في
القرون المتأخرة خصوصا مع الدولة السعدية و ما بعدها شهدت منطقة طاطا ظهور مدارس
علمية انتشرت في مختلف أرجائها ، وقد ظهرت في تمنارت ،أقا،إيمي نتنالت ، إسافن و
أكادير الهناء.و قد ساهمت هذه المدارس في نشر العلم في هذه المناطق.
المدرسة
الهنائية أو مدرسة أكادير الهناء ، هي نموذج لهذا النوع من المدارس. و هي تقع في
منطقة أفرا و بالضبط في بلدة أكادير
الهناء على الضفة الغربية لوادي طاطا ، على بعد أربع كيلومترات من مركز طاطا في اتجاه الشمال الغربي.و قد تحدث
المختار السوسي في كتابه خلال جزولة عن طاطا و اكادير الهناء قائلا : و مكان طاطا
بسيط في أسافله ، انتشرت هناك قرى،و كل قرية بعينها و نخيلها ، و أكبر هذه القرى
أكادير الهناء ،ثم أكجكال ثم أديس ، ولا مدرسة قديمة في كل طاطا إلا في اكادير
الهناء،حيث يدرس العلم في اواخر القرن الثاني عشر....
في
القدم كان السكان يعيشون في منطقة تسمى مركوس على ضفة الوادي أي في الواجهة
الامامية لحصن الهناء الذي شيدت عليه المدرسة ، و كان هذا الجبل مصدر الناس من
الحطب .و تروي بعض المصادر الشفوية أن شخصا من البلدة ذهب ليحتطب من هذا الجبل
فسمع قراءة القرآن في موضع المدرسة قبل بنائها فاخبر ناس قبيلته المعروفة بتاسوسخت
و الممتدة آنذك من اكادير الهناء إلى تيكيسلت ،و طرحو هم بدورهم الامر على السيد
علي بن يوسف الناصري شيخ زاوية الخميس الطاطائي باعتباره مرجع أهل المنطقة،حيث
كانوا يشاورونه في اموردينهم و دنياهم،فامرهم بالسكن في جبل تازمكة في أول المائة
الثالثة عشرة بعد الألف بعد أن غمرتهم
مياه الفيضانات ،و بعدما بنيت فيه المدرسة ، أطلقو عليه اسم حصن الهناء.
قلة
المصادر و المراجع المكتوبة ،يجعل تحديد تاريخ تأسيس المدرسة الهنائية امرا صعبا
،فأكثر من كتب على هذه المدرسة هو المختار السوسي و هو من زودنا بأكثر المعلومات
عنها.و يرجح المؤرخ الحسين وكاك في كتابه دور الحديث في العالم الإسلامي ، أن يكون
تأسيس هذه المدرسة في عام 1211 هجرية أي قبل تاريخ إعمار اكادير الهناء ،و كان
الهدف من تاسيسها هو نشر العلم و المعرفة بهذه المنطقة. و جاء في كتاب المعسول
للمختار السوسي أن اول من رفع راية التدريس في هذه المدرسة هو سيدي أمحمد بن احمد
الأعرج و قد تولى التعليم في المدرسة و له الفضل الكبير في نزول المدرسة بحصن
الهناء بعدما تكلفت القبيلة من تيكان إلى أفرا على جمع ثلث العشر لمؤونة الطلبة،و
قد توفي هذا الشيخ الجليل ما بين 1215 و 1220 هجرية.و اخذ مكانه اخوه الفقيه محمد
بن أحمد الأعرج و هو مؤسس زاوية أيت حساين و تعتبر هذه الأسرة آل حسين من الاسر المرموقة التي حملت مشعل العلم بالمنطقة و قد
أنجبت شخصيات ساهمت في ذيع صيت هذه الأسرة و قد قال عنها المختار السوسي في
المعسول : هذا البيت المجيد المعروف بأيت حساين الطاطئيين رجال عظام نفعو تلك
المنطقة بعلمهم و بإرشاداتهم ، وفيهم خلف صالح مشى عن طريق ذلك السلف ما شاء الله.و
كانت وفاته عام 1251 هجرية.و اخذ المشعل بعده
سيدي الحسن بن الطيفور الذي كان تلميذ للشيخ سيدي محمد بن أحمد الاعرج.و
جاء بعده كل من سيدي امحمد بن محمد بن احمد الاعرج ،سيدي عبد الرحمان بن محمد
،سيدي احمد بن محمد بن أحمد الاعرج،سيدي المدني بن امحمد بن محمد بن احمد الاعرج
،سيدي محمد بن عبد الرحمان من بني واد الرحمان ، سيدي ابراهيم بن محمد بن احمد الأعرج
و هو آخر فقهاء زاوية أيت حساين.أخذ عنه تلميذه سيدي أحمد بن عبد الرحمان بن محمد
نيت اوبلا ثم سيدي الحسن بن أحمد بن المدني من بني حسين.و بعد مغادرة الفقهاء
السالف ذكرهم للمدرسة ،بقيت فارغة فجاء الفقيه بلقاسم القاسمي ، فحاول أن يرجع
الهيبة إلى هذه المدرسة و تولى التعليم و الإمامة و حج بعض الطلبة إليها،لكن بعد
مرور ست سنوات غادرها.
بعده
جاء سيدي الحسين المجاطي لكنه لم يمكث سوى سنة واحدة و لم يفلح في مهمته لضعف
الموارد ليعوضه إبن اكادير الهناء السيد عبد الله بن أحمد اوبلا منذ 1990 إلى أن
جاء مؤخرا الشيخ الحسن كنان الإفراني و كان له الدور الكبير في عودة الروح إلى هذه
المدرسة ،فعادت كسابق عهدها و تقاطر عليها الطلبة من كل مكان.
هدف
هذه المدرسة هو نشر العلم ، فبالإضافة إلى تحفيظ القرآن الذي هو من بين اولوياتها
،فهي أيضا تدرس العلوم الشرعية :متن ابن عشير ،مختصر جليل و شروحه، و العلوم
اللغوية :متن الأجرومية و ألفية ابن مالك...و قد تخرج منها عدد كبير من الطلبة
سواء من أبناء البلدة او من خارجها و أصبحوا الآن شيوخا و فقهاء.
المدرسة
الهنائية حديثا
و
منذ سنة 2006 ميلادية ،تغير الشكل التنظيمي و التعليمي لهذه المدرسة ،و انضافت
إليه بعض التحسينات في نظامها و مقررها التربوي ، خصوصا انها الآن أصبحت تابعة
لوزارة الاوقاف و الشؤون الإسلامية..فقد تم إدخال بعض المواد التي تدرس في التعليم
العمومي لوزارة التربية الوطنية إلى نظام التعليم العتيق ، فأصبحت تدرس اللغة
الفرنسية و الإنجليزية والتربية الأسرية الرياضيات إضافة إلى علوم الحياة و الارض
و الإعلاميات. بدورها حافظت على النظام القديم الذي يهدف إلى تدريس القرآن و
العلوم الشرعية و اللغوية و لم يلحقها أي تغيير.
و
يسهر على تدريس الطلبة مجموعة من الأطر موزعين بين الإبتدائي و الإعدادي و الثانوي
و عددهم ثمانية أساتذة موزعين كل حسب تخصصه. و تبلغ الطاقة الإستيعابية لهذه
المدرسة 95 طالب.و عدد الطلاب المسجلين خلال هذه السنة بلغ أزيد من 80 طالب موزعين على المستويات الثلاث.و لولوج
المستوى الإعدادي يشترط على المترشح أن يكون حافظا لكتاب الله تعالى كاملا. و تسهر
لجنة من وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية على اختبار المستوى و توزيع كل طالب حسب
مستواه و ذلك في شهر شتنبر من كل سنة.و في حالة عدم حفظ المترشح للقرآن الكريم ،
فإنه يلحق بالمستوى الإبتدائي و موازاة مع ذلك يقوم بحفظ القرآن. و اصبح الآن من
الممكن الحصول على شهادة الباكالوريا من التعليم العتيق ، و اول فوج سيتحصل عليها
سيكون في موسم 2013 -2014 .
و
يوجد في هذ المدرسة مشرف أو مدير ، و حارس عام و طباخ و عامل نظافة . و من المرافق
التي تحتوي عليها نجد الإدارة ،مجلس لتحفيظ القرآن الكريم و العلوم الشرعية ،مجلس الإجتماعات و استقبال
الزوار. مكتب الحراسة ، الخزانة ، قاعة المطالعة ،قاعة الإعلاميات ، قاعة الأكل ،
47 غرفة للنوم ، المرافق الصحية و المخزن.
و
يرجع الفضل الكبير في عودة الروح لهذه المدرسة و ازدهارها من جديد إلى جمعية البر
و اعضائها الشرفاء و الغيورون على بلدتهم.وقد فوضت لهم امور تسيير المدرسة العتيقة
،و قد وضعت من بين أهدافها تنمية موارد و مداخيل المدرسة و استصلاح أملاكها وتطوير
أساليب التمويل، و قد نجحوا في ذلك و اعادوا ترميم المدرسة و مسجدها.
و
تمويل المدرسة قديما كان يعتمد على ثلث العشر المؤونة التي تقدم للطالب من طرف
القبيلة ، و المحاصيل الزراعية التي يدفعها السكان كل سنة للمدرسة.فضلا عن ذلك
فالمدرسة تملك بعض العقار المحبس و مايكفيه من الماء ، وقد كانت الأسر الهنائية
تتصدق على المدرسة من املاكها.
أما
إعداد الوجبات للطلبة فكانت الاسر الهنائية هي التي تقوم بذلك ،ففي كل يوم يخرج
صاع من الحبوب من هري المدرسة و يذهب به احد الطلاب إلى أسرة من اسر أكادير الهناء
، ويعتبر ذلك إشعارا لتلك الأسرة لإعداد وجبة الطلبة ،و يتم اختيار الاسرة التي
ستعد الوجبة بناءا على نظام محدد و تسمى هذه العملية ب تزلافت نطلبة.
أما
الآن و بعد تخلي القبيلة عن عاداتها ،أصبحت المدرسة تتوفر على مطبخ خاص يحضر وجبات
الطلبة على مدار السنة .أما القبيلة فهم يقومون ببعض المآدب للطلبة من حين لآخر خصوصا فيما يسمى بالسلكة في
المناسبات الدينية .
رغم كل الصعوبات التي واجهت
المدرسة الهنائية ،إلا أنها استطاعت أن تزدهر من جديد و تجلب الطلاب من كل مكان ،
إلا أنه من المؤسف أن يكون أكادير الهناء يتوفر غلى مثل هذا النوع من المدارس و لا
نجد فيها و لو طالب من أبناء البلدة و المناطق المجاورة يدرس في هده المدرسة،رغم
أن الأجيال السايفة جل من تحرج منها هم من أبناء المنطقة,