يرجع أصل
المرابطين إلى حركة دينية وسياسية نشأت بين القبائل الصنهاجية في جنوب الصحراء،
ابتداءً من عام 1039. قاد عبد الله بن ياسين وهو قاضي مالكي ، حركة جهادية لنشر
الدين وإصلاح تقاليد شعوب الصحراء، بناءً على مبادرة من زعيم قبيلة غدالة. وقد جمع
ابن ياسين أتباعه من الرجال الذين كانوا يلزمون الرباط (يرابطون)، وهي قاعدة
جهادية ومكاناً للانعزال الروحي، وأطلق عليهم بذلك اسم "المرابطين"
(رجال رباط، أصبحوا فيما بعد يعرفون بالـ "مرابطين" في اللغات
الأوروبية). ثم تحالف ابن ياسين لاحقاً مع قبيلة أخرى ذي نفوذ، وهي قبيلة لمتونة
وبدأ معها بغزو الصحراء والمغرب الغربي، وذلك بإتباع طرق القوافل التجارية التي
تعبر الصحراء. وهكذا، استطاع إخضاع سجلماسة في الشمال (1054) وأغماط (1058). لكنه
توفي في إحدى المعارك ضد البرغواطيين في جبال الأطلس عام 1059. بعد وفاة ابن
ياسين، تولى أبو بكر بن عامر قيادة الجيوش المرابطية. وتفرغ هذا الأخير لمواجهة
مملكة غانا (في جنوب موريتانيا حالياً). بعد وفاة أبو بكر بن عامر، أصبح يوسف بن تاشفين هو القائد الأعلى للجيوش المرابطية
حوالي عام 1070 وأخضع تحت إمرته كل البلاد الواقعة بين النصف الغربي للمغرب وحتى الجزائر العاصمة (1083). ثم أخذ من مراكش التي أسست
حوالي عام 1070، عاصمة لبلاده وأعطى نفسه لقب أمير المسلمين. مما أضفى على حكمه
الشرعية وسمح له بالاعتراف بالخليفة العباسي في بغداد وبالتالي، احترام مبدأ وحدة
الخلافة، العزيزة على رجال القضاء المالكيين. فأصبح هؤلاء يتمتعون بوضع قانوني
مميز تحت المرابطين وباتوا يؤثرون على اتخاذ القرارات السياسية. كان بعض منهم من
محركي اقتحام المرابطين لبلاد الأندلس، بهدف صد تقدم الجيوش الكاستيلية بعد
الاستيلاء على طليطلة عام 1085. بعد انتصار يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة
الشهيرة عام 1086، حصل على الشرعية اللازمة لينهي تدريجياً حكم ملوك الطوائف في
الأندلس وضم أراضيهم إلى إمبراطوريته. خلال ثلاثين عاماً تقريباً، نجح المرابطون
في احتواء الفتوحات الصليبية، خاصة من خلال استرجاعهم مدينة فالنسيا بعد أن
حكمها لو سيد لفترة قصيرة.
كانت
إمبراطورية المرابطين مترامية الأطراف، تمتد من حوض نهر أبرة حتى موريتانيا حالياً
وهي تملك جهازاً إدارياً منظماً بطريقة مركزية، يترأسه كبار المسؤولين المرابطين.
أما الأوساط التي كان ينتمي إليها رجال القضاء المالكيون، والتي كانت تعتبر ذا
نفوذ كبير في دوائر السلطة، فكانت تعين الموظفين المكلفين بالقضايا القانونية
والدينية. كما كانت إمبراطورية المرابطين تستفيد من تطور اقتصادي مهم، لاسيما بفضل
سيطرتها على أبرز المحاور الاقتصادية عبر الصحراء. هكذا، كان الذهب الإفريقي من
أهم المصادر الدائمة للمشاغل الخاصة بضرب العملات والتي كانت تصدر دنانير جديرة
بالتقدير كان يتم نشرها على نطاق واسع في الممالك الصليبية في إسبانيا (حيث كان
يطلق عليها اسم marabotins). ويشهد الازدهار الذي عرفته بعض المدن على غرار المرية، على هذا
النشاط الاقتصادي المتطور والذي ساهم أيضاً في تعزيزه، تزايد التبادلات الاقتصادية
مع شمال المتوسط.
لكن تاريخ
مدينة المرابطين لم يكتب بعد على الرغم من أنهم ساهموا في تحقيق إنجازين أساسيين
في مجال التخطيط الحضاري في المغرب.
فهم الذين
أسسوا مدينة مراكش وقاموا بتزويدها بمنطقة فاخرة (قصر الحجر ويقع في المكان المخصص
لكتبية الموحدين)، وبجامع كبير يحمل اسم الملك المرابط الثاني علي بن يوسف
(1106-1143) كما قاموا بتزويدها بالمياه بفضل شبكة كبيرة من البنى التحتية
(الخطارات) اللازمة لري مختلف الحدائق الحضرية. فيما بعد، تمت حماية مراكش من
ثورات الموحدين من خلال بناء سور كبير حول المدينة.
أما الإنجاز
الثاني الذي قام المرابطون بتحقيقه فهو يخص مدينة فاس التي انقسمت منذ تأسيسها على
يد الأدارسة، إلى مركزين كان كل منها مستقلاً عن الآخر. فقام المرابطون بتوحيد
المدينة وبناء سور جديد وتوسيع جامع القرويين.
فيما يتعلق
بفن العمارة الدينية، كانت أعمال المرابطين التي لم يُحتفظ بالكثير منها في
المغرب، معروفة خاصة بفضل إنجازات في الناحية الشرقية للإمبراطورية، أي في الجزائر
حالياً. فالمساجد الكبيرة في نيدروما والجزائر العاصمة وتلمسان تتميز كلها بنفس
النظام الهندسي مع صحون عمودية على جدار القبلة. وتمتد هذه الصحون على المستوى المركزي،
على شكل رواق. في المغرب، يمكن التعرف إلى أعمال المرابطين خاصة من خلال مسجد
القرويين في فاس حيث تم ترميم ثلاثة صحون بموازاة جدار القبلة. كما تم بناء محراب
جديد وسلسلة من القبب فوق الصحن المحوري. جنب الجامع، تم بناء مصلى جنائزي (جامع
الجنائز) مخصص لدفن الموتى وتلاوة الصلاة الجنائزية. في مراكش، لم يصمد الكثير من
الآثار التابعة لعصر المرابطين، في وجه التحولات التي أتت بها العصور اللاحقة.
لذا، فلم يبق إلا جزءاً من المباني التابعة لجامع علي بن يوسف، لاسيما القبة
الشهيرة فوق الحوض الصغير المخصص للتوضؤ. الناحية الخارجية من القبة مزينة بشاريات
بارزة بشكل متعرج. أما الناحية الداخلية، فتغطيها زخارف فاخرة تمتزج فيها صرامة
الخطوط الهندسية والأقواس والمقرنص بمجموعة وافرة من النباتات المتنوعة التي
تتداخل فيها كتابات منقوشة، مزينة بألوان مختلفة. وقد تم العثور على عدة قطع من
ألواح زجاجية ملونة خلال أعمال التنقيب.
أدخل فن
المرابطين بعض العناصر الجديدة إلى التقاليد الهندسية والمعمارية في الغرب
الإسلامي مثل الاستعمال الوافر للأقواس المتعددة الفصوص المعروفة في بلاد الأندلس
الأموية والتي يرافقها تقسيم جديد لباطن القوس على شكل مستقيم ومنحني الخطّين.
أما فيما
يتعلق بأشكال الزخارف، فتجدر الإشارة إلى التطور الملحوظ الذي عرفه نموذج السعيفات
التي كانت تحتل مكاناً مركزياً في التصميمات والزخرفات الزهرية في حين كثرت في
النقوش بخط النسخ الذي تميز، ابتداءً من القرن الثاني عشر، بدوره كخط زخرفي. في
الواقع، يتسم خط النسخ بسهولة إدماجه في الاستعمالات المبتكرة للزخارف الزهرية
مساهما في خلق توازن مع صرامة الخط الكوفي الذي غالباً ما اتخذ في تلك الفترة،
أشكالاً مزينة بالزهور.
ترك لنا فن
صنع الآثاث هو أيضاً آثاراً مختلفة، والأعمال الخشبية هي، دون شك، خير دليل على
ذلك. من أهمها، منبر الكتبيّة الذي أمر المرابطون بصناعته بين 1125 و1130 والذي
نفذ في قرطبة وهو تحفة رائعة في هذا المجال. يبلغ علو المنبر أربعة أمتار وتغطيه
سلسلة من المشبّكات الهندسية التي تحد عدد من اللوحات على شكل مضلع، رُسمت عليها
زخارف زهرية رفيعة منقوشة بالعاج وبالخشب الثمين. هناك أيضاً قطع خشبية أخرى من
فاس تشهد على استمرارية العمل في مشغل محلي يستخدم خشب الأرز من شرق الأطلس. بعض
هذه الزخارف مستوحاة من تراث في الأندلس تحت الأمويين وملوك الطوائف.
عرفت سلطة
المرابطين في عهد الأمير علي بن يوسف هزائم مختلفة تسببت في انهيارها. فبعد تورطها
في حرب الأندلس ضد تقدم الصليبيين، وحيث أن هذه الحرب عادت واحتدمت ابتداءً من عام
1118 مع غزو الأراغونيين لسراغوثا، اضطر المرابطون لمواجهة ثورة الموحدين أيضاً.
على الرغم من قوتهم العسكرية وسلسلة الحصون التي أنشئت لمنع الوصول إلى السهول
قدوماً من المناطق الجبلية الخارجية، انهارت الدولة المرابطية أمام هجومات
الموحدين الذين دخلوا إلى مدينة مراكش عام 1147. في الأندلس، أدى انهيار الدولة
إلى مرحلة من عدم الاستقرار غالباً ما أطلق عليه اسم "ملوك الطوائف بعد
المرابطين". لم يعد للمرابطين إلا جزر البليار التي قدّمت لبني غنية إمكانية
الحفاظ على حكم مستقل طوال فترة نصف قرن.
http://www.qantara-med.org
إرسال تعليق