GuidePedia

0

لا شك أن للذهب المجلوب من بلاد السودان الغربي إلى المغرب الأقصى خلال العصر الوسيط مناجم يستخرج منها. ومناطق تشرف على خروجه من بلاد السودان الغربي في طريقها إلى الشمال (المغرب الأقصى)، وهذه الحركية تستلزم نظام نقل وشبكة طرقية مدارة بكيفية عقلانية تبعا للظروف الطبيعية، ولعوامل الأمن، والظرفية الجيو- سياسية. فماهي إذن أهم المواطن والبؤر المنجمية التي يستخرج منها الذهب ؟ 
قبل استحضار بؤر هذا المعدن وأهم المناجم التي يستخرج منها نشير إلى أنه لابد من استحضار الكيفية التي يوجد بها والحالة التي هو عليها، يقول الادريسي "فإذا كان في شهر غشت وحمى القيض، وخرج النيل وفاض غط هذه الجزيرة أو أكثرها وأقام مدته التي من عادته أن يقيم عليها ثم يأخذ في الرجوع فإذا أخذ النيل في الرجوع والجزر رجع كل من في بلاد السودان المنشرين إلى تلك الجزيرة. بحاثا يبحثون طول أيام رجوع النيل فيجد كل إنسان منهم في بحثه هناك من أعطاه الله سبحانه كثيرا أو قليلا من التبر وما يخيب منهم أحد" (1) وكان هذا في معرض حديثه عن "ونقارة" أو "ونغارة" أو "وانغاراوا" كما نجد في بعض الدراسات (2) ويقول القلقشندي في معرض حديثه عن ذهب وركلان "وقد حكي في مسالك الأبصار عن الأمير أبي الحسن علي بن أمير حاجب عن السلطان منسا موسى سلطان هذه المملكة، أنه سأله عن قدومه الديار المصرية حاجا عن معادن الذهب عندهم، فقال توجد على نوعين: نوع في زمن الربيع ينبت في الصحراء له ورق شبيه بالنجيل، أصوله التبر والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفات مجاري النيل تدفر هناك دفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى فيؤخذ، قال: وكلاهما هو المسمى التبر". (3) ومن هنا نستشف وجود الذهب قبلا على شكل "نجيل" ينمو في الصحراء أو "حصيات" تنمو على ضفاف مجاري الأنهار كما أشار الادريسي، ويضيف القلقشندي: تحديدا زمنيا يتفق مع ما أورده الادريسي حول أن نبات الذهب يصبح في طور التشكل على ضفاف الأنهار والمجاري ابتداء من شهر غشت حيث يقول: "أن نبات الذهب بهذه البلاد (يقصد تكرور) يبدأ في شهر غشت حيث سلطان الشمس قاهر، وذلك عند أخذ النيل في الارتفاع والزيادة، فإذا انحط النيل تتبع حيث ركب عليه من الأرض فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به ومنه ما يوجد كالحصى" (4) ، ولكي تتضح الرؤية يضيف "وذكر عن الشيخ عيسى الزواوي عن السلطان منسا موسى المقدم ذكره أيضا أنه يحفر في معادن الذهب كل حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها فيوجد الذهب في جنباتها، وربما وجد مجتمعا في سفل الحفيرة" (5) لا يهمنا هنا، هل نتحدث عن العصر المرابطي – الموحدي؛ أو ما بعده من العصر المريني بتواجد إمبراطورية مالي (6) التي زار عمالاتها السودانية الرحالة المغربي ابن بطوطة اللواتي الطنجي ،بقدر تبيان الحالة العامة التي يتواجد عليها الذهب كمادة خام في تلك الأسقاع والبقاع . ومهما يكن من أمر، فثمة مواطن مهمة لاستخراج الذهب بغزارة بالسودان الغربي، ولعل أبرزها ونقارة يقول عنها الادريسي "ونقارة وهي بلاد التبر المذكورة الموصوفة به كثرة وطيبا" (7) ويحددها الادريسي بقوله، "وهي امتداد لمملكة غانا" (8) ويضيف، "ومن مدينة غانا إلى أول بلاد ونقارة ثمانية أيام وبلاد ونقارة هذه هي بلاد التبر المشهورة بالطيب والكثرة" (9) لعله يقصد بالطيب الجودة، ويسهب بوفيل في الحديث عن الذهب في "وانغارا" معززا قول ابن حوقل في كتابه صورة الأرض بقوله على أن الذهب ينمو في وانغارا كما ينمو الجزر (10) ويقول باحتمال أن تكون لوبي هي وانغارا التاريخية، (11) ويقول بما أن كل من الادريسي والبكري يشيران إلى أن منطقتين تنتجان الذهب، الأول إلى وانغارا وتكرور، والثاني إلى إيرسني Iresni وغيارو Ghiarou ، فإن وانغارا وإيرسني التي تقع باتجاه الشرق تنطبقان على بور، وأن تكرور وغيارو تنطبقان على بامبك (12)، وبامبك هذه تكثر فيها الأنهار، وفي اتجاه آخر يقول، كما حدد البكري مناجم الذهب على أنها لا تبعد أكثر عن مسيرة ثمانية عشر يوما من كومبي، عاصمة غانا. على أن الأحقية كانت لبامبك وبور لقربهما من كومبي (غانا القديمة) (13) وبالرجوع إلى ونقارة نفسها، يقول عنها الادريسي: على أن أكثر من يشتري الذهب الذي تجمع بعد رجوع النيل إلى حده الطبيعي هم سكان ونقارة وأهل المغرب الأقصى، "يسك في دور السكة ويستفيد منه أغنياؤهم فيزدادون غنى." (14) وعموما هناك أربع مناطق تنتج الذهب بغزارة بالسودان الغربي وهي بامبك Bambak ، التي تقع بين السينغال العليا ونهر فاليم Faleme ومنطقة بور التي توجد عند ملتقى النايجر الأعلى مع رافده تنكيسو Tinkisso ومنطقة لوبي Lobi في فولتا العليا. ومنطقتي أشانتي Ashanti في الجزء الخلفي من ساحل الذهب (15) أما عن مدينة تكرور، فهي تعد "أكبر من مدينة سلي وأكثر تجارة، وإليها يسافر أهل المغرب الأقصى بالصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها بالتبر والعبيد" (16) وهي التي كانت ترسل الذهب إلى المغرب الأقصى مرفوقا بالفضة ويستوردون الملح من أوليل (17) وهناك مناطق أخرى اضطلعت بمهمة تصدير الذهب إلى الشمال، وهي أودغست التي كانت مستودعا مهما للذهب، والتي يقول عنها البكري أن ذهبها" أجود ذهب الأرض وأصحه" (18) ومدينة غيارو المشار إليها تضم موطن ذهب يستخرج بغزارة ويحمل منها على بعد اثني عشر ميلا إلى غانا وهو ذهب جيد على كل حال، وتبعد هذه المدينة بثمانية عشر يوما عن غانا (19) وبتنوع مصادر الذهب انعكس ذلك على غنى سجلماسة تجاريا (20) وهناك مدينة مداسة وهي "مدينة كثيرة العمارة صالحة العمالات" والتي توجد على شمال النيل (21) مدينة تبعد عن ترقي بستة أيام مدينة متوسطة يتاجر أهلها بالتبر (22) ووركلان اشتهرت كذلك بتصدير الذهب إلى المغرب الأقصى رفقة الرقيق (23) وهذا الذهب المستخرج من هذه المناطق الغنية من إمبراطوريات مالي وغانا في العصور الوسطى يعبر الصحراء بسجلماسة ومنها إلى سبتة ومن سبتة إلى جنوة الإيطالية التي جمعتها مع السلطة الموحدية علاقات تجارية. (24) وهذا الذهب الذي أحدث تغييرات على المجتمع المغربي طيلة العصر الوسيط، كان يجلب على شكل سبائك من المراكز التجارية المهمة الواقعة في الشمال أو الجنوب من حدود الصحراء الكبرى في سجلماسة، وأودوغاست في وارغلا وثمبوكتو وينقل من هناك إلى فاس ومراكش وإلى تونس والقاهرة وإلى الموانئ التي يعرض فيها الأوربيون بضائعهم (25) كما نود أن نشير إلى أن هناك معادلة طاغية على المبادلات التجارية المغربية /السودانية محصلة للذهب وهي معادلة ملح- ذهب، فالمغاربة يحملون الملح، (26) في إطار التبادل التجاري مع السودان الغربي ويأتون بالذهب لطالما افتقد السودانيون هذه المادة، والتي كانت مسوقة من ملاحة مهمة هي جزيرة أوليل التي يقول عنها الادريسي: "فأما جزيرة أوليل فهي على البحر على مقربة من الساحل وبها الملاحة المشهورة ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها ومنها يحمل الملح إلى جميع بلاد السودان" (27) كما ظهرت ملاحتين جديدتين في العصرالموحدي خصوصا بعد النقص الحاصل في ملاحة فاس وهما: واحدة في بلاد حاحا والأخرى في جبل تاجمرت قرب مراكش (28)، على أساس أن الأشهر هي ملاحة أوليل الغزيرة، ضف إلى ذلك ممالح تغازا المشهورة والتي استغلت بشكل كبير في العصر المريني. ونعطي نموذجا للأرباح المحققة من جراء الاتجار بالملح مقابل الذهب مع المرابطين الذين كانوا يجنون أرباحا هائلة مقابل هذه التبادلات إذ أن أثمان حمل واحد ما بين ثمانية عشر مثاقيل ذهبية في إيوالاتن في حين وصل إلى ثلاثين مثقالا ذهبية بمالي (29). إلا أنه مهما يكن من أمر، فموضوع مناطق وبؤر استخراج معدن الذهب وجلبه إلى المغرب الأقصى يمكن أن نخلص منه إلى العديد من الاستنتاجات:
 * هناك كثافة في استخراج الذهب السوداني الغربي طيلة العصور الوسطى ويزداد كثافة كلما اكتشفت مناجم جديدة. * الذهب في حالته الطبيعية يوجد إما على شكل نبات يشبه نبات "النجيل" ويكثر في الصحراء أو على شكل "حصيات" تتواجد على ضفاف الأنهار وسقنا نموذج النيل، قبل أن يتم غسله وتنقيته وحمله إلى دور السبك ثم إلى بلاد المغرب الأقصى التي تؤطره على شكل عملة ؛أو أية استعمالات أخرى تناسب رغباتها.
 * إحقاق قضية أن إمبراطوريات غانا ومالي كانتا تنظمان تجارتيهما مع المغرب الأقصى، رغم ما ينشأ في العلاقات من مد وجزر طيلة العصر الوسيط.
 * وجود مناطق لاستخراج الذهب بكثافة منجمية قوية تحكيها المصادر، لعله كان استنزافا حقيقيا لها، وبالتالي يظهر على أنه كان بكثرة فيها مثال ونقارة.
 * الذهب قبل وصوله إلى العاصمة المركزية وإلى دور السكة والضرب الرئيسية في المغرب الأقصى كان يسلك في حركيته مراحل طويلة- شاقة ومهمة. وإذا كان هذا المقال قد وضح بعضا من أكثر وأشهر بؤر استخراج الذهب في السودان الغربي . نتساءل عن كل استعمالاته ،وكذا عن أثره على مجتمع المغرب الاقصى طيلة العصر الوسيط ؟ 


هوامش المقال

1-      الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، م 1؛ نشر مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة بدون تاريخ، ص: 24.

2-      بوفيل، تجارة الذهب وسكان المغرب الكبير، تنقيح روبين هاليت، ترجمة الهادي أبو لقمة، ومحمد عزيز، ط 2؛ منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، 1988، ص: 215.

3-      القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، نسخة مصورة عن المطبعة الأميرية، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، ج 5؛ القاهرة دون تاريخ، ص 289.

4-      نفسه، ص: 290.

5-      نفسه، ن، ص.

6-      "تمتد حدود إمبراطورية مالي لتشمل المناطق الواقعة بين الحوض الأعلى للنيجر وتمتد غربا حتى المحيط الأطلسي وتحد شمالا بالصحراء الكبرى وفي الجنوب بحوض كامبيا. فضمت بذلك كل المناطق المهمة في استخراج الذهب".

* حسن حافظي علوي، سجلماسة وإقليمها في القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي، مطبعة الفضالة، 1977، ص: 415.

7- الإدريسي، م.س، ص: 23/حسن حافظي علوي، م.س، ص: 394

8- الإدريسي، م.س، ص: 23.

9-      نفسه، ص: 24.

10-بوفيل،م .س، ص: 215.

11- نفسه، ص: 218.

12- نفسه، ص: 215.

13- نفسه، ص ص، 212-213.

* يقول ماك كول على: أن الأبحاث الأركيولوجية والتفاسير العلمية، التاريخية مضطربة، حول تحديد ما إذا كانت قومبي صلاح هو موقع مملكة غانا القديمة أم لا: إنهم " لا زالوا لم يحرزوا على شيئ لما قبل الإسلام"

* الروايات التاريخية عن تأسيس سجلماسة وغانا عرض وتحليل، تعريب وتعليق محمد الحمداوي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1395هـ، ص: 66.

* ويقول عن غانا، على أنها استفادت من الخيرات التي وبدت بها باطنيا، خصوصا الذهب الذي يستخرج بكثرة، وبه قوت نفسها طيلة العصر الوسيط،أيضا علاقتها بشريكتها سجلماسة،نفسه،ص:62.

-ويقول عنها ناعمي مصطفى أي(غانا) ، أنها اكتست أهمية كبرى بفضل تواجد الذهب ومناجمه على مسافات قريبة منها ،وهي منطقة بارزة لأنها تراقب مختلف المسالك البرية القريبة منها القريبة من الصحراء .

        * تاريخ العلاقات التجارية والسياسية ،مطابع عكاض ، الرباط 1988، ص :53.

               - للمزيد من الاطلاع ينظر القلقشندي ،م س،ص: 284.

14- الادريسي، م س، ص ص: 24-25.

15- بوفيل، م س، ص:211.

16- الادريسي،م س،ص 18/القلقشندي،م س ،ص:164.

17- بوفيل ،م س ،ص:153.

18- أبي عبيد البكري، المسالك والممالك حققه و قدم له ، أندريان فان ليوفن ، و أندري فيري ،ج2؛دار الغرب الإسلامي، لبنان 1992، ص 849/ *الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، ط 2، مكتبة لبنان، بيروت، 1984، ص: 64.

19- بوفيل، م س، ص: 209.

20- نفسه، ص: 131.

* سجلماسة "مدينة عظيمة إسلامية، بينها وبين البحر الرومي خمس عشرة مرحلة وليس قبليها وغربيها عمران، وبينها وبين غانا من بلاد السودان مسيرة شهرين في رمال وجبال قليلة المياه لا يدخلها إلا الإبل المصبرة على العطش، اختطها يزيد بن الأسود وقيل مدرار بن عبد الله"

* القلقشندي، م س، ص: 168.

- "مدينة سجلماسة بنيت سنة أربعين ومائة، وبعمارتها خلت مدينة تدغة وبينهما يومان وبعمارتها خلت زيز أيضا ومدينة سجلماسة مدينة سهلية أرضها بسبخة، حولها أرباض كثيرة ودور رفيعة".

* أبي عبيد البكري، م س، ص: 835.

* مصطفى ناعمي، م س، ص: 47.

21- الإدريسي، م س، ص: 25.

22- نفسه، ن.ص.

23- القلقشندي، م س، ص: 286.

24- بوفيل، م س، ص: 226.

25- نفسه، ص:189.

26- حسن حافظي علوي، م س، ص: 380.

     "والملح معدوم في داخل بلاد السودان فمن الناس من يغدو ويصل به إلى أناس منهم يبذلون نظير كل صبرة ملح مثله من الذهب"       القلقشندي، م س، ص: 291.

27- الإدريسي، م س، ص: 17.

28- عز الدين عمر موسى، النشاط الاقتصادي بالغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري، ط 2؛ دار الغرب الإسلامي، بيروت 2003، ص: 249.

29- ماجدة كريمي، تجارة القوافل، آثار وبصمات على تاريخ دول المغرب الوسيط، ط 1، دار النشر الجسور، وجدة 1996، ص: 35.

إرسال تعليق

 
Top