GuidePedia

0




بحثنا عن جذور الإقطاع في أوربا في العصور الوسطى، فوجدنا جذوره ضاربة بعمق في تاريخ الإمبراطورية الرومانية، خصوصا في عهد الإمبراطور دقليديانوس (الذي حكم ما بين 284 و305م) وخلفه الإمبراطور قسطنطين الكبير (حكم ما بين 305 و337م) ففي عصر هذين الإمبراطورين رسخت مظاهر السخرة والخدمة الإجبارية نتيجة نظام الضرائب الذي أثقل كاهل السكان فانقسموا إلى طبقات كلها مجبرة على تأدية خدمات والتزامات تجاه الإمبراطورية، فتحولوا بذلك من خدمة مصالحهم إلى خدمة مصالح الدولة، بل أصبحت طبقات منهم مجبرة بقوة القانون فتحولوا من الحرية إلى العبودية بل أضحت العبودية هي السمة المميزة للمواطنة الرومانية، بل إن الفرد في الإمبراطورية الرومانية لم تعد له الحرية ولو في اختيار المهنة التي يريدها، وأصبحت من الأمور العادية التضحية بالحرية الاقتصادية لتحقيق مطالب الإمبراطور وموظفيه الذين قسموا المجتمع إلى طبقات مختلفة قادرة على دفع الضرائب، ومن ضمنهم طبقة تؤدي ضريبة الرأس وضريبة الأرض فأضحت الحياة عند كثير من الرعايا وضيعة وحقيرة، فساد الركود الاقتصادي خصوصا في القرن 4م. لدى جميع الطبقات وعلى رأسها طبقة الفلاحين الذين سعوا بكل الوسائل للتخلص من الضرائب فترتب عن ذلك ظهور فئتين: فئة الفلاحين الصغار الذين لهم جزء من الأرض ولا يرتبطون بها وهم أحرار، ثم فئة الفلاحين الأقنان الذين يعملون في أراضي الإمبراطورية الرومانية، فتأزمت وضعيتهم بسبب الضرائب وتطاول موظفي الدولة على حقوقهم، وزاد في الطين بلة ما فرضه دقليديانوس من ضرائب وخلفه قسطنطين الذين سيجري تغيرا على ذلك بإصدار قرار يقضي بارتباط الأقنان بالأرض بصفة دائمة فأضحوا بذلك أرقاء فعلا، فليس لهم الحرية إلا في الانتقال من ضيعة سيد إلى ضيعة سيد دون أن يتركوها، بل إنهم في حالة التجائهم إلى سيد آخر يردون إلى سيدهم الأول الذي يعتبر مسئولا عن تأدية ما هو مستحق عليهم من ضريبة في الفترة التي خدموه أثناءها، ويخضع زواجه لرضاء السيد وموافقته، ولم يبقى من حقوق القن سوى أن يملك متاعا شخصيا لا يحق له أن يتنازل عنه لقن آخر إلا برضاء سيده أيضا، وحتى أبناؤه يبقون في الصفة نفسها وتجري عليهم الحقوق والواجبات نفسها فهم يورثون كما يورث أي متاع!؟ وهذه الشروط التاريخية هي التي ستهيئ الظروف لنشوء نظام الإقطاع في القرن التاسع الميلادي لأن القيود التي فرضت على الفلاحين ثم على الأقنان كانت من الوسائل التي ساعدت الجرمان – الذين استوطنوا في أوربا الغربية – وهيأت لهم الظروف المناسبة لكي يحتلوا مناصب عسكرية وإدارية في الإمبراطورية الرومانية، ولأنهم كانوا أقوياء وكانت لهم عادات وتقاليد في التسلط والاستبداد أصبح السكان المحليين رومان وغاليين مجرد كادحين يؤدون الخدمة الشخصية والضرائب النقدية، وبذلك تحققت قولة الإمبراطور الروماني سبتموس سفروس Severus الذي حكم عام 306م: “فليحظى بالثراء العساكر ولتحل الزراية ببقية العالم”، معلوم أن العساكر كانوا من الشعوب “البربرية” ومنهم الجرمان الذين تميزوا بالشجاعة وحب الحرب كما في نص تاكيتوس، وبذلك كانت النتيجة هي فقدان الناس لحريتهم فضاعت بذلك شجاعتهم وآمالهم وأضحوا قابلين للعبودية وللقنية.

إرسال تعليق

 
Top