إثنولوجيا موسيقى الجبال وأحواش الجنوب المغربي،الرمز والدلالة ـذ.محمد أبيهي

تعتبر إثنولوجيا الموسيقى من الاختصاصات المستحدثة التي تهتم بدراسة مختلف أنماط التعبير بالصوت والتعبير بالحركة في الثقافات الإنسانية، ويوجه هذا العلم اهتماماته إلى تلك الموسيقى التي لا تستند إلى نص مكتوب وتتناقل بين أفراد المجتمع من جيل إلى جيل عن طريق المشافهة كما تحملها الذاكرة الجماعية وتشكل موسيقى الجبال أحد المكونات الهامة التي تميز الثقافة المغربية في أبعادها التاريخية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية فغنى هذه الموسيقى يكمن في تعدد الرموز الثقافية التي تعبر عنها في إيقاعاتها وكلماتها وحركاتها وفي المجال الجغرافي للجبال الذي احتضن إيقاعات موسيقية عبر تاريخ الحضارة المغربية التي توحي لنا بالعديد من المظاهر ذات الصلة بطقوس الإنسان المحلي من حيث اللباس والعادات والتقاليد المرتبطة بأشكال هذه الموسيقى....

ولا يمكن الحديث عن موسيقى الجبال دون الرجوع إلى إبراز عمقها التاريخي ـ الأنتروبولوجي بحيث أنها ظلت مرآة لواقع تاريخي لسلسلة من الأحداث التاريخية التي عرفها تاريخ المغرب من حيث دلالة الأشعار والقصائد التي تغنى بها هذه الموسيقى وشكلت الأداة الفعالة لتوثيق هذه الذاكرة لدى الأجيال التي ظلت لعقود تكتسي طابع البدائية أو تعامل بنظرة فلكلورية سياحية خصوصا خلال الحقبة الاستعمارية ويطلق أحواش على الرقص الجماعي بجنوب المغرب،يشتمل على مجموعة من الرقصات المتناسقة فيما بينها،على شكل لوحات منسجمة في تنوعها،وتتعدد مرادفات أحواش بالجنوب المغربي حسب المجالات الجغرافية،حيث نجد مترادفات مرتبطة بالحقل الدلالي لأحواش كلهضرت/أكوال/أسايس(هو الميدان والساحة المستوية)...كما يتم تصنيف رقصات أحواش حسب معايير مختلفة:الانتماء الجغرافي/شكل الرقصة/الآلات المستعملة/الرقصة حسب التقسيم الفئوي(أحواش الإناث أو الذكور)،فعلى المستوى التاريخي لم يحدد تاريخ نشأة رقصة أحواش،حيث تكيفت الرقصة مع الظروف المحلية والاجتماعية لقبائل الجنوب قديما،حيث شكلت من الممارسات الثقافية ذات الطابع الاجتماعي،فما هي الخصوصيات المميزة للرقصة؟ وما هي الدلالات الاثنولوجيا للرقصة في المجتمع بالجنوب المغربي؟

تتعدد وظائف أحواش في المجتمعات المحلية بالجنوب المغربي خصوصا في المناسبات وفي  العمل و الأنشطة الخاصة  والأنشطة الاستعراضية للقبائل،فالإنشاد الجماعي أثناء العمل يساهم في التخفيف من عبء العمل ويوحِّد المجهودات الفردية لتجسيد قيم التضامن الجماعي،كما يؤدي الوظيفة الحربيةحيث ظلت رقصة أحواش عبر تاريخ الجنوب المغربي ملازمة للمحاربين في قتالاتهم ولعل دلالة رقصة الأرجل والخنجر خير معبر عن الوظيفة الحربية التي تؤديها رقصة أحواش في تدريب أبناء القبائل على القتال كما يرى بعض الباحثين في الرقص الجماعي طقسا يثبت بالحركة والإيقاع الذي له علاقة بالزمان الدائري فالرقص بذلك وسيلة للاندماج الاجتماعي عند الجماعات القبلية بالمغرب.