GuidePedia

0
فيما لا شك فيه أن جاك بيرك  - Jacques Berqueلعب دورا كبيرا في تحليله للبنى الاجتماعية  بالأطلس الكبير و كذا اهتمامه بتاريخ هذه المنطقة التي اتخذها موضوعا لدراسته و  بالخصوص  تاريخ قبائل " سكساوة" الامازيغية ، ويقول الوزاني عن سكساوة : " سكسيوة جبل موحش جدا، تعود سكانه أن يضعوا على رؤوسهم قلنسوات بيضاء.... يعمر الرجال طويلا ، فيعيشون عادة ثمانين أو تسعين أو مائة سنة ،وشيخوختهم قوية و خالية بطبيعتها من العلل التي تحملها معها السنوات فهم يسيرون وراء البهائم إلى أن يدركهم الموت , لا يرون الأجانب مطلقا ...(1) "


      ويقول جاك بيرك : "إن التاريخ يمثل في آن واحد المنطلق و النتيجة في هذا البحث"(2)، لكن يمكن أن نتساءل عن الدوافع التي جعلته يولي هذا الاهتمام بماضي مجموعة قبلية . في الوقت الذي يكتفي الباحثون في مثل هذه الحالات بإنجاز دراسات مونوغرافية  وصفية حول الجوانب المادية والاجتماعية المتعلقة بحاضر المجموعة المدروسة . فما هو السبب الذي دفع  جاك بيرك إلى البحث عن التاريخ في وديان وأعالي الأطلس الكبير ؟
  قبل الخوض في غمار الموضوع لا بأس أن نتعرف عن بعض  المحطات التي حلّ بها قبل وصوله إلى الأطلس الكبير . فخلال ربيع 1935 تم نقل جاك بيرك من مركز البروج إلى سوق الأربعاء الغرب لشغل منصب مراقب مدني في هذا المركز الذي يتواجد في قلب منطقة فلاحيه , حيث كتب دراسته حول الحياة الاجتماعية في سوق الأربعاء  بين الحربين التي تضمنت تصنيفا لأهم الشرائح التي تتكون منها البنية الاجتماعية للمدينة ونواحيها .
فجل السكان ينحدرون من قبائل عربية , بني هلال ,بني معقل , وبني مالك, وبني أحسن .
وفي أواخر سنة 1935 عيّن بيرك مسؤولا عن ملحقة" حدّ كورت" في الأراضي العليا للمغرب وكان هذا المركز تابعا آنذاك لإدارة المراقبة المدنية الموجودة في سوق الأربعاء . وقد قضى الجزء الأكبر من إقامته في المغرب مسؤولا عن هذه الملحقة التي كانت تضم المنطقة الشمالية للمغرب حتى ضواحي "جبالة" .
وفي سنة 1943 التحق بالإقامة العامة حيث أسندت إليه مهمة الإشراف على مكتب الأبحاث في إطار الإقامة العامة.
كان لهذه التجربة مفعول كبير في التطور السياسي و الفكري لجاك بيرك , لكنه ما لبث أن أقيل من هذا المنصب ليعيّن كمراقب مدني ف إمنتانوت بالقرب من مراكش .
وفور تعينه شرع في تهيئة أطروحته الجامعية حول " البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير " التي بحث فيها عن تاريخ قبائل "سكساوة " .
فاهتمام "جاك بيرك" بتاريخ سكان هذه القبائل لا ينم فقط من نزعة معرفية ,شمولية,وموسوعية . بل كان أمرا ضروريا  لأن أهم مظاهر الحياة الاجتماعية هي نتيجة للتطور التاريخي . ولا يمكن فهم أي ظاهرة محلية دون ربطها بسياق التطور الذي عاشته المنطقة خلال القرون المتعاقبة , وهو ما عبر عنه جاك بيرك ب: "نظام سكساوي" .
إن التحليل الاجتماعي التاريخي هو الذي مكن بيرك من فهم بعض مظاهر السلوك الجماعي و الخصائص التي مازالت تتحكم بكل ثقلها في العلاقة بين الأفراد والجماعات . وقد تمكن من خلال دراسته لتطور قبائل "سكساوة " من فهم المغزى العميق لبعض أشكال السلوك الاجتماعي التي يغيب معناها عن وعي الأفراد الذين يعيشونها في شكل تلقائي . وتبقى غامضة وضبابية بالنسبة لدارسه وإلى الباحث الذي يتوقف عند المستوى السطحي في دراسته الظواهر الاجتماعية .
وقد لاحظ بيرك مثلا أن التنظيم السياسي عند قبائل "سكساوة" كان يتأرجح باستمرار بين التوجه الديمقراطي و الاستبدادي وبالتالي فإن فهم طبيعة المؤسسات السياسية يقتضي دراستها من زاوية تاريخية . وهو ما خلص إليه  بأن النزعة الاستبدادية  خاصية تتميز بها الحياة الاجتماعية عند القبائل بالأطلس الكبير , لكن هذه النزعة الاستبدادية تصطدم في آخر المطاف بالواقع القبلي الذي ينزع في العمق إلى تفضيل النظام الديمقراطي وقيم المساواة بين الأفراد والجماعات.
إن اهتمام بيرك بالتاريخ الاجتماعي لقبيلة" سكساوة" يرجع بالأساس إلى الأهمية التي يوليها سكان المنطقة لكل ما يتعلق بماضيهم .

      خلاصة القول أن جاك بيرك من خلال دراسته لقبائل "سكساوة" ومن خلال الاستنطاقات , خصوصا الوثائق وأسماء الأماكن والأعلام واللجوء إلى المصادر الشفوية , استطاع دحض التصور الذي كان سائدا في الدراسات الاستعمارية خصوص أفريقيا الشمالية  من خلال استناده على فرضية تختلف جذريا عن هذا التصور , مفادها أن التنظيمات القبلية ترتبط في علاقة جدلية مع محيطها الجغرافي .

الإحـــالات :

(1) :  الحسن بن محمد ألوزاني الفاسي. المرجع "وصف إفريقيا "الجزء الأول ص.111.
(2) : ملحق الطبعة الثانية . جاك بيرك 1978 .

إرسال تعليق

 
Top