على الرغم من المحاولات العديدة التي عملت على تقنين
قواعد فهرسة المخطوطات ورسم مناهجها، فإن الصورة النهائية لهذه العملية لم تتحدد
حتى الآن في أذهان الممارسين لها في جميع الجهات. ولم تكن المشكلة وليدة اليوم، بل
هي قديمة قدم الفهرسة ذاتها. وإذا استعرض الباحث في هذا المجال الفهارس التي عملت
على توصيف المخطوطات بدءا بما بقي من شذرات فهرس الشاعر اليوناني كاليماخوس (Callimacus)(1) لمخطوطات
مكتبة الإسكندرية مرورا بما وضعه الغربيون من فهارس لمخطوطاتهم(2) إلى الفهارس
الحديثة التي وضعت للتراث العربي المخطوط، فإنه يلاحظ خلوها من أية أسس موحدة،
وبالتالي فإنها تختلف اختلافا بينا في المنهج المتبع في
أساليب وصف المخطوطات. لم يقتصر الأمر إذن على التراث العربي، بل يشمل المخطوطات في جميع اللغات وفي مختلف العصور والأزمان.
أساليب وصف المخطوطات. لم يقتصر الأمر إذن على التراث العربي، بل يشمل المخطوطات في جميع اللغات وفي مختلف العصور والأزمان.
فهل يرجع السبب في ذلك إلى عدم تحديد
الفهرسة تحديدا علميا من شأنه أن يوحد هذه العملية في جميع الجهات وفي مختلف
اللغات؟ تكاد كل التحديدات تتفق على أن الفهرسة تهدف إلى الضبط الببليوغرافي
للمخطوطات وتوثيق وجودها والتعريف بها للمهتمين من القراء والباحثين. ولكن ما حدود
هذا التعريف؟ وما مواصفاته؟ وما البيانات المختلفة والضرورية التي يجب أن نقف
عندها ولا نتجاوزها في توصيفنا للمخطوطة؟ وما الطرق الكيفية التي يمكن المفهرسَ أن
يعالج بها مخطوطته في عملية الفهرسة؟ أعتقد أن هذا لا يمكن أن يتم إلا إذا حاولنا
أن نحدد الفهرسة تحديدا كوديكولوجيا، أي أن نبرز الحدود التي تفصل بين خصائص
الفهرسة ومهام علم المخطوطات.
اختلف علماء الغرب في تحديد الفهرسة
بالنسبة لعلم المخطوطات أو الكوديكولوجيا. فمنهم من جعلها عنصرا من عناصر هذا
العلم(3)، ومنهم من اعتبرها فنا قائمة بذاته
يتداخل ويتكامل مع علم المخطوطات. والحقيقة أن كثيرا من العناصر اللازمة لتوصيف
المخطوط قد يشترك في الاهتمام بها كل من الكوديكولوجي والمفهرس يعمل كلاهما على
التعريف بالمخطوط أو دراسته باعتباره قطعة مادية(4). ومن بين هذه
العناصر قضية مصدر المخطوط التي يتكلف المفهرس بالبحث فيها كأن يقول مثلا:
"جاء هذا الكتاب من خزانة كذا أو كان محفوظا في مسجد أو زاوية معينة"
"جاء به وجيه من مجموعة وجيه آخر" على غرار ما نجد في مختلف الفهارس(5). فهذه ليست
مهمة المفهرس بقدر ما هي مهمة الكوديكولوجي الذي يدخل في اختصاصه البحث عن مصادر
المخطوط ورحلاته بين الخزائن والمكتبات عبر العصور، وذلك
ليدرس مجالات أخرى كتاريخ الخزانات
وتاريخ المخطوطات. وهي كما نعلم من أخص
عناصر علم المخطوطات الحديث.
وقد أوصى رمضان شش التركي في أحد
أبحاثه بإعطاء لمحة عن تاريخ المكتبات التي مر منها المخطوط أثناء فهرسته، وهو -
كما نلاحظ - تجاوز صريح المجال الكوديكولوجي من طرف المفهرس(6) .
وقد يعمل الرجلان على تأريخ المخطوط
غير المؤرخ. فالمفهرس يؤرخه بالتقريب، اعتمادا على الحدس والتخمين والتجربة
الشخصية في مجال الفهرسة. ولا ينكر أحد الجهود التي بذلها علماؤنا الأجلاء في هذا
المجال(7).غير أنه قد يصيب كما أنه قد يخطئ. ولا مجال هنا للتعرض للأخطاء التي
وقع فيها كثير من المفهرسين في هذا الميدان. أما عالم المخطوطات، فإنه، بالإضافة
إلى كفاءته وتجربته الفردية، يستعمل لتأريخ المخطوط غير المؤرخ مجموعة من الأدوات
التقنية والعلمية استعيرت من النظريات الفيزيائية والكيماوية أتاحتها البحوث
العلمية الحديثة(8) .
أما إذا كان المخطوط مؤرخا، فالمفهرس
يحتفظ بالتاريخ المذكور في الكولوفون (Colophon)
أو حرد المتن؛ ولكن عالم المخطوطات يبحثه بحثا كوديكولوجيا ليتأكد من صحته. فقد
يدرس الورق ليتحقق من عمر المخطوط، ولم يكن دائما قدم الورق دليلا على قدم المخطوط
في الزمن. وقصة ابن البواب الذي أكمل الجزء الثلاثين من قرآن ابن مقلة في ورق شبيه
بورق ابن مقلة أكبر دليل على ذلك(9). ويعلم
المختصون كم هي كثيرة تلكم المخطوطات التي يحتفظ الناسخ في نسخته بتاريخ النسخة
المنسوخ منها. وقد يقصد الناسخ إلى ذلك قصدا، وقد يكون منه سهوا. وللتأكد من تاريخ
المخطوط أهميتان أساسيتان للفيلولوجيين ولعلماء المخطوطات: أولاهما تعطي المقومات
الأساسية لتاريخ النصوص، وهو الأساس لما نسميه نحن العرب بالتحقيق العلمي؛
وثانيتهما تساعد على تقدم الدراسات المتعلقة بالبالوغرافيا أو علم الخطوط القديمة(10) .
ومن البيانات التي يشترك فيها المفهرس
والكوديكولوجي وصف نوع الورق أو الجلد أو الطرس الذي كان المادة التي تم نسخ
المخطوط عليها. ويقضي بعض المفهرسين وقتا طويلا في وصف المادة التي هي وعاء
المخطوط باحثا عن نوعيتها ومصدرها، كأن يقول إذا كان المخطوط مكتوبا على الورق:
وهو ورق عربي، أو أوربي إذا كان يحمل علامة (Filigrane)
(11)؛ وإذا كان
مكتوبا على الرق يقول: هو رق غزال أو
جلد أو غير ذلك. أما إذا كانت المادة المستعملة للكتابة طرسا(12) (Palimpseste)،
وهو الجلد الذي يكتب عليه ثم يمحى ويكتب عليه من جديد - وهذه الظاهرة عرفتها النساخة
العربية في فترات تاريخية مختلفة -، فإن المفهرس يكتفي بكلمة "رق" أو
"جلد" لنعت مادة الكتابة، لأنه لا يملك من الإمكانات العلمية ما يؤهله
لتمييزه من الجلد الخام. إن الإسهاب في وصف مادة الكتابة من ورق وجلد وطرس هو من
مهام عالم المخطوطات الذي يبحث فيها لتحقيق غايات أخرى يهدف إليها من خلال دراسته
للمخطوط دراسة كوديكولوجية.
فالبحث في نوع الورق(13) وفي مصدره وفي
أماكن صنعه يهدف منه عالم المخطوطات إلى إبراز مظاهر التطور التي عرفتها هذه
المادة عبر التاريخ منذ أن كان مادة عربية تصدر إلى أوربا حتى صار مادة أوربية
تصدر إلى البلاد العربية والإسلامية(14) . ويهدف من
البحث في نوع الجلد الذي يمكن أن يكون خاما أو مدبوغا أو مصنعا أو ورقا (Parcheminn)
أو طرسا (Palimpseste)
إلى رصد التطور الذي عرفته كذلك هذه
الأداة من جهة، ثم إلى التنافس الذي عرفته المادتان معا - الورق والجلد(15) - باعتبارهما
أداتين أساسيتين للكتابة العربية من جهة أخرى.
وقد دأبت بعض فهارس المستشرقين على
الإسهاب في وصف مادة الكتابة وصفا يكاد يخترق به مجال عالم المخطوطات. وقد يلاحظ
هذا بالخصوص في توصيف الجلد الذي كان أداة للتجليد أو التسفير.
إن بعض الفهارس وكذلك بعض البطاقات
التي اقترحها مكتبيُّن وعلماء لفهرسة المخطوط العربي تلح على الإشارة إلى مكان نسخ
المخطوط مع ذكر اسم الناسخ إن ذكرا في حرد المتن أو الكولوفون. وذكر الناسخ أساسي
في التعريف بالمخطوط. وقد تحدد قيمة الكتاب بحسب ناسخه. فالمخطوطة نسخة أصلية إذا
كانت بخط مؤلفها، وهي مهمة إذا كانت بخط أحد العلماء المشهورين أو الخطاطين
المعروفين. وإذا كان من مهام المفهرس الاكتفاء بذكر اسم الناسخ، فإن مهمة عالم
المخطوطات استغلال وجود هذا الاسم لتحديد نوع النسخة - أصلية كانت أو عادية -،
ولإبراز رسم الخط(16). كما يساعد البحث في هذا الموضوع على
دراسة مسألة النساخة والنساخ بوجه عام في التراث العربي، وهي قضية من قضايا علم
المخطوطات التي لم تحظ بعناية الباحثين حتى اليوم. وكم هي كثيرة المشاكل التي شوهت
تشويها كبيرا نصوص
هذا التراث بسبب أيدي الناسخ الذي يجب
تخصيصهم بكشافات(17) وأدلة
ومونوغرافيات تساعد على القيام بالبحث في حيواتهم وسلوكهم ثم إخضاعهم لعملية الجرح
والتعديل التي خضع لها رواة الحديث وخضع لها حتى الرواة من علماء اللغة والأدب.
وقد يسفر مثل هذا البحث عن نتائج إيجابية تستفيد منها الكثير نصوص التراث العربي.
أما مكان نسخ المخطوط الذي نجده في
كثير من الفهارس، فهو ليس مهما للمفهرس بقدر ما هو أساسي للباحث في علم المخطوطات.
إن الإشارة إلى مراكز النسخ في خواتم المخطوطات قد تؤدي خدمة كبرى للكوديكولوجي:
إذ تساعده على استجلاء الكثير من الغوامض والإجابة عن كثير من الأسئلة العلمية
والتقنية المتعلقة بالمخطوط والتي لا تزال حتى اليوم تحير الباحثين في هذا المجال.
وأقتصر هنا على قضية الكراس أو الكراسة في التراث العربي المخطوط. يبدو - حسب
الكثير من المخطوطات - أن الكراسة لا تعدو عشر ورقات، وتكون الإشارة إليها بحرف
الكاف وقد تكون الإشارة بالكلمة بكاملها(18). وقد أكد
البحث في هذا المجال أن الكراسة(19) قد تكون إحدى
عشر ورقة، وقد تكون ثمانية(20) ، وقد تكون غير ذلك(21).
فهل يعني هذا أن عدد أوراق الكراسة
يختلف باختلاف مراكز التنسيخ أو أن هذا الاختلاف يرجع في أصله إلى أسباب أخرى
مجهولة لن يكشف عنها إلا البحث الكوديكولوجي للمجموعات الخطية المحفوظة في مختلف
الخزانات الدولية، بدءا بوضع قوائم خاصة
بالمخطوطات التي حظيت بذكر مركز النسخ ثم ترتيبها زمانيا ومكانيا؟
ومن البيانات التي تدخل في حقل الوصف
المادي للمخطوط بيان نوع الخط الذي كتبت به النسخة المفهرسة. يكتفي المفهرس بأن
الخط شرقي أو مغربي من دون أن يحدد نوعيته الشرقية أو المغربية(22). وقد توحي
المخطوطة المفهرسة بأنها كتبت بخطوط مختلفة، فيشير المفهرس في بيانه إلى هذا
الاختلاف من دون بذل أي محاولة لمعرفة سبب ذلك، مكتفيا بقوله إنها نسخت بأقلام
مختلفة. إن عالم المخطوطات يستطيع أن يثبت أنه ليس من الضرورة أن تكون المخطوطة قد
نسخها نساخ مختلفون، بل هي من خط ناسخ واحد نسخها في حالات نفسية مختلفة أو في
فترات زمنية متباعدة تغير معها خطه. وقد يستخلص هذا من دراسة مخطوطية معمقة لكل
أثر من آثار المؤلف. ولن يتأتى هذا البحث المفهرس العاجل المحاط بآلاف النسخ التي
تنتظر التعريف والفهرسة(23
وعلى الرغم من هذه الأكداس من
المخطوطات، فإن هذا المفهرس العابر قد يتوسع أحيانا في التفصيل؛ فيحاول المقارنة
أو المقابلة بين نسخ المخطوط المفهرس. يكتفي تارة بمقارنة الكتاب بما هو محفوظ من
نسخ أخرى بالخزانة المفهرسة ويتجاوزها تارة أخرى إلى مقابلة نسخته بما تيسر له
ووقف عليه من نسخ المخطوط المحفوظة في مكتبات أخرى(24)، مستعينا في
عمله هذا بالأدوات الببليوغرافية من كتب تراجم وأثبات وقوائم وفهارس مثل كتاب
"تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان(25) (Brokelman)
. وقد تدعو البيانات التوثيقية المفهرس إلى ما يسمى بالبيانات التلخيصية يعرف
خلالها بموضوع الكتاب وأفكاره وأبوابه وفصوله، فيتجاوز الملخص أحيانا مرحلة
التحليل الموجز للكتاب إلى مرحلة النقد وإبداء الرأي، فيصبح الفهرس ببليوغرافيا
نقدية. بل ربما تجاوز المفهرس كل هذه المراحل ليقوم بتاريخ للنص المفهرس، مقتحما
بذلك - دون أن يشعر - فضاء المختص في تاريخ النصوص أو مجال الكوديكولوجي الذي يعمل
على البحث على مختلف نسخ المخطوط للمقارنة بينها، ولدراستها دراسة مخطوطية علمية
يستفيد من نتائجها من تسميه بالمحقق.
رأينا - في ما سبق - بعض العناصر التي
تعتبر - في رأي العلماء - أساسية في عملية ما اصطلح عليه بالفهرسة، وأبرزنا
العلاقة التي تربط بين المفهرس والكوديكولوجي في معالجة كل منهما لهذه العناصر.
فهل نكتفي في فهرسة المخطوط بهذا الوصف المادي السريع الذي لا يشفي غليل الباحث
المدقق أو نرفع المخطوط للمختبر الذي كثيرا ما كانت نتائجه ونتائج الفهرسة العادية
على طرفي نقيض.
إذن هل هناك طريقة علمية وخطة عملية
يهتدي بها المفهرس في إطار علاقة الفهرسة بفضاء علم المخطوطات إلى النزوع إلى
المعالجة الكيفية لعناصر الفهرسة وتعميق البحث فيها؟ إن
علم المخطوطات لا يقبل البيانات
السطحية اليسيرة المكدسة في فهارس المخطوطات موجزة كانت أو مفصلة؛ إنه لا يستسيغ
الأحكام المبنية على الحدس والتخمين في حين يمكن إثباتها بوسائل علمية حديثة. إن
التداخل بين العلمين والتكامل لازب بينهما يدعوان إلى القيام بعمل مشترك قمين
بالكتاب المخطوط، وذلك في معهد علمي على غرار معهد البحث وتاريخ النصوص الذي
استحدث في باريز منذ الثلاثين من هذا القرن. هناك يمكن علمَ المخطوطات أن يتعامل
مع الفهرسة التقليدية تعامل القاضي مع المحجور عليه حتى يتبين رشده(26). ورشد الفهرسة
هو أن يؤكدها علم المخطوطات في بياناتها التاريخية والانتساخية والمادية وما إلى
ذلك من معلومات قمينة بتمييز مخطوطة عن أخرى. وإذا ما تم هذا في إطار المعهد
المقترح استحداثه وبآلات ووسائل علمية حديثة، انعدم السؤال الخالد المتعلق بقضية
الاختصار والتفصيل؛ ولم تعد تطرح هذه المسألة في الفهرسة، بقدر ما تطرح الطرق
الكيفية التي يعالج بها كل من المفهرس والكوديكولوجي مخطوطة معينة.
(1) كاليماخوس: شاعر يوناني في القرن الثالث
قبل الميلاد عينه البطالسة على رأس خزانة الإسكندرية. وقد وضع لها فهرسا مفصلا
بعنوان "قوائم جميع المؤلفات الهامة في الثقافة اليونانية وأسماء
مؤلفيها". يعتقد الأخصائيون أنه أول فهرس منهجي (Pinakes) وضع في التاريخ باعتبار
الطريقة العلمية التي لجأ إليها كاليماخوس في تقسيمه للمعرفة تقسيما علميا،
وتتصنيف الكتب حسب هذا التقسيم. واعتبره البعض نوعا من الفهارس الموحدة وضعه
كاليماخوس لجميع خزائن الإسكندرية. والححقيقة أن هذا الفهرس يمكن اعتباره تاريخا
للأدب اليوناني باعتبار التعاليق التي خصه بها أريستوفانيس البيزنطي أحد أمناء
مكتبة الإسكندرية بعد كاليماخوس. وقد احتفظ بشذرات من هذا الفهرس بخزائن المتحف
البريطاني بلندن.
(2) قد تجدر الإشارة إلى أن أول من اهتم بفهرسة
الأرصدة العربية المحفوظة في الخزانات الأوربية هم العرب المشارقة. كان بطرس دياب
الحلبي وباروت السوري ويوسف العسكري أول من فهرس مخطوطات المكتبة الوطنية الفرنسية
بباريز. كما كانت أسرة السماعنة المارونة مثل يوسف شمعون السمعاني وشقيقه عواد أول
من تصدى لفهرسة التراث العربي في مكتبات إيطاليا. وكذلك كان الأمر في إسبانيا: فإن
ميخائيل الغزيري اللبناني كان قد وضع أول فهرسة للمخطوطات العربية بخزانة الإسكوريال.
(4) طريقة الكوديكولوجي تشبه طريقة العالم
الأثري الذي يحاول إعادة بناء القطعة الأثرية المكتشفة. لهذا اقترح بعض علماء
الفيلولوجيا في فرنسا وفي بلجيكا عبارة "أثرية المخطوط"(L’Archéologie du manuscrit) للتعبير عن علم المخطوطات.
(5) ينظر "فهرس" المخطوطات العربية
المحفوظة في الخزانة الوطنية بباريز؟
(6) من الأمثلة على تتبع مصادر المخطوطات والبحث
في رحلاتها وتاريخها تلكم الأعمال التي خص بها العالم المعربي محمد المنوني النسخة
التي بقيت من مصاحف عثمان رضي الله عنه، حيث تتبعها منذ أن ذخلت المغرب في القرون
الإسلامية الأولى وانتقلت في بوت الملوك والسلاطين إلى أن ضاعت في البحر في القرن
الثامن الهججري على العهد المريني. وهي - حسب المختصين - آخر نسخة من نسخ القرآن
التي نسخها هذا الخليفة الراشدي.
(7) التملكات والسماعات والإجازات لها أهمية
بالغة لمن يأرخون للمخطوط العربي غير المؤرخ. وهي من الوسائل التي يعتمدها معظم
العاملين في مجال الفهرسة. فإنها تساعد على تحديد تاريخ المخطوط في حالة عدم
وجوده، وتكشف عن قيمته ومدى اهتمام الناس به في فترات معينة من التاريخ.
(8) يعمل الكوديكولوججي في مخبر الاِستفادة من
النظريات الفيزيائية والكيماوية كالتححليل الكيميائي للمداد والأوعية
والهولوغرافيا (Hologrphie) للمقارنة بين الخطوط والبتارديوغرافيا (Bétardiographie) لمعرفة علامات الكاغد (Filigranes) ، خصوصا إذا كان الكاغد
أوربيا؛ لأن الكاغد العربي لا يحمل هذه العلامات. والمعههد الوحيد في العالم الذي
تطبق فيه هذه الأشياء هو معهد البحث وتاريخ النصوص ( I.R.H.T) التابع
للمركز الوطني للبحث العلمي في باريز. يتكون هذا المعهد من شعب مختلفة، وهي الشعبة
الإغريقية والشعبة ==اللاتينية والشعبة العبرية والشعبة العرربية. بالإضافة إلى
هذه الأقسام، هناك قسم الكوديكولوجا. ينشر المعهد مجلة "تاريخ النصوص"،
وهي الدورية الدولية الوحيدة المتخصصة في تاريخ النصوص.
(9) انظر للمستشرق الدنمركي : يوهنس بدرسن (Johans
Pedersen) ،
الكتاب العربي، Book The Arabic)) ، الترجمة العربية صيد رغيبة، ص. 113. في الثلاثينيات عرض في
مكتبة القاهرة الكبرى ما يفترض أنه مخطوطة أصلية لابن ملة. وقد تبين فيما بعد أنها
كانت من أعمال خطاط حديث.
(10) لفظ باليوغرافيا (Paléographie) من وضع العالم والراهب البندكتي Bénédictin)
الفرنسي مونفكون (Montfaucon) (1741م). استعمله لأول مرة في اللغة الفرنسية
بهذا الشكل في إحذى رسائله المؤرخة بتاريخ 14 دجنبر 1708. درس هذا الراهب اللغة
الإغريقية واللغات الشرقية، وله كتاب في المنهجج بعنوان "علم الخطوط
الإغريقية القديمة" .(Paleographia graeca)
ويجب الإشارة إلى أن علم المخطوطات كان
يعتبر إلى وقت قريب جزءا من الباليوغرافيا أو علم الخطوط القديمة. وقد كان العلماء
الألمان يقولون: "الباليوغرافيا التطبيقية" أو "التاريخية" (Palaغgraphie)
للتعبير عن علم المخطوطات قبل أن يستعملوا لفظ هاند شغيفتن كونده (Handschriftenkunde) ، واحتفظوا بلفظ
"باليوغرافيا" لعلم الخطوط القديمة.
(11) يظهر هذا جليا في بعض الفهارس التي وضعها
المستشرقون للمخطوطات العربية المحفوظة في الخزانات الأوربية. فإنهم يصفون العلامة
ويحددون معالمها، كأن يقال مثلا: علامة على شكل رأس ثور أو شكل هلال. مثلا، انظر
فهرس باريز.
(12) الطرس: ج. طروس، وهي رقاق. وقد جاء ذكرها
هنا وهناك في النصوص الأدبية. أخبرنا ابن النديم في "الفهرست" بأن سلطات
بغداد اضطرت إلىى استخدام
الرقاق المستعملة لسنوات كثيرة ، لأن المكاتب سرقت ونهبت. ولما أصبح الكاغد يصنع
في بغداد على عهد الرشيد، أمر البرمكي
الكتاب ألا يكتبوا الرسائل الرسمية إلا على الورق، لأن الجلود تمحىى ويكتب فيها من
جديد. (انظر: بدرسن (Pedersen)، الكتاب العربي، التترجمة
العربية، ص. 81). ويقال كذلك "طلس": ج: أطلاس، وهي الصحيفة الممحوة، كما
يقال له: رق مبشور.
(13) في بعض النصوص القديمة كلمة "ورق"
لا تعني الكاغد (وهي كلمة صينية) بمعناه الحديث (Papier) ، بل يقصد بها أحيانا ورق البردي المصري (Papyrus). لهذا وجب الاحتياط وإمعان النظر عند قراءة
النصوص القديمة المتعلقة بالورقق.
(14) كان
الكاغد العربي يصدر إلى أوربا قبل أن تنشأ فيها مصانع لصنعه. وأكبر دليل على ذلك
احتفاظ اللغات الأوربية بكلمة "رزمة" العربية
التي هي خمسة كفوف؛ والكف يضم خمسا وعشرين صحيفة. يقال في اللغتين الإيطالية
والإسبانية Resma و ّرامّ (Rame) في
الفرنسية و "رايز" (في الأصل رز) في الألمانية، و"ريز" في
الدنماركية، و"ريم" طبعا في الإنجليزية. (انظر : بدرسن، الكتاب العربي، الترجمة العربية، ص. 92). وأصبح الكاغد
الأوربي يستورد إلى الدول العربية بدءا من القرن الثالث عشر الميلادي، خاصة من
مدينة البندقية الإيطالية التي كانت
مشهورة بمصانع الورق. وكان الورق المصنوع فيها يحمل علامة (Filigrane) غالبا ما تكون رمزا من رموز المسيحية. ولكن الورق الذي يصدر للبلاد الإسلامية يحمل
علامة ترمز إلى رمز من رموز الإسلام
كالهلال وغيره. أما الطروس أو
الطلوس، فهي ظاهرة قد عرفت في الغرب الإسلامي. عندما فتح العرب الأندلس وصقلية،
محوا الكتب اللاتينية واليونانية بعد ترجمتها
وكتبوا عليها ثانية. ولما خرد العرب من الأندلس، محا الإإفرنج كتب العرب وكتبوا
عليها مع أنهم في غنى عن ذلك لوجود ==الكاغد الذي نشره العرب في أوربا,. وفي القرن
الماضي، استخرج الأوربيون بوسائل كيماوية النصوص الغربية القديمة من الطروس العربية وبقيت الطلوس الإفرنجية محتفظة بسر الكتب
العربية المطلوسة.
(15) هناك نماذج من المخطوطات كتبت علىى الجلد
والورق معا. إن هذا التركيب المزدوجج يمثل التزامن الذي عرفته المادتان معا باعتبارهما
وعاء للكتابة العربية، كما يرمز إلى الانتقال التدريجي من الجلد إلى الورق.والمثال
على ذلك: المعجم اللاتيني - العربي المححفوظ بخزانة جامعة ليدن بهولندة تحت رقم
231 .OR صفحات الوقاية من الرق
وباقي صفحات المخطوط من الورق.
(16) يحاول بعض المفهرسين التمييز بين المداد
والحبر الذي نسخ به المخطوط، وهو كذلك تطاول على مهمة الكوديكولوجي الذي يحلل
المداد أو الحبر في المختبر محاطا بالآلت والتجهيزات اللازمة لهذا التحليل بهدف
الوصول إلى المواد التي تتركب منها هذه المادة وليتوصل إلى الأسباب التي دعت إلى
انطماس المداد أو إلى بقائه.
(17) هذا النوع من الكشافات قد يؤدي خدمة جليلة
للمهتمين بالتوثيق والتحقيق العلمي. كما يجب علينا في عالمنا العربي أن نضع
مونغرافيات للنساخ المشهورين مثل ابن مقلة وابن البواب والمستعصمي وسواهم من ألوف
النساخ الذين عرفتهم البلدان الإسلامية في مختلف العصور.
(18) وقد يكون الترقيم بالكراريس بالأرقام
الهندية، وقد يكون كتابة كأن يقول: سابع، ثامن أو سابعة، ثامنة مع الضمير الذي
يعود على الكراسة.
(19) لم يوجد حتى الآن تعريف نهائي متفق عليه
لكلمة كراسة التي استعملت في العربية منذ بداية حركة التأليف ةوالتي اعتبرها بعض
القدماء كتابا، واعتبرها البعض الآخر كتيبا. وقد تجدر الإإشارة إلى أن كثيرا من
مخطوطاتها العربية المحفوظة في الخزانات الأوربية كخزانة برلين بألمانيا قد أدى ترميمها إلى قص
الأوراق، مما أدى في غالب الأحيان إلىى تقزيم أو فقدان "كاف" الكراسة أو
الكلمة نفسها، لأنها لم تعد مهمة بعدما
عوضت بنوع آخر من الترقيم.
(20) سحر البلاغة وسر البراعة، للثعالبي المحفوظ
بمكتبة توبنجن(Tubingen) بألمانيا بخط مغربي نسخ عام 582هـ. كراسته ثمان ورقات. وهو مرقم
ترقيما هنديا.
(21) عثرت في أبحاثي الكوديكولوجية في ألمانيا عن
مجموعة من المخطوطات القديمة المرقمة حسب الكراريس، أن الكراسة لا تتجاوز فيها
ثمان ورقات كما كان عددها إحدى عشرة ورقة في مخطوطات أخرى. وقد أشار بدرسن (في
كتابه: الكتاب العربي، ص. 92 من الترجمة العربية) إلىى أن الكراسة ثمان صفائح مطوية
.وقد اعتبر أحد المحدثين وهو حسن حسني عبد الوهاب الكراسة عبارة عن كتيب حين قال في شأن كتاب "المختار من شعر
شعراء الأندلس" لابن الصيروفي 542هـ:
"يظهر أن أصل هذا الكتاب يخرج في ستة كراريس، أي نحو مائتي صحيفة. والصحيفة
هي الورقة" (انظر مقدمة الكتاب بقلم محققه هلال ناجي، ص. 11).
(22) الخط الشرقي أنواع والخط المغربي كذلك
أنواع: منه الأندلسي والتونسي والفاسي والبدوي وما إلى ذلك.
(23) أثبت علماء المخطوطات أن النساخ يملكون
أكثر من خط واحد بدليل أنهم يكتبون الشروح والهوامش بخط مغاير لخط النص، وأنهم يميلون
في بعض الأحيان إلى تقليد خط النسخة التي ينقلون منها أو ليكون خطهم قريبا من خط
النسخة الأم. وقد ثبت في التراث الأوربي المخطوط أن كثيرا من النصوص الدينية
المقدسة المنسوخة في القرن 12 و 13م تذكرنا من حيث الخط بمخطوطات القرن العاشر
الميلادي (انظر ألفونش دان (Dain) ، كتاب المخطوطات، ص. 31 (بالفرنسية). ومما يبرز
مهارة النساخ هو قدرتهم على تعويض ورقة أو جزء من أجزاء مخطوط ضاع مع الزمن بخط
الأوراق أو الأججزاء الأخرى نفسه، ولا أدل على ذلك من قصة ابن البواب الذي كلفه
بها الدولة حينما كان على رأس خزانته بشيراز بكتابة الجزء الذي ضاع من القرآنالذي
نسخه ابن مقلة في ثلاثين جزءا، فكتبه وقدمه للأمير مع باقي الأجزاء، ففحصها بدقة
دون أن يكتشف النسخة المكتوبة حديثا، فاحتفظ بها جميعا على أنها من أعمال ابن مقلة
(انظر: ياقوت الححموري، معجم الأدباء؛ وبدرسن، الكتاب العربي، ص. 113 من الترجمة
العربية).
(24) بعضهم - وهم كثير - يشير إلى طبعات الكتاب
إذا كان قد طبع، معتبرا الطبعة نسخة أخرى يستأنس بها في المقابلة أو المقارنة.
(25) كثير من الفهارس تشير إلى وجود الكتاب أو
عدم وجوده في كتاب بروكلمان (Gal)
. ولم تعد الإشارة إلى هذا الكتاب ضرورية، ما دامت الكتب التي يحصيها لا تتجاوز
العشرين ألف كتاب في حين يقدر تراثنا المخطوط بالملايين. من المستحب أن يستشار
الكتاب لا من طرف المفهرس، بل من طرف عالم النصوص الذي يكون بحاجة إلى النسخ
المتعددة للمخطوط الواححد. وقد أصبح الكتاب اليوم متجاوزا بحيث ترجع آخر طبعاته
إلى بداية الأرعينيات وقد صدرت منذ ذلك الوقت مئات الفهارس فهرست فيها آلاف
المخطوطات العربية المكتشفة.
(26) مدخل إلى الكوديكولوجيا، الترجمة العربية،
"المقدمة"، ص. 79، مرقون بكلية الآداب بالرباط.
إرسال تعليق