية وخصائصها الأساسية، تطرق فيه إلى أن الكتابات المغربية قلما اهتمت بالدبلوماسية، باستثناء محاولات عبد الرحمن بن زيدان الذي أولى أهمية للموضوع وخصص له قسطا وفيرا من مؤلفاته، هدف من خلالها الرد على الذين شككوا في وجود الدولة المغربية، وقد رأى في تهافت الدول الأجنبية على المغرب مؤشرا ورمزا لمجد وعزة المغرب. لكن المولى عبد الحفيظ ذهب عكس ذلك في كتابه داء العطب قديم، لكونه تناول أسباب اضمحلال المغرب من زاوية علاقاته بالعالم الخارجي، وبين مولاي عبد الحفيظ أن السلاطين كانوا هم المنشطين الأساسيين للدبلوماسية، وأنهم كانوا يستعينون في تحريكها بخدام لهم يبعثونهم إلى البلدان التي يريدون الاتصال بها، وهنا تساءل عبد المجيد القدوري عما إذ كان لهؤلاء المبعوثين تكوين يؤهلهم للقيام بمهام السفارة؟ فخلص إلى أن المغرب لم تكن له آلة دبلوماسية هادفة إلى تحقيق مصالح متداخلة اقتصاديا وسياسيا ومعتمدة على فاعلين سياسيين لهم تكوين خاص وإطار معين يتحركون فيه من أجل الدفاع عن مصالح المغرب ومنافعه، بل كانت دبلوماسية مندرجة في منطق السخرة المخزنية، وعلى عكس من هذا كانت اهتمت بلدان أوربا باستعمال الإطار القانوني لمحاصرة العناصر التي تعارض مصالحها، ولذلك لجأت إلى فرض أسلوب المعاهدات والمهادنة مع العوالم الأخرى، بما في ذلك المغرب خلال العصر الحديث. وفي المحور الخامس والأخير من هذا الفصل تحدث عن المهادنة والمعاهدة أو الإطار القانوني للتجاوز الأوربي، حيث ذكر بأن المغرب عقد عدد كبير من المعاهدات مع العالم الأوربي خلال العصر الحديث، وأشار إلى أن المغاربة لم يكونوا يولون أهمية لمضمون بنود المعاهدة، وكانوا يوقعونها من أجل الحصول على هدايا وفوائد مادية، كما اهتم السلاطين بالمعاهدات من أجل الحصول على العدة الأسلحة التي كانت تستخدم أساسا في الداخل ضد تمردات القبائل، كما أن السلاطين لم يهتموا بتعلم اللغات عكس الدول الأوربية التي اهتمت بتدريس اللغة العربية لأنها كانت لغة التجارة، فتعود الأوربيون تحرير المعاهدات بلغتهم على أساس أن يترجموا بنودها إلى العربية، فكان هذا المؤشر من المؤشرات التي تبين تجاوز أوربا للمغرب خلال العصر الحديث، وأعطى مجموعة من النماذج لهذه المعاهدات الغير المتكافئة التي عقدها المغرب مع الدول الأوربية، فخلص إلى أن معظم الشروط المتفق عليها في هذه الأوفاق تنص على ضمان حماية مصالح التجار الأجانب، كما توضح هذه المعاهدات مع بلدان أوربا التفاوت الحاصل بين الطرفين، وبقدر ما اتسعت هوة التجاوز كانت أوربا تحتكر المبادرة لمحاصرة المغرب. والفصل الرابع من هذا القسم يأخذ عنوان المغاربة والبحر السواحل والمناطق الداخلية: تكملة أم تجاهل وتعارض، وينقسم إلى أربعة محاور يحمل أولها عنوان ملاحظات عامة، والذي بين فيه بأن تاريخ علاقات المغاربة بالبحر لم يحظ باهتمام الباحثين، رغم توفر البلاد على ثلاثة ألف كلم من السواحل، وفي نفس الوقت أشار إلى أن الاقتصاد البحري شكل المحرك الأساسي للنمو في أوربا، وأن الدول الأوربية اهتمت بالقطاع البحري بشقيه البحرية العسكرية والبحرية التجارية، وذكر بأن الدراسات الأوربية واهتمت في تنولها للبحر بتحالف الملكية مع الطبقة التجارية، ومن جهة أخرى وتحالف الأشرعة مع المدافع، فالحروب تطلبت الفعالية والسرعة في الإنجاز، في حين أولت التجارة أهمية كبرى للموصلات البحرية، وتساءل في نهاية هذا المحور عما إذا كان المغاربة ولوا ظهرهم للبحر؟ وعن الأسباب التي حالت دون اهتمامهم بالبحر؟ وهو ما حاول الإجابة عنه في المحور الثاني من هذا الفصل المعنوان بالمغاربة والبحر: مواقف وذهنيات، والذي بين فيه استغراب الأجانب من عدم اهتمام الأسطوغرافيا المغربية بالبحر، ولهذا اندفعوا لملء هذا الفراغ، وتم انجاز العديد من الدراسات حول الموضوع توصلوا من خلالها إلى أن الإنسان المغربي ربط البحر بالهول والهلاك، واستعملوا كلمة البحر بمعنى المكر واليأس من الحياة، ولعلى هذا ما دفع المقري يقول ''إن من ركب البحر عليه أن يعتبر نفسه ضائعا''، كما شبه بعض المتصوفة البحر بالجيش الفتاك، وهنا خلص عبد المجيد القدوري إلى أن معرفة المغاربة بأمور البحر ظلت محدودة، وأن خوف العلماء من ركوب البحر وتجاربهم فيه هي التي جعلتهم يصدرون في حقه الأوصاف المفزعة، وبالتالي كان خوف الفقهاء خوفا سلبيا، عكس الخوف من البحر في أوربا الذي كان موجودا إلا أنه كان إيجابيا، حيث ركب التاجر والدبلوماسي والمغامر والمبشر البحر، وكان كل واحد منهم يبحث عن ضالته، فكان البحر باب الخلاص ورمز الحرية للفرد والجماعة في أوربا، ثم انتقل للحديث عن الاهتمام الرسمي بالبحرية، والذي ذكر فيه بأن وصول طارق بن زياد إلى الأندلس شكل منعطفا أساسيا في تاريخ البحرية المغربية، وأن المغاربة إلى الأندلس كان يجسد التفوق الإسلامي في البحر المتوسط، رغم سكوت المصادر العربية عن ذلك، وذكر بأن اهتمام المسلمين بالبحر أمر حاصل أيام عظيمتهم، فأشار إلى أن الأسطول المرابطي كان مكونا من حوالي مائة قطعة حربية، وأن الأسطول الموحدي كان مكونا من حوالي أربعة مائة، وكانت مدينة سبة من أقدم مراكز صناعة السفن بالمغرب، غير أنه في العصر الحديث أصبحت الغالبة لصالح الأوربيين، بالرغم من محاولة السعديين إعادة بناء أسطول مغربي، فإن عملهم بقي محدودا، فازدهت القرصنة خلال النصف الأول من القرن السابع عشر بسبب التشتت السياسي الذي كان يعيشه المغرب بعد وفاة المنصور، إلا أنه مع مجيء الدولة العلوية تراجعت هذه القرصنة، إذ حاول المولى اسماعيل توظيف هذا النشاط وتسخيره للضغط على الدول الأوربية حتى تبيع له الأسلحة والعدة، ومن جهة أخرى عمل السلطان على بناء القلاع وتحصينها على طول السواحل المغربية، كما قام بإصلاح الموانئ، لكن رغم ذلك فإن هذه المحاولات ضلت محدودة، عكس ما حصل على عهد حفيده محمد بن عبد الله، الذي تميزت سياسيته بالانفتاح والاعتماد على التجارة الخارجية، ولهذا عمد إلى تقنين القرصنة، واستبدالها بأسطول تجاري. وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن الإرادة الرسمية لخلق الأسطول أمر مفروغ منه، خاصة عند سيدي محمد بن عبد الله. وفي المحور الرابع والأخير من هذا الفصل والذي يحمل عنوان السواحل المغربية والمناطق الداخلية: تكامل أم تعارض؟ تعرض إلى أن البلدان التي اكتسبت مهارة في كبيرة في أمور البحر هي بلدان صغير المساحة كالبرتغال وهولندا وانجلترا وإيطاليا، وربطت مصيرها بأمور البحر، واعتبره مجالا حيويا لمعاش سكانها، لأنها كانت مرغمة على مواجهة البحر، فاستطاعت أن تكتسب خبرة ومهارة في أموره، لأن الحياة السكانية اليومية كانت مرتبطة بالبحر، وهنا تساءل عما إن كان للقارية دور في عدم اهتمام المغرب بالبحر؟ فذكر بأن للمغرب سواحل تمتد على مساحة تقدر بثلاثة ألف كلمتر، وله كذلك عمق قاري مهم، وكان المغرب صلة وصل بين السودان وأوربا، حيث هيمن على الطرق الصحراوية، وكانت القافلة هي الوسيلة الأساسية للنقل والتنقل عبر هذه الطرق، فاستطاع المغاربة أن يكسبوا خبرة ومهارات في الأسفار البرية التي كانت مندمجة في التجارة الصحراوية، وأشار إلى أهم التغيرات السياسية التي عرفها المغرب انطلقت بمحاذاة الطرق الصحراوية، في حين أن السواحل المغربية كانت أساس التدخل الأجنبي، مما أدى إلى اختناق اقتصاد المغرب، كما سعت الدول الأوربية إلى ضرب السفن المغربية فصار الأسطول المغربي لا يستطيع مغادرة هذه الموانئ خوفا من الأساطيل الحربية الأوربية. مما إلى ابتعاد المغاربة عن سواحلهم، فركزوا على الأرض وغيبوا البحر من حياتهم اليومية. وفي الفصل الخامس والأخير من هذا القسم والمعنون بالنظام التعليمي في المغرب خلال العصر الحديث ومسألة التجاوز، والذي ينقسم إلى ثلاث محاور يأخذ أولها عنوان واقع جديد: بناء جديد: مشروع جديد: الإنسان الكامل، والذي تطرق فيه إلى أن أوربا عرفت منذ القرن الثالث عشر قفزة نوعية أثرت في الحياة اليومية، حيث ركزت الحركة الفكرية على إبراز قدرات الإنسان الهائلة، واستبدلت مبادئ التربية المسيحية بمبادئ وقيم تربوية جديدة، وانطلق النظام التربوي الجديد من إيطاليا لتستجب لحاجيات مدن الدويلات، فركزت جنوة على تكوين رجال الأعمال والبحارة، وفي هذا الجو المتفتح برز دعاة التربية الجديدة في أوربا، وأولى رجال النهضة مكانة خاصة لدراسة أسرار الطبيعة، وتم التأكيد على التركيز على الملاحظة واعتماد التجربة ضرورية والعمل في الأوراش والمصانع لأنها تساير التحولات والطموحات التي كانت تحرك أوربا. وفي المحو الثاني من هذا الفصل والمعنون بعصر الأنوار ومشروع المواطنة في التربية، تطرق إلى أوربا عرفت خلال القرن الثامن عشر ثورة صناعية، جعلت الإنسان الأوربي متعطشا إلى المعرفة المبنية على التجربة والعقل والنقد، فكان القرن الثامن عشر قرن العلوم الطبيعية، وساهم تقدم هذه العلوم في تحسين وسائل العيش مما جعل برويدل يقول ''لقد استطاعت الحياة أن تنتصر على الممات''، وبفضل هذه التحولات عرف المجال التربوي قفزة نوعية، واعتبر كتاب إيمايل لروسو ثورة تربوية، لأن جعل الطفل مركزا لكل عملية تربوية، وأنه بفضل الحرية يستطيع الطفل تجاوز استبداد العادات والتقاليد، وهكذا انتشرت أفكار روسو بسرعة في أوربا وألهمت نظرياته في التربية كل المهتمين بالتعليم في الثورة الفرنسية. وهنا تساءل عما إذا كانت هناك علاقة بين النظريات التعليمة في المغرب وبالظروف التي نشأت فيها؟ ثم انتقل للحديث عن منطق النظام التعليمي في المغرب قبل الحماية، حيث أشار إلى أنه بالرغم من الاهتمام الذي أولاه الفقيه اليوسي للعلم والتعلم، وتأليفه العديد من الكتب في الموضوع كان أهمها كتاب القانون، الذي خصص بابه الأول للتعريف بالعلم وذكر أصنافه، وتناول في الباب الثاني العالم وكل المعطيات المرتبط به في خصص الباب الأخير من الكتاب إلى المتعلم. فبالرغم من ذلك فإن العملية التربوية عند اليوسي لا تخرج عن إرادة الإحاطة بكل ما يتعلق بالشرع، لأنه قدم العلم من زاوية الموعظة والاتعاظ، ومن ثم يبقى كتاب القانون كتابا نظريا بالأساس مرتبط بالفئة المثقفة شأنه شأن باقي المؤلفات الإسلامية التي اهتمت بالعلم والتعلم، ثم تساءل عن حالة كتاب محمد بن عبد الله التربوية؟ فذكر فإن هذا الأخير ألف كتاب ''المنال بما يتأكد على المعلمين تعليمه للصبيان'' من أجل التقرب إلى الله وجريا من أجل المصالحة، وأشار السلطان كذلك إلى أهمية التعليم لأنه يهذب الاستقامة ويدعمها داخل المجتمع، فكان هذا السلطان قد تناول العملية التربوية داخل المنطق الموروث وأنه لم يحاول أن يدخل عناصر بيداغوجية جديدة، وإنما حارب المواد التي تساعد على الفهم والنقد بالرغم من تبنيه سياسة الانفتاح، وخلص في النهاية إلى أن التعلم العلم العملي كان أساس العمليات البيداغوجية في أوربا عكس المغرب الذي بقي مرتبطا بالذهنية الشرعية، وأنه لم يعرف ظهور مشاريع تربوية عميقة. 5. خاتمة الكتاب. وفي خاتمة هذا الكتاب خلص عبد لمجيد القدور إلى أنه بالرغم من قرب المغرب من أوربا فإن التأثير بقي محدودا مقارنة مع تأثير وضغط التقاليد التي كانت سائدة، واعتبر سنة احتلال سبة بداية الاندفاع والمد الأوربي والانكماش والتراجع المغربي، وكانت المحاولات التحديثية التي عرفها المغرب محاولات انعدمت فيها الاستمرارية والتراكم لأنها كانت رسمية ومرتبطة بأصحابها فما يكاد يغيب صاحب المشروع حتى تضيع الفكرة، هذا علاوة على الأزمات المتكررة التي تلقها المغرب، أدت منع أي تراكم، وإلى تشبث العامة بالذهنية الخرافية والإيمان بالغيب، في الوقت الذي اهتمت فيه المجتمعات الأوربية بالعقل العملي من أجل معرفة الطبيعة والسيطرة عليها، وقامت فيها الأنظمة التعليمية بأدوار هامة لأن العملية التربوية كانت مبنية على دراسة وإدراك الواقع وتؤمن بأهمية التجربة، عكس النظام التعليمي بالمغرب الذي ظل مبنيا على الحفظ والتكرار والاختصار رافضا لكل إبداع خلاق ولكل نقد بناء فبقيت التقاليد راسخة لأن القاعدة الاقتصادية والاجتماعية ظلت جامدة.