GuidePedia

0
مرت العلاقة بين المخزن المغربي والإقامة العامة الفرنسية بثلاث مراحل: مرحلة أولى تميزت بالتوتر الذي طبع العلاقة بين الطرفين في نهاية عهد السلطان مولاي يوسف؛ ومرحلة ثانية، بدأت بتنصيب السلطان سيدي محمد بن يوسف لصغر سنه وهي نفس المرحلة التي عمل فيها الفرنسيون على إعادة تنظيم المخزن ليحكموا قبضتهم عليهم، معتقدين بأن «الجو خلا لهم» ليتصرفوا في المغرب «كما يشاءون من غير... معارض ولا منازع»([1]). أما المرحلة الثالثة، التي بدأت بصدور الظهير البربري 16 مايو 1930 م فقد حملت معها من المعطيات ما لم يتوقعه المستعمر([2]). ومن أبرز هذه المعطيات بروز الحركة الوطنية وسعي المخزن، الذي أخذت تظهر عليه بعض علامات التغير([3])، إلى التميز والابتعاد عن سلطات الحماية، ولا يمكن فصل هذا التطور عن أثر الظهير البربري الذي هز صدوره الكيان المخزني وأشعره بخطورة الورطة التي وضعته فيها السياسة الاستعمارية.
وقد أذكى هذا الظهير عوامل الاحتجاج «داخل المجموعات التي شاركت في بلورة عقد الحماية»([4]) وقوى أسباب الأسى والاستياء وسط النخبة المخزنية لوعيها بأنه إجراء يستهدف تقويض دعائم سلطة السلطان والمخزن على المس بالمعتقدات الدينية ويشكل انتهاكاً صريحاً لعقد الحماية([5]). وكان ذلك ما دفع الأوساط المخزنية إلى التساؤل عن مدى التزام فرنسا بتطبيق بنود الحماية، وعن جدوى الوعود التي قدمتها الدولة الحامية للطبقة السياسية المغربية. وقد أشارت التقارير الفرنسية نفسها، إلى الحرج والارتباك الذين سيطرا، تحت تأثير تلك العوامل، على الشخصيات البارزة في المخزن. واستناداً إلى ما ذكرته بعض التقارير، فإن هذه الشخصيات التي استولى عليها الخوف بعد رسائل التهديد والانتقاد التي توصلت بها، شعرت بفداحة الخطإ الذي ارتكبته في حق المغاربة، وأشاعت في الناس - لرغبتها في تبرئة المخزن من التهم المنسوبة إليه والتخفيف من حدة الانتقادات التي وجهت إليه - بأن السلطان تصرف مع الفرنسيين بحسن نية، غير أنهم خدعوه([6]).
ومن الشخصيات المخزنية البارزة، التي عبّرت عن موقفها الواضح من هذه المسألة، محمد بن الحسن الحجوي الذي لم يمنعه تأييده "لموجبات النظام"، والتزامه بالتعاون مع ممثلي الدولة الحامية في المغرب، طبقاً "لمقتضيات العقد ومستلزماته"، من التعبير عن حالة الاستياء التي سيطرت على المخزن، وإبراز خيبة أمل العناصر المغربية التي تحمست في البداية، للإصلاح تحت رعاية فرنسا([7]).
ولم يمثل موقف محمد بن الحسن الحجوي من الحماية حالة شاذة داخل المخزن. فقد ذكر نائب المقيم العام جون هيلو Jean Helleu، مثلاً، أن العاهل الشاب الذي كان يصغي إلى الفرنسيين بعطف ورضى أحياناً، أصبح، متردداً وحائراً بعد أن وجد نفسه في مفترق الطرق([8]). وأثار هنري بونصو، من جهته، انتباه وزارة الخارجية الفرنسية، في مارس 1934، «إلى أن الغضب الشعبي من أدوار المخزن في قضية الظهير البربري كان قد أدخل الفزع على السلطان وعلى وزرائه وجعلهم يعيدون النظر في سياسة المخزن»([9]).
وتجدر الإشارة هنا، إلى دور هذه العوامل في تقريب المسافة بين الوطنيين والسلطان. وهذا ما أبرزه مدير الشؤون الأهلية نفسه، حين أكد أن الأحداث المرتبطة بالظهير البربري ساهمت في تقريب الحركة الوطنية من المخزن عوض أن «تتركهما في حالة تعارض»([10]). وأشار ليوبول بينازي في نفس التقرير، في سياق استعراضه للأسباب التي أدت إلى التقارب أو التواطؤ بين القصر والحركة الوطنية، إلى أن الشبان الوطنيين الذين لم يكونوا في البداية، يتوفرون على برنامج سياسي واضح، عملوا على التقرب من المخزن الشريف حسب مدير الشؤون الأهلية، غداة صدور ظهير 16 مايو 1930، المنظم للعدلية البربرية([11]).
لم يذكر بينازي هذا الأمر إلا بعد أن لاحظ ما كان الوطنيون يبذلونه من جهود جبارة من أجل التقرب من السلطان وكسب تأييده، واستغلالهم جريدة "صوت الشعب" "la voix du peuple"، لتمجيد السلطان وإظهار ولائهم للدولة العلوية. وذكر أبو بكر القادري في هذا الصدد، أن «صدور الجرائد المغربية... أحدث انقلاباً في الأفكار، وتغييراً في المواقف فلم يبق الانتقاد والتشكي في الخفاء وبين الجدران، بل صارت الصحافة الوطنية تشهر بالاستعمار والمستعمرين والقواد والحكام الظالمين، وتفضح ألاعيبهم ومظالمهم وتنشر تشكيات المواطنين»([12]). وكانت هذه الجرائد، حسبما أشارت إليه التقارير الفرنسية نفسها منبراً بالنسبة للوطنيين للتعبير عن ولائهم للسلطان الذي رأوا فيه الأمل في طموحهم للاستقلال. وإن الجهود التي بذلها هؤلاء من أجل الاحتفال بعيد العرش وتخليد الذكرى المئوية الثالثة للأسرة العلوية وتمجيد الأمير مولاي الحسن، ولي العهد و"أمير الأطلس"، لم تكن إلا وسائل ابتكرها الشبان المغاربة ليظهروا، من خلال التعبير عن إخلاصهم وولائهم للسلطان ومعارضتهم للفرنسيين. وكانت فكرة الاحتفال بعيد العرش وتخليد ذكرى جلوس السلطان على عرش أجداده، يوم 18 نوفمبر([13])، التي عبّرت عنها جريدة "صوت الشعب" منذ شهر يوليوز 1933، «ابتكاراً موفقاً جعل للشعب المغربي عيداً وطنياً يتذكر فيه هويته وأمجاده..»([14]).
وتزامن ظهور هذه الفكرة، مع المحاولات التي قام بها الوطنيون من أجل تجاوز لحظة رد الفعل الانفعالي التي تلت صدور الظهير البربري مباشرة، بالعمل على تنظيم حركتهم وضبط برنامجهم وأهدافهم([15]). و«قفزت الحركة الوطنية (بذلك)، قفزة نوعية إلى الأمام، فخرجت من مجرد قراءة اللطيف احتجاجاً على الظهير البربري إلى مرحلة تحبير المقال الوطني ووضع اللبنات الأولى لمنظمات النضال السياسي، وذلك بإصدار جريدة "عمل الشعب" ابتداء من 4 غشت 1933 التي كانت بمثابة مختبر اختبرت فيه أفكار الوطنيين وقدراتهم على الكفاح»([16]).
وظهر في هذا الجو، الذي تبلورت فيه مظاهر التقارب والتجاوب بين السلطان والحركة الوطنية، مفهومان جديدان يرمزان لقوة تأثر الوطنيين بالحركات المشرقية والأفكار الديمقراطية الغربية: مفهوم الملك الذي ردده الوطنيون منذ سنة 1934 على الأقل، ومفهوم الشعب الذي تكرس بصدور جريدتي "صوت الشعب" و"إرادة الشعب" "La volonté du peuple" المكتوبتين باللغة الفرنسية، وظهور المظاهرات الاحتجاجية والشعبية وخروج الجماهير إلى الشارع([17]). وما استعمال مفهوم الشعب بدل الرعية ومفهوم الملك بدل السلطان، إلا تعبيراً عن التطور الذي عرفه الفكر السياسي في المغرب ارتباطاً بالنضال الذي خاضه الوطنيون من أجل فرض مشروعهم الإصلاحي، ودليلاً على ارتباط فكرة التشبث بالمخزن في وعي الوطنيين بضرورة تطويره وإصلاحه وإرساء علاقته بالرعية على أسس جديدة تستمد مقوماتها من ثقافة العصر([18]).
وكان لهذه التطورات أثرها البالغ على الفرنسيين الذين أربكتهم حركة الاحتجاجات، وأقلقتهم تصرفات القصر وميله للتعاطف مع الوطنيين. وشعروا بخطورة التقارب أو التعاطف بين القصر والحركة الوطنية، وبالخوف من أن يتسبب ذلك في تقليص قدرتهم على التحكم في المخزن وإضعاف موقفهم الاستعماري. وأثرت هذه العوامل على علاقتهم بالقصر، الذي حمّلته تقاريرهم مسؤولية تشجيع الوطنيين على التجرؤ على الحماية. وهذا ما نستنتجه من خلال تقرير لمدير الشؤون الأهلية، ليوبول بينازي ألح فيه، في بداية سنة 1934، على تقلص مجال التعاون بين المخزن والإقامة العامة وتدهور الثقة بينهما بعد سنة 1930، وعلى ما كان يبديه بعض موظفي المخزن الكبار من تحفظ وامتعاض اتجاه الفرنسيين الذين اتهموا بالعمل على تقليص سلطة المخزن والمس بهيبته([19]).
ولم يبد ليوبول بينازي أي ارتياح لطريقة تعامل السلطان مع الوطنيين. وكان يرى في "اللطف والمراعاة" اللذين تعاملت بهما الهيئة المخزنية مع من أسماهم "بالعناصر الأهلية المشاغبة" تعبيراً عن سعيها العلني لإظهار عدم رغبتها في إخضاع سياستها للسياسة الفرنسية. ودعم مدير الشؤون الأهلية هذا المعطى أو الاستنتاج بالعودة إلى بعض الأحداث التي وقعت أثناء انعقاد حفل صلاة عيد الفطر، مذكراً بأن مراسيم الاحتفال التي جرت بمسجد جامع السنة بالرباط في جو رسمي مهيب، تعكِّر صفوها بما عرفته من بلبلة واضطراب تسببت فيهما جمهرة من المتظاهرين لا يتجاوز عددهم المائتين. ويتبين لنا من الرواية التي قدمها هذا المدير في التقرير المذكور أعلاه أن هؤلاء المتظاهرين الذين تجمهروا قرب المسجد، انتظروا انتهاء مراسيم الصلاة وخروج الموكب السلطاني من المسجد ليعبروا، بأصوات عالية وهتافات حماسية، عن تشبثهم بالسلطان وتعلقهم بالعرش العلوي. ولم يكتف المتظاهرون بما فعلوه قرب المسجد، إذ تبعوا الموكب السلطاني إلى القصر، ودخلوا إلى "ساحة الشرف الداخلية"، ولم ينسحبوا منها إلا بعد أن أطل عليهم السلطان من إحدى نوافذ القصر([20]).
وذكر بينازي، الذي لم يستسغ التطور الذي آلت إليه تلك الأحداث، بأن هذه الوقائع التي قد تبدو عادية بالنسبة لأي ملاحظ غير عارف بطبيعة التقاليد المخزنية والبروطوكول المعمول به في المشور السعيد، إذ يمكن أن يرى فيما قام به الوطنيون من تجمهر أو تظاهر تعبيراً تلقائياً عن مشاعر المحبة والعطف التي يحملونها للسلطان. ولكن هذه الوقائع تأخذ، في نظره، معنىً آخر عند الرجال المتنبهين العارفين بحقائق الأمور، الذين لم يكن بإمكانهم أن يروا فيها، إلا انحرافاً سافراً عن التقاليد المخزنية وخرقاً مشيناً لمبادئ "القاعدة" المتعارف عليها، بل إنها اعتبرت في نظر بعض المغاربة «فضيحة تضر بسمعة وهيبة المخزن»([21]).
وأشار مدير الشؤون الأهلية، تأكيداً لفكرة التواطؤ بين المخزن والوطنيين، إلى أن قائد المشور وباشا المدينة لم يتدخلا أبداً من أجل إسكات المتظاهرين ودفعهم لالتزام موقف متزن وهادئ. ووجه أصابع الاتهام بشكل خاص، على الباشا الذي اتهم، بناءً على شهادات وأقوال بعض "الأهالي"، ليس فقط بتشجيع المتظاهرين، بل بالمساهمة في تهيئ المظاهرة نفسها. ولكن هذا الموظف السامي، لم يكن، في نظر الفرنسيين، قادراً على اتخاذ ذلك الموقف دون أن يحصل، ولو بشكل خفي، على موافقة المخزن. وحُمّل السلطان، بناءً على ذلك، مسؤولية تلك الأحداث أو المظاهرة التي سمح المخزن بوجودها، رغم علمه بمدلولها الحقيقي الذي يعني الاحتجاج، بشكل مقنّع أو متستِّر ضد عمل فرنسا بالمغرب.
ولم يكتف خبراء الشؤون الأهلية بالمعطيات المذكورة أعلاه لتأكيد فرضية التقارب والتعاطف بين السلطان و"الشبان الوطنيين"؛ بل استعرضوا وقائع أخرى لدعم وجهة نظرهم وإبراز صحة ظنونهم. ومن الأشياء والوقائع التي أثاروا الانتباه إليها، حسب التقرير السابق، مسألة محمد بن الطاهر المدعو "باللفت"، الذي حكم عليه باشا فاس بسنة سجناً، لكن السلطان سجله، بمناسبة حلول عيد الفطر، في لائحة المرشحين للاستفادة من التخفيف من مدة الحبس، دون استشارة السلطة الاستعمارية. وقد انتقد بينازي هذا «التدخل الفوقي والمفاجئ والمناقض لكل الأعراف»، والمعبّر، في رأيه، عن رغبة السلطان في إظهار سلطته واستقلاليته([22]).
وأشار التقرير، من جهة أخرى، إلى الاستقبال الذي خص به السلطان، اثنين من أبرز الوطنيين المغاربة، هما أحمد بلافريج ومحمد بن الحسن الوزاني، مدير جريدة "إرادة الشعب"، اللذين انتقلا إلى القصر ليلاً، على متن إحدى سيارات السلطان، من أجل المشاركة في اجتماع خُصِّص، حسب بينازي، لتهيئ وإعداد مظاهرة جامع السنة التي أثار تنظيمها، على حد قوله، دهشة واستياء بعض رجال المخزن المحافظين.
ورأت إدارة الشؤون الأهلية في هذه المعطيات والعوامل الدليل على تورط السلطان مع "الشبان المغاربة"، وميله، بمساندةٍ من بعض مستشاريه المقربين، لكسب تأييدهم وثقتهم وللتعامل معهم بنوع من العطف والعناية. وألحت هذه الإدارة من جهة ثانية، على رغبة الوطنيين، الذين استغلوا كل المناسبات للتعبير بشكل صاخب عن تعاطفهم مع السلطان، في التأكيد على سلطة السلطان صاحب السيادة على الإمبراطورية الشريفة.
وعبّرت إدارة الشؤون الأهلية عن قلقها من تصرفات السلطان الشاب، الذي أظهر في مناسبات عديدة، عن رغبته في أن يحظى بالشعبية، وعزمه على السير في الطريق التي اختارها. وهي تصرفات ذات نتائج سلبية، إذ أنها أحرجت الإقامة العامة وعرقلت، حسب التقرير المذكور أعلاه، إمكانية تطبيق "سياسة التعاون الصادق" بينها وبين المخزن، بل إنها جعلت من مسألة التعاون بين الطرفين أمراً «مستحيل التطبيق»([23]).
ولم تكن العلاقة التي جمعت بين السلطان سيدي محمد بن يوسف وعلال الفاسي إلا عاملاً من العوامل التي دعمت تخوفات الفرنسيين. إذ أبدى العاهل، حسب التقرير السابق الذكر، اهتماماً خاصاً بهذا الوطني الشاب الذي كانت الإدارة الاستعمارية قد أرغمته على الابتعاد عن المغرب والاستقرار بباريس. ولم يكتف السلطان، في هذا الصدد، بالمطالبة بعودة علال الفاسي إلى المغرب من منفاه بباريس، بل سارع إلى مقابلته في القصر، في بداية يناير من سنة 1934. وكان هذا اللقاء الخاص الذي دام ساعة من الزمن فرصة لإبداء عزمه على التشبث بحقوق البلاد و«تكذيب.. ما كان يروجه الفرنسيون من ثورة الوطنيين عليه ومن عدم رضاء جلالته عن الحركة التحريرية القائمة...»([24]). كما أن الاحتجاجات التي عبّر عنها عبد القادر بن غبريط مبعوث السلطان الخاص إلى باريس، في شهر فبراير من نفس السنة، بعد صدور المرسوم القاضي بضم الإمبراطورية الشريفة إلى وزارة ما وراء البحار، أثارت قلق واستياء أصحاب القرار في الإقامة العامة([25]).
سارت العلاقات بين الإقامة العامة والمخزن، نتيجة لهذا التحول الذي طرأ على موقف السلطان من النظام الاستعماري، في طريق صعب وشائك. وهذا ما أبرزه المقيم العام هنري بونصو، حين ذكر أن صغر سن السلطان جعله يصغي لنصائح بعض ذوي النيات السيئة، وينظر بنوع من الرعاية والعطف للوطنيين الذين حاولوا إقناعه بالبعد السامي لطموحاتهم، ونجحوا بمهارة، في تغذية "الوهم الخطير" لديه بكونه سلطاناً جردته فرنسا الاستعمارية من سلطاته الفعلية والحقيقية. ولم ينتبه السلطان في رأيه، تحت تأثير هذه الأفكار أو الأوهام، إلى ما في تطور الأفكار الوطنية العديمة الأفق والغريبة عن عقلية المجتمع التقليدي من خطر على النظامين، السلطاني والاستعماري معاً([26]).
ونظراً لوعي الإقامة العامة بأهمية دور المخزن في النسق الاستعماري القائم، فقد اعتمدت، في "المباراة" الجارية بينها وبينه، على الشخصيات الموالية والمساندة لها في دار المخزن([27]). ومن أبرز هذه العناصر، التي كانت من أدوات السياسة الاستعمارية داخل القصر، نذكر أولاً، الصدر الأعظم الحاج مَحمد المقري، الذي أظهر دائماً استعداده لخدمة الدولة الحامية، خصوصاً وأن مصالحه لم تكن تتعارض مع مصالح الدولة الحامية([28])؛ وثانياً الجزائري عبد القادر بن غبريط مدير البروتوكول الشريف، الذي حافظ على موقعه ونفوذه داخل المخزن وعلى علاقاته مع الأوساط الدبلوماسية الفرنسية. وكان ذلك سبب تكليفه بمقابلة بول دي سان كونتان Paul de Saint-Quentin، ممثل وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، من أجل الاحتجاج ضد قرار إلحاق المغرب بوزارة ما وراء البحار، الأمر الذي أثار حفيظة واستغراب بعض الأوساط الاستعمارية التي لم تستسغ أن يكلف بتلك المهمة شخص يعد من أهم وأبرز أعوان فرنسا المخلصين([29]). وهناك ثالثاً، محمد المعمري([30])، الذي تدعمت مكانته داخل المخزن، بعد أن اختاره راوول مارك للإشراف على تربية وتدريس الأمير سيدي محمد، رغم ما أثاره ذلك، حسب الأوساط الصحافية الفرنسية، من امتعاض في نفوس كبار موظفي المخزن المقربين من السلطان. ونجد في التقارير الفرنسية المتعلقة بسنة 1934 أن هذا الجزائري فقد بعض نفوذه داخل المخزن، غير أنه استمر مع ذلك في التعاون مع الفرنسيين، وكان على حد قولهم «الأداة المتفهمة لسياسة التعاون المشترك»([31]).
وكان دور محمد المقري في هذا المجال، الأكثر بروزاً وخطورة. فهذا الوزير، الذي اكتسب خبرة واسعة في خدمة السلاطين وتمرس على التعامل مع القضايا التي فرضتها الوضعية الاستعمارية، كان بالنسبة للفرنسيين العون الضروري الذي يصعب الاستغناء عنه، والمساعد «المخلص للقضية الفرنسية والواعي بآفاق المستقبل». وقد أهله موقعه داخل المخزن ليقوم بهذه المهمة خير قيام، خصوصاً وأنه كان يلازم سيدي محمد بن يوسف ويقوم بدور المستشار والوصي على العرش([32]). لكن تصرفات المقري أصبحت تثير امتعاض السلطان، وتلقى معارضة شديدة من طرف خصومه ومنافسيه بدار المخزن. وكان الحاج عمر التازي الذي رغب السلطان منذ خريف سنة 1932 في أن يسند إليه منصب الصدارة، من أكبر هؤلاء الخصوم والمنافسين([33]).
ولا يمكن فصل هذه التطورات الداخلية التي دعمت الموقف المعارض لفرنسا داخل القصر عن الأحداث السياسية التي طبعت مسار المغرب في بحر تلك السنة (1934). وأهم حدث يمكن تسجيله في هذا الإطار، زيارة السلطان إلى فاس في شهر ماي، وهي الزيارة التي زادت العلاقات المغربية الفرنسية توتراً وشكلت منعطفاً حاسماً في الصراع بين الفرنسيين من جهة والسلطان والحركة الوطنية من جهة ثانية.

زيارة السلطان إلى فاس: المغزى والملابسات
انتبه هنري بونصو إلى خطورة التقارب الحاصل بين الوطنيين والمخزن، وبدا مُنْزَعِجاً من تصرفات السلطان الذي أبدى تعاطفه مع الوطنيين واستعداده للإنصات إليهم. وشعر بضرورة بذل كل الجهود الممكنة من أجل عزل القصر عن الشعب وضرب التقارب بين السلطان والحركة الوطنية. وعمل من جهة ثانية على نهج أسلوب المرونة والحوار مع الوطنيين وإبداء العزم على تحقيق بعض مطالبهم رغبة منه في تهدئة الوضع السياسي والتخفيف من حدة وخطورة الحركة الاحتجاجية الوطنية([34]) و«قطع الطريق على السلطان» الراغب في أن «يظهر بمظهر المحامي» عن الوطنيين([35]). وحاول في هذا الإطار، اكتساب ثقة رموز الحركة الوطنية وتوريط بعضهم في العملية الاستعمارية بمنحهم مناصب إدارية سامية([36]).
عملت الإقامة العامة، من جهة أخرى، على إثارة حفيظة العاهل ضد الوطنيين([37])، واستخدام المخزن لضرب الحركة الوطنية. وتدخل في هذا الإطار، الجهود التي بذلتها من أجل إقناع سيدي محمد بن يوسف بضرورة اتخاذ تدابير زجرية ضد علال الفاسي الذي أثار نشاطه في القرويين قلق الأوساط الرسمية الفرنسية([38]). كما حرصت الإقامة العامة، في نفس الوقت، على إقناع المخزن بمصلحة الطرفين في دعم جسور التعاون بينهما. ويبدو من خلال ما ذكره هنري بونصو، الذي التقى بالسلطان يوم 6 فبراير 1934 وتجاذب معه أطراف الحديث حول المشاكل المطروحة([39]).
انتهز الوطنيون فرصة زيارة السلطان لمدينة فاس يوم 8 مايو 1934، ليعملوا على إفشال المناورات والمخططات الاستعمارية الرامية إلى تدمير جسور التقارب والتفاهم بينهم وبين السلطان، وليدعموا علاقتهم بالقصر بإظهار ولائهم للعاهل، وارتباطهم بالعرش. ونظراً لأهمية الحدث، فقد اتخذوا كل الاحتياطات الضرورية والاستعدادات اللازمة، ليكون الاحتفال في مستوى المحتفى به. وبدأت هذه الاستعدادات بوضع أقواس النصر وتعليق الرايات([40]).
وبعد أن علم الصدر الأعظم محمد المقري بخبر هذه الاستعدادات، حرص، وفق ما أتى في رسالة بعثها الوزير المنتدب بالإقامة العامة إلى وزارة الخارجية، على إخبار السلطان «بالأخطار الناجمة عن قيام مظاهرات تخرج عن إطار البروتوكول المعمول به» لكن سيدي محمد بن يوسف، الذي لم يكن يعامل وزيره، حسب الرسالة، بالاحترام الذي يليق بسنه ومنصبه، أجابه بنوع من الامتعاض والانزعاج، بعدم إمكانية إبعاد شبان راغبين في أن يعبروا له عن ولائهم وتعلقهم به. وحرص المقري، عقب ذلك، على أن يخبر الوزير المنتدب بالإقامة العامة بما وقع وليطلب منه التصرف في الأمر([41]).
نظم الوطنيون، بعد وصول السلطان إلى فاس، «الاستقبالات الشائقة التي لم يسبق لها مثيل في شكلها الحديث»([42]). فقد استقبلته الجماهير التي احتشدت، في طريق الموكب السلطاني، بحفاوة عظيمة. وتكرر المشهد في اليوم التالي (9 ماي)، الذي كان مقرراً أن يزور السلطان فيه القرويين والأضرحة، إذ استقبل السلطان، مرة ثانية بالتحيات والهتافات الحماسية، وانتظمت حوله المظاهرات العظيمة والجموع الوافرة، ورددت الجماهير، بأصوات عالية العبارة أو الكلمات التالية: يحيى الملك، يحيى سيدنا، يحيى المغرب، تحيى الحرية وتسقط الحماية([43]). ونظراً لخطورة هذه الأحداث التي أثارت قلق وانزعاج المسؤولين الفرنسيين، سارع هؤلاء، لعقد اجتماع هام بمقر القيادة العسكرية، وحضر الاجتماع جون هيلو Jean Helleu، المقيم العام بالنيابة الذي تحمَّل أعباء الإقامة العامة بعد أن سافر هنري بونصو إلى باريس. وقرر المجتمعون اعتقال الزعماء الوطنيين، بعد أن ادعوا أن المتظاهرين أو «الشبان الوطنيين المشاغبين» قاموا بأعمال شغب ورفعوا، عند مرورهم بالقرب من دار الجنرال ماركي Marquis الحاكم العسكري لإقليم فاس، شعارات معادية لفرنسا ولنظام الحماية. «أما السلطان الشاب، فلم يقم ساعتها، على حد قول المفوض العام، بما كان ينتظره الفرنسيون منه، رغم أن الطريقة التي جرت بها الأمور، كانت مخالفة للبروتوكول وللقاعدة المعمول بها»([44]).
وخشي جون هيلو أن يتأزم الوضع في اليوم الموالي الذي كان يوم جمعة، أي يوماً ملائماً، في نظره، «لبزوغ حالات غضب انفعالية تعبر عن تعصب وكره للأجنبي». وقرر، نتيجة ذلك، أن «ينصح السلطان بلباقة وصرامة» بما ينبغي عليه القيام به. واتصل لهذه الغاية، بالصدر الأعظم الحاج محمد المقري، الذي كان سنه آنذاك قد تجاوز التسعين سنة، ليعبّر له عن استيائه وانزعاجه للأخبار والمعلومات التي وصلت إليه، وعن تخوفه من قيام مظاهرات أخرى أثناء انعقاد مراسيم صلاة الجمعة. ولم يكن هذا الكلام إلا مدخلاً ليبدي رغبته في أن يقوم السلطان بشجب واستهجان سلوك وتصرفات أولئك "المشاغبين" الذي عبّروا له عن ولائهم بشكل استفزازي وغير مقبول. والتمس من الصدر الأعظم تنبيه السلطان إلى خطورة التطورات الحاصلة ومحاولة إقناعه بضرورة الابتعاد عن مسرح التوترات، وإنهاء زيارته إلى مدينة فاس والعودة إلى الرباط([45]).
وكان المقيم العام بالنيابة واثقاً بأن المقري، الذي كانت تربطه به علاقة قديمة وودية، سيقوم بتلك المهمة على أحسن وجه. ولم يخامره الشك أبداً، على حد قوله، في «نبل» الصدر الأعظم و«إخلاصه لوطنه ولفرنسا والمخزن والحماية». ولم يتردد المقري في الاستجابة لطلبات جون هيلو. واتصل في هذا الشأن، بالسلطان ليطلعه على كلام المقيم العام بالنيابة. وعاود بعد ذلك، الاتصال بالمسؤول الفرنسي في منتصف الليل، ليخبره بموافقة السلطان على مغادرة فاس والعودة إلى مدينة الرباط في الصباح الباكر. وتقرر ساعتها، اتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة حتى لا يُعرف الأمر إلا بعد وصول السلطان ووزرائه إلى العاصمة السياسية والإدارية([46]).
وتجدر الإشارة إلى أن التقارير السرية الفرنسية سارت في اتجاه تأكيد ما تضمنته مذكرات جون هيلو التي بيّنت أن قرار عودة السلطان إلى الرباط كان قراراً فرنسياً([47]). أما الوثائق والبيانات الرسمية، فقد حرصت على إرجاع مسؤولية اتخاذ القرار لسيدي محمد بن يوسف، من أجل تغذية الوهم بتمتع السلطان بسلطة فعلية وحقيقية ولإظهار الوطنيين في مظهر المشاغبين الخارجين عن القانون والشرعية. وهذا ما تأكد لنا من البيان الذي أصدرته الإقامة العامة بعد عودة السلطان إلى الرباط. فقد ألحت فيه على أن «مشاغبين استغلوا زيارة السلطان لضريح مولاي إدريس ليتظاهروا أمام مقر القيادة العسكرية وليعبروا عن أفكار مناوئة للحكومة الفرنسية». وأبدت في نفس البيان، حرصها على أن تظهر العاهل بمظهر الشخص الحريص على المحافظة على صداقة فرنسا وأن تربط قرار العودة إلى الرباط بما شعر به هذا الأخير من استياء نتيجة قيام تلك المظاهرات.
ويقدم لنا الوطنيون رواية مغايرة ومناقضة لما رواه الفرنسيون، تميل إلى التأكيد بأن سيدي محمد، الذي اكتشف نفسه في تلك الأحداث «كسلطان في نفوس الجماهير من رعاياه»([48])، لم يقبل العودة إلى الرباط قبل انتهاء مدة الزيارة، إلا «احتجاجاً على تصرف» السلطة الاستعمارية التي طلبت منه «اعتقال زعماء كتلة العمل الوطني والعدول عن النُّزول لأداء الجمعة في القرويين والاكتفاء بالصلاة في مسجد القصر أو السماح للإدارة بأن تضع على طريق جلالته صفين قويين من جنود الحماية»([49]). وهذا الاختلاف بين الروايتين، رواية الاستعماريين ورواية الوطنيين، يعكس الاختلاف الموجود بين موقفي الطرفين: فإذا كان الوطنيون قد أرادوا استغلال الحدث لدعم فكرة التحام العرش بالشعب، فإن الإقامة العامة حاولت، على العكس من ذلك، التأكيد على فرضية استياء السلطان من مظاهرات فاس، لمنع الوطنيين من استثمارها لصالحهم. وانعكس هذا الاختلاف في الرؤى، على مواقف الطرفين في مرحلة ما بعد ماي 1934، التي شكلت في بعض جوانبها استمراراً وامتداداً للمرحلة السابقة.

المخزن والاستعمار بعد ماي 1934
أرسل زعماء الحركة الوطنية برقية تضامن وولاء إلى السلطان بعد عودته إلى مدينة الرباط. وأصدروا عدداً خاصاً من جريدة "عمل الشعب"، شرحوا فيه حقيقة ما وقع أثناء زيارة السلطان لمدينة فاس. وقام الجنرال القائد العام لقوات الاحتلال، في المقابل، بمنع توزيع الجرائد الوطنية بكل التراب المغربي بدعوى أنها تتحمل مسؤولية ما حدث بفاس([50]). لكن هذا الإجراء القمعي الذي جرد الوطنيين من إحدى أهم وأخطر وسائل الدعاية الوطنية، لم يؤد إلى إضعاف عزيمتهم وتقليص نشاطهم الوطني. وما زادهم حماساً وحيوية، استدعاء السلطان لهم، في نفس الشهر الذي جرت فيه أحداث فاس (مايو 1934)، لحضور اجتماع مجلس للوزراء برئاسة الصدر الأعظم. وفي هذا الاجتماع أخبر مدير ديوان السلطان الحاضرين بأن العاهل لم يخرج من مدينة فاس غاضباً على أهلها «وفق ما أشاعه المغرضون، بل خرج بالعكس مغتبطاً مسروراً» وأنه لم يقرر الخروج إلا «شفقة على رعيته من أن تمتد إليها يد المستعمر بسوء»([51]). وقدم السلطان، من خلال هذا الاجتماع، الدليل على رغبته في استئناف سياسة التقارب مع الوطنيين وفي عدم الانصياع لنصائح الإقامة العامة الراغبة في التفريق بينه وبينهم. وإذا كان الفرنسيون قد نجحوا، حسب زعمهم، في إقناعه بضرورة التزام الحذر والاحتياط مع الوطنيين، فإن مظاهرات فاس الوطنية أزالت كل ما في نفسه من قلق وحيرة وساعدت على توطيد العلاقة بين المخزن والحركة الوطنية. وازدادت هذه العلاقة قوة وتوطداً مع إصرار الوطنيين على الاستمرار في تنظيم احتفالات عيد العرش.
كما كان لبرنامج الإصلاحات المغربية أو (مطالب الشعب المغربي) التي حددت وبلورت برنامج وأهداف الحركة الوطنية الناشئة دورها الأساس في توضيح وتعزيز مواقفها وإظهارها بمظهر القوة المساندة للقصر والمعبّرة عن طموحات السلطان. إذ أكد الوطنيون في هذا البرنامج، الذي قدم إلى الإقامة العامة والسلطان ووزارة الخارجية الفرنسية في نوفمبر من سنة 1934، على أهمية السلطان في النسق السياسي المغربي. وطالبوا، تأسيساً على ذلك، بضرورة تطبيق سياسة إصلاحية ترتكز على المحافظة على وحدة البلاد ووضع حكومة وإدارة مغربيتين حقيقيتين واحترام السلطان واختصاصاته، على اعتبار أن المغرب الخاضع للحماية دولة مستقلة تحت سيادة السلطان. وإذا كان البرنامج قد نصّ على ضرورة تأسيس مجلس وطني يقوم بدور البرلمان، فإنه «أبقى الكلمة العليا في المجلس لجلالة الملك، كما أبقى الوزراء مسؤولين أمام جلالته طبقاً للتقاليد»([52]).
ولم تسمح هذه العوامل والتطورات بتحسن العلاقة بين الإقامة العامة والمخزن؛ بل العكس هو الذي حصل. واستناداً إلى ما ذكره أحد الاستعماريين العارفين بخبايا الأمور في المغرب، هو جاك لادري دي لاشاريير Jacques Ladreit de la Charrière، فإن تراخي أو ضعف الاتصالات بين الطرفين، في تلك الفترات، «لم يسمح بحماية السلطان»([53]). وحماية السلطان هنا، تعني عزله عن الشعب ومنع التأثيرات والأفكار التي لا تخدم أهداف الاستعمار من الوصول إليه والتأثير فيه، والإبقاء على الأسباب التي تساعد المستعمر على استخدامه واستغلال وجوده للمحافظة على وهم الحماية.
ومما لا شك فيه أن الوطنيين لعبوا الدور الأساس في إفساد مخططات ومناورات المستعمر، القائمة على ضرورة عزل السلطان والمخزن عن القوى الحية بالبلاد([54]). لكن الإدارة الاستعمارية حمّلت مسؤولية التوتر الحاصل بينها وبين القصر لعناصر تنتمي إلى النخبة المخزنية أيضاً. وإذا كانت هذه الإدارة قد عززت، منذ البداية، موقعها داخل القصر واستفادت من وجود عناصر مساندة ومخلصة لها ضمن الهيئة المخزنية، فإنها عانت أيضاً، منذ بداية سنة 1933 على الأقل، من وجود بعض العناصر المخزنية المناوئة لها أو الشخصيات غير المتحمسة للتعاون معها. وبرز دور هذه العناصر، التي أثارت غضب واستياء الأوساط الاستعمارية أثناء زيارة السلطان لمدينة فاس، بشكل خاص([55]).
ويبدو لنا، من خلال استطلاع محتوى بعض الوثائق والمصادر، أن المخزن كان موزعاً بين تيارين أو اتجاهين: اتجاه مناهض للأطروحة الاستعمارية، ومؤيد للسلطان في سياسته الرامية إلى تثبيت دعائم سلطته، وتمتين الروابط مع الحركة الوطنية الناشئة؛ وتيار ثان مناصر للفرنسيين ومتحمس لسياسة التعاون الوثيق بين الإقامة العامة والمخزن. لكننا إن رجعنا إلى ما ذكره علال الفاسي في سياق حديثه عن أحداث ما بعد 10 مايو 1934، نجد كلاماً مناقضاً نوعاً ما، لما ذكرناه من انقسام المخزن حول مسألة التعاون مع فرنسا الاستعمارية. فقد أشار هذا الزعيم الوطني إلى أن «الوزراء كلهم» أظهروا، في مجلس الوزراء المنعقد بحضور الوطنيين «رغبتهم في تحقيق أماني البلاد وصرحوا... بأن الجميع يجب أن يتعاونوا على استرجاع السيادة المغربية المأسورة»([56]).
لكن هذه الرواية التي تنطلق من فكرة انسجام موقف المخزن، لا تصمد أمام الواقع التاريخي؛ إذ أن بعض العناصر التي أظهرت تأييدها لما أثبته مجلس الوزراء، كانت في الحقيقة، تدين بالولاء للإقامة العامة وتدافع عن الأطروحة الاستعمارية. ونجد على رأس هذه العناصر الموالية لفرنسا، الصدر الأعظم محمد المقري الذي اتصل بالمقيم العام بالنيابة جون هيلو، يوم 12 ماي، أي بعد عودة الموكب السلطاني إلى مدينة الرباط، ليثير انتباهه إلى أن الوضع لم يعد محتملاً([57])، وأن واجب "حكومة الحماية" يحتم عليها، أمام ضعف المخزن إظهار القوة والتصرف بحزم([58]). ويبدو هذا القول منسجماً مع الصورة التي تكونت عن المقري الذي أبدى عدم ارتياحه "للاتجاه الجديد" الذي سار فيه السلطان، فحافظ لذلك، على مكانته لدى حكومة الحماية التي «عبرت له دائماً عن الثقة والتقدير اللذين يحظى بهما»([59]). وهذا ما ألحت عليه تقارير إدارة الشؤون الأهلية التي عملت باستمرار، على الربط بين سياستها تجاه المخزن وبين دور الصدر الأعظم «الوصي المناسب والمستشار اليقظ والموثوق منه». ولم تتوقف هذه التقارير عن التذكير بميله لفرنسا والإشادة بواقعيته التي لم تنبن على السعي لتحقيق مصلحته الشخصية فقط، وإنما على «فهم عميق لحقيقة الوضع القائم أيضاً»([60]).
لكن الإدارة الاستعمارية لم تكن مع ذلك، قادرة دائماً، حسبما ذكره ليوبول بينازي مدير الشؤون الأهلية، على أن تحافظ للمقري على نفوذه داخل القصر وأن تحميه من «الدسائس غير المتوقعة»([61]). والمفارقة المثيرة للانتباه هي أن قدرته على التأثير على السلطان ونفوذه داخل المخزن أخذا يتقلصان، على ما يبدو، في الآونة التي تأزمت فيها العلاقات بين المخزن والإقامة العامة. وأصبح المقري يشعر، بعد الفتور الذي ميز علاقاته بالسلطان والمخزن، بعدم الاطمئنان على وضعيته ومكانته في دار المخزن، ويعاني من العزلة والخوف من زوال الحظوة داخل القصر. واستناداً إلى ما ورد في بعض التقارير الفرنسية، فقد «تنكر أعيان المخزن لجميل صنعه»، وتدهورت علاقته بالشخصيات المخزنية الطامعة في الوصول إلى كرسي الوزارة، والعناصر التي كانت تشجع وتحرض السلطان على السير في طريق «غير الطريق التقليدية». وزادت عزلته ومعاناته، حسب الفرنسيين، بسبب تدهور وضعيته الصحية، وتعرضه لأزمات ونوبات حادة. وكانت هذه الأسباب مجتمعة ما دفع المقري، الذي «لم يعد صوته يسمع» في الأوساط المخزنية، ليعبِّر للفرنسيين بنفسه عن أسفه نتيجة لما أصبح يجده من صعوبات تعرقل الجهود التي يقوم بها في «خدمة المصالح المشتركة» بين المغرب وفرنسا([62]).
ولا يرتبط تقلص نفوذ الصدر الأعظم في الواقع، بموقفه المؤيد للفرنسيين فقط، بل يجد سنده أيضاً، فيما كان يحرك السلطان، منذ نهاية سنة  1932 على الأقل، من طموح لتوطيد سلطته على رجاله وفرض نفوذه داخل القصر([63]). ويفرض علينا هذا الأمر، وضع العوامل الخاصة بشخصية السلطان في الاعتبار، عند الحديث عن العلاقة بين القصر والإقامة العامة، التي تضمنت تقاريرها معلومات وإشارات عن السلطان ذات دلالات بليغة. ونستشهد في هذا الباب بما ذكره هنري بونصو عن سيدي محمد بن يوسف، في بداية سنة 1934. فقد ذكر بأنه «شاب مشتغل بحرمته حريص على مكانته»([64]). أما ليوبول بينازي، مدير الشؤون الأهلية، فقد ألح في سياق تحليله لشخصية سيدي محمد بن يوسف، في نهاية سنة 1934، أي في المرحلة التي تدعم فيها التقارب بين السلطان والوطنيين، على ثلاثة عناصر لا تخلو في بعض جوانبها من تناقضات: فقد ألح في العنصر الأول على أن السلطان شاب([65]) وأنه يطمح في أن يكون له دوره البارز في الساحة السياسية، أما العنصر الثالث، فقد أظهر العاهل في مظهر الشخص الخاضع لتأثير "إسلام كاره للأجنبي" ولجاذبية الحركة الوطنية([66]).
لكن السلطان الذي تميز بالحذق والفطنة، لم يكن في نهاية المطاف، إلا شخصاً محاصراً بين من أرادوه أن يبقى خاضعاً لإرادة الفرنسيين ومن جعلوا منه بطلاً([67]). وهذا الوضع غير المريح، الذي أشعره بحدود إمكانياته أمام جبروت القوة الاستعمارية، أرغمه على القيام «بدور مزدوج يستجيب (من خلاله) تارة لاندفاع الفرنسيين وتارة أخرى يصمد في وجوههم»([68]).
نجد في هذا المعطى، ما يفسر التطور الذي عرفته العلاقة بين القصر والإقامة العامة سنة 1935. فإذا كانت أغلب المراجع قد أشارت، انطلاقاً من تجربة سنة 1934، إلى فشل هنري بونصو في توطيد علاقته بالسلطان وتقوية جسور التعاون بينهما([69])، فإن ما كتبه مدير الشؤون الأهلية في ماي 1935، يدفع إلى الاعتقاد بأن العاهل الذي أربكته في بعض الفترات، مظاهر الإخلاص والتمجيد التي أبدتها الحركة الوطنية الفتية غيّر بعض الشيء من أسلوب تعامله مع "حكومة الحماية"؛ إذ عرفت هذه الأخيرة بنفوذها، حسبما ذكره هذا المدير، كيف تقنعه بأهمية وحيوية المصالح الفرنسية والمغربية المشتركة([70]). وتوضيحاً لهذا الأمر، ذكر ليوبول بينازي في تقرير آخر خصصه "للمشكلة الأهلية" سنة 1935، أن السلطان، الذي جعله صغر سنه قابلاً للتأثر بمظاهر الولاء التي أحاطه الوطنيون بها، اضطر بعد التحذيرات الصارمة التي وجهت إليه، إلى أن يتخذ موقفاً منسجماً مع مصالح فرنسا والأسرة الحاكمة، لكي يجنب نفسه المخاطر التي قد تنجم عن أي تشجيع للوطنيين([71]).
ويسير في نفس الاتجاه، ما ذكره جون هيلو، نائب المقيم العام، الذي أشار، بعد استعراضه لأحداث ماي بمدينة فاس بأن السلطان برهن في الأخير عن حسن نواياه وتقديره لعلاقة الصداقة التي تربطه بالفرنسيين([72]). وينسجم هذا الأمر مع ما عرفته وضعية المقري داخل المخزن، من تحسن وتطور. فقد جددت فيه فرنسا الاستعمارية ثقتها، بعد أن فكرت في وقت من الأوقات في الاستغناء عنه واستبداله بشخص آخر، تتوفر فيه الشروط الضرورية لخدمة الأهداف الاستعمارية. وأصبحت الوثائق والتقارير الفرنسية تتحدث عنه من جديد، باعتباره الوصي النبيه والموثوق به، والوزير المؤيد "للقضية الفرنسية"، الذي كان "ضحية الغيرة والدسائس المعشّشة في القصر". وأشادت بع التقارير، التي ألحت على قدرة هذا الوزير على الصمود رغم كل ما حيك ضده من دسائس، بحكمته وهدوء طبعه، اللذين اعتبرتا أساس ومصدر قوته. وعبّر الصدر الأعظم، من جهته، عن تأثره الشديد نتيجة لما حظي به من اهتمام وتشجيع من طرف الحكومة الفرنسية التي ساعدته على تجاوز محنته واستعادة مكانته ونفوذه، لاقتناعها بكونه الشخص الملائم لتنمية وتقوية "التعاون" الضروري بين المخزن والإقامة العامة([73]).
لكن هذا التطور الذي عرفه المخزن، والتحول الذي طرأ على موقف السلطان من الحماية، لا ينفصلان عمّا عرفه نشاط الوطنيين في منتصف الثلاثينيات، من تقلص وفتور. وهذا الوضع هو الذي شجع مدير الشؤون الأهلية، في نهاية سنة 1935، على القول بأن الحركة الوطنية التي شعرت بعزم "حكومة الحماية" على مواجهة دسائسها، أصبحت تعيش لحظة "غفوة"، فلم تعد بذلك، تثير قلق "الدولة". وتوضيحاً لهذا الأمر، ذكر هذا المسؤول الفرنسي بأن تحركاتها وأنشطتها ضعفت وقلَّت، وانحصرت في مظاهرات ضعيفة التأثير نُظمت بمدينتي الرباط والبيضاء، بمناسبة نقل رفات الماريشال ليوطي إلى فرنسا، وفي الاجتماعات السرية التي كانت تعقد من حين لآخر وفي المقالات أو المناشير الممنوعة التي تتضمّن انتقادات الوطنيين "الهدامة"([74]).
لم يتغير هذا الوضع كثيراً، بعد أن تولى مارسيل بيروطون مهام الإقامة العامة، في مارس 1936. فقد عقد "علاقات حسنة" مع السلطان سيدي محمد، بالرغم مما اشتهر به من سلطوية وغطرسة ونزعة استعمارية متشددة([75]). وهذا يعني بأن المخزن استمر في التعبير عن حسن نواياه وعن التزامه "بالتعاون الصادق" مع الفرنسيين. أما الحركة الوطنية التي حافظت على طابعها الاحتجاجي، فقد أظهر لها مارسيل بيروطون العداء الشديد ودخل معها «في عراك علني مكشوف»([76]). ولم يخف هذا المقيم العام الجديد منذ البداية، ميله لتلبية مطالب المعمرين وعزمه على عدم الاستجابة للمطالب الوطنية الإصلاحية وعن رفضه لسياسة الحوار والمرونة التي نهجها هنري بونصو معهم، بل إنه هدّد باستعمال الشدة والصرامة في التعامل مع الوطنيين من أجل القضاء على حركتهم.
وهكذا، فإن ضغط الحركة الاحتجاجية الوطنية والتطور الذي عرفه المخزن، ابتداء من سنة 1933 على الأقل، أرغما الإقامة العامة على إنعاش سياسة المراعاة، وإعادة الاعتبار لسياسة اليد الممدودة، والدفع بالسلطان إلى واجهة الأحداث. لكن هدفها انحصر في محاولة توريط المخزن بشكل مباشر في العملية الاستعمارية واستخدامه لتثبيت دعائم الاستعمار. أما السلطان الذي جذبه، لفترة من الفترات، تيار الحركة الوطنية، فإنه لم يستطع، نتيجة الضغوط القوية التي تعرض لها، أن يصمد أمام إرادة القوة الاستعمارية الحريصة على التحكم في المخزن انسجاماً مع أهداف السياسة الاستعمارية.
إن تعيين مارسيل بيروطون الذي تميز بميله لنهج سياسة الشدة والصرامة في التعامل مع المطالب الوطنية سنة 1936، لا يخرج عن الأهداف العامة السياسية الاستعمارية في المغرب، التي انبنت على ضرورة التحكم في السلطان والمخزن، والعمل على إضعاف الحركة الوطنية. لكن تصرفات مارسيل بيروطون "الطائشة الحمقاء"، حسب تعبير القادري([77])، عجلت برحيله على يد الجبهة الشعبية في فرنسا، رغم أنه لم يقض في المغرب إلا فترة قصيرة، لم تتجاوز الستة أشهر. وكان إقصاؤه إعلاناً عن بدء تجربة استعمارية جديدة ارتبطت بتشكل حكومة الجبهة الشعبية، وتسليم مهام الإقامة العامة بالمغرب إلى الجنرال نوﮔﻴﺲ، الذي شعر بخطورة التلاحم بين القصر والحركة الوطنية، فعمل كل ما في وسعه من أجل الانفراد بالسلطان واحتواء المخزن، وتطبيق الإصلاحات الممكنة، مع الحرص على استعمال القوة عند الضرورة، للإبقاء على المغرب في نطاق الحماية.




([1])      عبد الوهاب بن منصور، محمد الخامس والظهير البربري، ص. 54.
([2])      لم يكن أحد يتوقع شدة ما جرى من رد الفعل، فقد فوجئ به الفرنسيون الأكثر اطلاعاً على الواقع المغربي، مثل أوربان بلان الذي كان من "عمق اطلاعه على إفريقيا وعلى الإسلام" أكثر مستشاري ليوطي "خبرة وثباتاً". وقد أكد هذا الأخير، في تقرير بعثه إلى باريس (20 يونيو 1930): «علينا ألا نستعجل استثمار ما وراء الظهير (البربري) من الفوائد... فإنها ستترتب حتماً على ما نسير عليه بكل حرص من التوازن بين جنسين لابد أن نعير لأحدهما، وهو البربري، بالغ العناية لإثبات وجودنا في البلاد»، وليام هويسنطن. 
([3])      أشارت جريدة "لوكري ماروكان"، في هذا الصدد، إلى التغير الذي طرأ على المخزن بعد وفاة مولاي يوسف. وربطت ذلك، بوجود "سلطان شاب وذكي ومثقف" و"شباب مخزني فتي"، وظهور "نخبة مثقفة"، تختلف عن "الشيوخ". ونصحت الجريدة المسؤولين الاستعماريين بأن يضعوا في الاعتبار طموحات ومطالب هذا "الجيل الشاب"، الذين لم يفرض نفسه، على حد قولها، بصفات نبيلة وضمير حي Cri marocain, n° 330, 1930, 9e année, p. 1.
([4])      Laroui, Les origines…, pp. 418, 430-431.
           ذكر عبد الله العروي أن الاستياء استولى على المخزن الذي أخذ رجاله يتساءلون، بعد أن وجدوا أنفسهم يعيشون في وضعية احتلال، عما إذا كان المارشيال ليوطي قد خدعهم، وعن مدى التزام الدولة الحامية بوعودها تجاه شركائها. (المصدر نفسه، ص. 418).
([5])      ذكر وليام هويسنطن أن الظهير الذي ساهم في الحد "من سلطات العاهل.. جاء بمثابة "انقلال".. وكان المقيم العام لوسيان سان على بينة.. من أن الظهير سيعتبر هجوماً على السنة الدينية (مصدر سابق، صص. 56-57).
([6])      L. Benazet, Note sur le maghzen central (D.A.I) Rabat, le 25 janvier 1934, 7 p.
           واستناداً إلى ما ذكره وليان هويسنطون (مصدر سابق، ص. 157)، فقد أثار هنري بونصو انتباه وزارة الخارجية الفرنسية، في مارس 1934، «إلى أن الغضب الشعبي من أدوار الظهير البربري.. أدخل الفزع على السلطان وعلى وزرائه وجعلهم يعيدون النظر في سياسة المخزن ويشيعون بأن الفرنسيين خدعوا السلطان».
([7])      سعيد بنسعيد العلوي، الاجتهاد والتحديث، دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط. 2، ، 2001، ص. 78. يعبِّر "التقرير التاريخي" الذي رفعه محمد الحجوي إلى المقيم العام هنري بونصو (24 ص) في نهاية سنة 1933..، عن خيبة أمل رجال المخزن إزاء الإصلاحات المنجزة (المرجع نفسه، ص. 76-78). انظر أيضاً: عبد الله العروي، الأصول الاجتماعية والثقافية...، صص. 430-431.
         ذكرت الباحثة آسية بنعدادة، في هذا الصدد، أن مواقف الحجوي من الحماية، «تغيرت بالتدريج من جراء الخيبة التي أصابته من البلد الحامي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث صار يقول في حق المقيم العام ليوطي: إنه سحر الشعب المغربي ونوّمه تنويماً مغناطيسياً.. وقبض على أعصاب المغرب بأصابع فولاذية تحت قفاز من حرير...» وتبين له أن تلك المدنية العصرية التي أدخلها ليوطي إلى المغرب لا تهم المغاربة (المرجع السابق، ص. 179).
([8])      Manuscrit des mémoires de Jean Helleu (1, S-série: 236-Helleu Jean, chemise), PA-AP, (Série Papiers d'agents-Archives privées, A.A.E), p. 76-77.
([9])      وليام هويسنطن، مصدر سابق، ص. 157.
([10])     Benzet, Note sur le maghzen central…, p. 3.
([11])     نفس التقرير، صص. 2-3.
([12])     مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية...، ص. 293.
([13])     ذكر محمد معروف الدفالي في هذا السياق ما يلي: «في إطار ضرورة الالتفاف حول العرش روجت جريدة "عمل الشعب" في سنة 1933 لفكرة الاحتفال بذكرى جلوس محمد بن يوسف على العرش من أجل تأسيس عيد وطني ذي صبغة سياسية، بنشر صورة للسلطان والتنبيه لقرب تاريخ ثامن عشر نونبر يوم الذكرى» (حزب الشورى والاستقلال...، ص. 51). وقد منعت الإقامة العامة الاحتفالات في السنة الأولى (18 نونبر 1933). ولكن ذلك لم يحل دون تنظيم الوطنيين لمظاهرات سلمية بفاس. ولم تعمل سلطات الحماية بعد مرور هذه الذكرى الأولى على منع الاحتفال بعيد العرش، الذي احتفل به رسمياً سنة 1934. ولو أن القرار الوزيري الذي صدر بأمر من الإقامة العامة نص على منع التجمعات وإلقاء الخطب. وحاولت الإقامة العامة إضفاء طابع رسمي على هذا العيد الوطني. ولهذا السبب ألحت تقاريرها الرسمية على أن السلطان رغب في إحياء عادة مخزنية قديمة، فقرر باتفاق تام مع "حكومة الحماية"، على الاحتفال كل سنة بذكرى تربعه على العرش في 18 نونبر (B.R. Questions musulmanes, 8-12-1931, p. 4).
([14])     إبراهيم بوطالب، "هنري بونصو"، معلمة المغرب، ص. 1874.
([15])     ذكر أبو بكر القادري أن الحركة الوطنية، بعد إقالة سان وتعيين بونصو، «كانت... في بداية نشأتها». ولم يكن بإمكانها آنذاك أن تنظم نفسها «كحزب وطني منظم... وحتى ما سمي بعد ذلك بكتلة العمل الوطني أو لجنة العمل المغربية لم تكن قد وجدت». ومع مرور الوقت بدأت «تظهر ملامح حركة وطنية منظمة.. لم تبق مقتصرة على الاعتراض على الظهير البربري بل صارت تهتم بجميع القضايا التي يعاني منها الشعب المغربي...». وأكد من جهة ثانية أن «هذه الظواهر الجديدة التي صارت تظهر للعيان، أرعبت الإدارة الاستعمارية، فصارت تشيع أن هؤلاء الشبان الذين يدعون أنفسهم بالوطنيين، لا غرض لهم إلا التشويش وإثارة الأفكار، والانتقاد الهدام، فما هي مطالبهم؟ وما هو برنامجهم؟». (مذكراتي في الحركة الوطنية...، ج 1، صص. 292-293؛ انظر أيضاً: صص. 296-297 من المصدر نفسه).
([16])     إبراهيم بوطالب، "هنري بونصو"، مصدر سابق، ص. 1874.
([17])     استلهمنا هذه الأفكار مما عبّر عنه أستاذنا إبراهيم بوطالب في الموضوع، في مناسبات عديدة. ولا يخرج عن هذا الإطار ما كتبه في "معلمة المغرب" في سياق حديثه عن هنري بونصو (ص. 1874) وما دبجه في مقدمة ترجمته لكتاب وليا هويسنطن السابق الذكر (ص. 13).
([18])     أقر برنامج الإصلاحات المغربية بأهمية السلطان في النسق السياسي والإداري واعترف له بمسؤولية اتخاذ القرار. لكنه ألح من جهة ثانية على ضرورة إصلاح وتجديد المخزن وبناء العلاقات داخل النسق السياسي والاجتماعي على أسس جديدة. وتدخل في هذا الإطار مطالبة الوطنيين بضرورة منح الحريات الخاصة والعامة للمغاربة ودعم تمثيليتهم في المجالس البلدية والغرف المهنية وتأسيس مجلس وطني منتخب يقدم اقتراحاته للسلطان. وهكذا فإن الإقرار بأهمية دور السلطان في مجال الحكم، لم يكن يعني في نظر الوطنيين إلغاء دور الشعب.
([19])     Benazet, Note sur le maghzen central…, op. cit., p. 1.
([20])     المصدر نفسه، صص. 1-2.
([21])     المصدر نفسه، ص. 3.
([22])     المصدر نفسه، ص. 4.
([23])     المصدر نفسه، ص. 5.
([24])     ومن جملة ما قاله السلطان في هذه المقابلة ما يلي: «إن ما ضاع من حقوقنا ناشئ عن عدم معرفة من مضى من المسؤولين بالأساليب التي يجب أن تتبع، ومنذ الآن لن يضيع للبلاد حق بل سأعمل على استرجاع كل ما ضاع» (علال الفاسي، الحركات الاستقلالية...، مصدر سابق، ص. 147).
([25])     ألحق المغرب بوزارة ما وراء البحار التي حلت محل وزارة المستعمرات، التي أسندت رئاستها إلى هنري دي جوﻧﭭﻴﻞ Henry de Jouvenel في 30 يناير 1934، وأصبحت اختصاصاتها تؤهلها ليس فقط للنظر في شؤون المستعمرات، بل للإشراف أيضاً على البلدان الخاضعة الانتداب أو للحماية، مثل المغرب.
([26])     Ponsot à M.A.E, (D.A.P. à Commerciales Afrique-Maroc, Paris, lettre a/s de l'attitude du sultan vis-à-vis du nationalisme marocain, 10-02-1934, 258-Benazet, vol. n° 1, AP.- PA., A.A.E.                                                                  
           عزز هنري بونصو أقواله واستنتاجاته بوثيقتين صادرتين عن إدارة الشؤون الأهلية - الأولى في 2 فبراير والثانية في 6 فبراير 1934 - حول موقف السلطان من الحركة الوطنية.
([27])     ذكر وليام هويسنطن في هذا الصدد (مصدر سابق، ص. 236) أن فرنسا كانت تنتظر من أمثال المعمري والمقري أن يعملوا على "إملاء الكلام" على السلطان.
([28])     Benazet, note sur le maghzen, 25-01-1934, op. cit., p. 6.
([29])     وهذا ما عبر عنه لادري دي لاشاريير Ladereit de la Charrière الذي استغرب لعدم امتناع هذا الجزائري، الذي أنعمت عليه فرنسا بلقب قنصل فرنسا العام تشريفاً، عن القيام بتلك المهمة المناقضة لعقد الحماية. وذلك رغم معرفته بالتقاليد والأعراف الدبلوماسية وببنود عقد 30 مارس 1912 الذي ساهم في صنع الأحداث المؤسسة لنظام الحماية. Jacques Ladeit de la Charrière, A.F., p. 81.
([30])     Cri marocain, 1930, (9e année), n° 330, p. 1.
([31])     Benazet, note sur le maghzen, 25-01-1934, op. cit., p. 7.
([32])     قام المقري في بداية عهد السلطان سيدي محمد، بدور الوصي. و"استبد" لذلك، حسب عبد الوهاب بنمنصور، بمفتاح الصنيدق الذي كانت توضع داخله الطوابع والأختام السلطانية، رغم أن "العادة المتبعة" كانت تقضي بأن «يحتفظ السلطان بصنيدق طوابعه داخل قصره ويمسك بمفتاحه، فلا يفتحه إلا هو عندما تدعو الحاجة إلى استعمال أحد طوابعه». (محمد الخامس والظهير البربري، مرجع سابق، ص. 54).
([33])     نجد في التقارير الفرنسية ما يفيد بأن السلطان أوعز إلى الحاج عمر التازي في سبتمبر 1932، بالذهاب إلى باريس، من أجل تهيئ الظروف التي تساعده على الوصول إلى الصدارة العظمى. وقد توصل المقيم العام في هذا الشأن، في نفس الشهر، برسالة مجهولة المصدر، تحمل توقيع "جماعة من أصدقاء فرنسا، المغاربة" تشير إلى ما حدث من تواطؤ بين السلطان والحاج عمر التازي الذي أرسل إلى باريس، حسب الرسالة، مبعوثين اثنين هما صلاح رشيد ومحمد صلاح ميسة من أجل التمهيد لرحلته الباريسية. وتذكر الرسالة أنه سلَّم الأول منهما ستين ألف فرنك (60.000 ف) وللثاني مائة وخمسين ألف فرنك (150.000 ف) ليبحثوا عن الشخصيات الفرنسية الكفيلة بدعم ترشيحه لذلك المنصب. وحذر كاتبو الرسالة المقيم العام من إسناد المنصب لهذا الشخص الدساس والمتآمر والمعارض للسياسة الفرنسية والحاقد على فرنسا بسبب إقالته من منصبه كوزير للأملاك المخزنية. واقترحوا في المقابل   =
=       تعيين عبد الرحمان برﮔﺎش باعتباره الرجل المناسب، الذي يمكن أن تجد فيه فرنسا المعاون المخلص. (وصلت هذه الرسالة إلى وزارة الخارجية الفرنسية في 17 شتنبر 1932).
 Volume n° 422 (n°18 dans la nouvelle série), Maroc 17-40, A.A.E.
([34])     قررت الإقامة العامة، استرضاء للوطنيين، التراجع إلى الوراء في مجال "السياسة البربرية"، عن طريق إلغاء ظهير 16 مايو 1930 وإصدار ظهير 8 أبريل 1934 Ch. Robert Ageron, Politiques coloniales au Maghreb, Paris, P.U.F., 1972, p. 144-147.
([35])     وليام هويسنطن، مصدر سابق، ص. 158.
([36])     عرضت الإقامة العامة على علال الفاسي منصب وزير العدل وعلى عمر بن عبد الجليل منصب وكيل مدير عام لشؤون الفلاحة (علال الفاسي، الحركات الاستقلالية...، ص. 158).
([37])     عملت الإقامة العامة على تخويف السلطان من الوطنيين بدعوى أنهم جمهوريون خطرون على العرش ينبغي التبرؤ منهم والتنديد بأعمالهم. وذكر علال الفاسي في هذا الإطار، ما يلي: «إن الفرنسيين أخذوا يدسون بين الوطنيين وبين جلالة الملك، ولما سافرت إلى فرنسا فراراً من اعتقالهم حاولوا أن يقنعوا القصر بأني سافرت مبعوثاً من الكتلة الوطنية للتفاوض على إرجاع المولى عبد الحفيظ للعرش»، (مصدر سابق، ص. 161).
([38])     استقطبت محاضرات علال الفاسي في القرويين جمهوراً غفيراً. وأثار ذلك، قلق الفرنسيين الذين حاولوا إثارة السلطان ضده.
(Benazet, note au sujeet de Allal El-Fassi, 14-03-1934, Benazet n° 1, (n° cl.  177-178), 2 p. PA-AP., A.A.E).
([39])     رسالة من هنري بونصو إلى وزارة الخارجية، 10 أبريل 1934، (2 ص)، بخصوص موقف السلطان من الحركة الوطنية، مصدر سابق. انظر الملحق، ص. 487.
([40])     علال الفاسي، الحركات الاستقلالية...، مصدر سابق، ص. 161؛ ومحمد العلمي، محمد الخامس...، ص. 48.
([41])     Le Délégué à la Résidence Générale à M. le Ministre des Affaires Etrangères, lettre du 21 mai 1934, au sujet des événements du 10 mai à Fès et de leurs conséquences (5 p), 258-Benazet, vol. n° 1, n° cl. 190-198, AP-PA., A.A.E.   
([42])     علال الفاسي، الحركات الاستقلالية، مصدر سابق، ص. 161.
([43])     مذكرات جون هيلو الوزير المعتمد بالإقامة العامة، مصدر سابق، ص. 78-80؛ وليام هويسنطن، مصدر سابق، ص. 157.
([44])     جون هيلو، المصدر نفسه والصفحة.
([45])     المصدر نفسه والصفحة.
([46])     شكر جون هيلو، الصدر الأعظم على ما قام به من جهود من أجل تحقيق النتائج المتوصل إليها. وعبّر له، في نفس الوقت عن قلقه وخوفه من أن يؤثر ذلك "الحادث المؤسف" على علاقته بالسلطان (المصدر نفسه والصفحة).
([47])     انظر: Bulletin de renseignement des questions musulmanes, Ministère de la guerre, E.M. de l'Armée, Section d'études, Afrique, Orient, colonies, Paris, (confidentiel), Juin 1943, n° 1678, 9/11, p. 4 (B.G).
([48])     محمد حسن الوزاني، مذكرات حياة وجهاد...، ج 4، ص. 34-35.
([49])     علال الفاسي، الحركات الاستقلالية...، مصدر سابق، ص. 162.
([50])     هذه الجرائد هي: "عمل الشعب" (فاس)، و"المغرب" (باريس)، وقد كانتا تصدران باللغة الفرنسية وجريدتا "الحياة" و"السلام" (تطوان).
([51])     علال الفاسي، الحركات الاستقلالية...، مصدر سابق، ص. 163.
([52])     المصدر نفسه، ص. 167.
([53])     Les événements de Fès, A.F. 1934, pp. 266-271; p. 270.
([54])     كانت فاس يوم 10 مايو 1934، مسرحاً لأحداث خطيرة وحوادث مثيرة للانتباه تعبر عن الجو المشحون الذي خيم على عدد معين من المدن، تحت تأثير عناصر مشاغبة، والمقصودون بهذا الأمر هم الوطنيون. (المصدر نفسه، ص. 266).
([55])     ألحت بعض الأوساط الاستعمارية، في سياق الحديث عن أحداث فاس، على التأثير القوي الذي مارسه بعض الأشخاص والمستشارين بالقصر على السلطان (A.F. 1934, p. 270).
([56])     علال الفاسي، الحركات الاستقلالية...، مصدر سابق، ص. 163.
([57])     الصيغة التي استعملت في التقرير هي التالي: «إن الحوض امتلأ ويمكن أن يفيض». انظر: Le délégué à la Résidence générale à M. le Ministre des Affaires Etrangères, lettre du 21 mai 1934, au sujet des événements du 10 mai, à Fès et de leurs conséquences…, op. cit.
([58])     المصدر نفسه.
([59])     Benazet, Note a-s de l'état d'esprit des indigènes au Maroc en décembre 1934, op. cit., p. 2.                                                                                                         
([60])     Benazet, Situation politique au Maroc en mai 1935, op. cit., p. 7.
([61])     Benazet, Note a-s de l'état d'esprit des indigènes au Maroc en décembre 1934, op. cit., p. 2.
([62])     المصدر نفسه والصفحة.
([63])     Lacouture, cinq hommes et un Roi…, p. 188.
([64])     وليام هويسنطن، مصدر سابق، ص. 158
([65])     اللفظ الذي استعمله بينازي، في التقرير، هنا هو: Les partis, Note a-s de l'état d'esprit des indigènes au Maroc en décembre 1934, op. cit., p. 2.
([66])     المصدر نفسه.
         ذكر بنيازي أن السلطان لم يمنع نفسه من تبادل الابتسامات مع الوطنيين، (المصدر نفسه والصفحة). وأشار وليام هويسنطن من جهته، بالاعتماد على الوثائق الفرنسية، إلى أن السلطان «لم يكن يخفي طموحه في قيادة شعبه نحو التقدم والرفاه والمستقبل ورغبته في أن يفرض وجوده واستقلاله عن كل جماعة أو حزب أو شعب أو عشيرة»، (مصدر سابق، ص. 236).
([67])     المصدر نفسه والصفحة.
([68])     هذا يعني، حسب وليام هويسنطن دائماً، تبني سياسة تقوم على الحماس والاندفاع تارة، وعلى الحذر والتريث تارة أخرى (المصدر نفسه والصفحة).
([69])     لم ينجح هنري بونصو في اكتساب ثقة السلطان، رغم كل ما اكتسبه من خبرة ومهارة دبلوماسية وما أبداه من رغبة في "العودة" إلى صيغة الحماية (انظر: G. Spillmann, du Protectorat à l'indépendance…, p. 66.
([70])     Benazet, Situation politique au Maroc en mai 1935, op. cit., p. 6.
([71])     Benazet, Le problème indigènes en 1935, op. cit., p. 1.
([72])     المصدر نفسه، صص. 76-77.
([73])     Benazet, Situation politique au Maroc en mai 1935…, p. 7.
([74])     Benazet, Le problème indigènes en 1935, op. cit., p. 4.
([75])     G. Spillmann, du Protectorat à l'indépendance…, op. cit., p. 81.
([76])     أبو بكر القادري، مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية...، مرجع سابق، ج 1، ص. 371.
([77])     المصدر نفسه والصفحة.

إرسال تعليق

 
Top