زار القطر التونسي الشقيق في العصور
الحديثة عدد من الرحالة المغاربة ودونوا معلومات هامة عن الأوضاع السياسية
والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وغيرها،ومن هؤلاء :
-علي التامكروتي
: التفحة المسكية في السفارة التركية ،عام997
-أحمد الصغير الدرعي: الرحلة الكبرى،
عام 119ه á
-أحمد بن عبد السلام الناصري :رحلة
الفاسي ،1121ه
-عمر بن الحسن الحجوي، زار تونس عام
1342ه
1-طبيعة البلاد التونسية :
"سافرنا إلى بنزرت وفيها
حقل ينفذ منه البحر إلى بحيرة هناك واسعة يدخل منها ماء البحر عند المد آخر النهار
إلى البحيرة ويخرج منها عند أول النهار ويسمونه الوادي اكتنفته الديار والبنيان
على عدوتيه فتدخل فيه السفن وتكون كأنها في داخل البلد بين الديار ويأمن أهلها
عليها ...
ثم سافرنا من تونس وجزنا على
رأس ادار ثم ارسينا بميناء سوسة وأقمنا مها يومين ...وعلى مقربة من صفاقس
جزيرة فيها رياضهم وأشجارهم وثمارهم وخيلهم يقطعون إليها بالصنادل والصنادل هي
المراكب الصغار التي تسع من العشرة إلى العشري في بحر قصير وقريب من الأرض لاتجري
فيه السفن الكبار وذلك من الأسباب التي منع الله بها بلادهم وبلاد جزيرتهم من
النصارى ... ثم توجهنا إلى قابس ...وساحل قابس مرسى للسفن من كل
مكان ...وقابس دمشق المغرب فبغابتها أشجار وجنات وكروم وزيتون كثير وبها نخيل ملتف
ورطب" (التامكروتي ص 45) .
أما الرحالة الآخرون فقد اجتازوا
المنطقة الوسطى من تونس مرورا بتوزر والسبخة الكبيرة إلى مدينة قابس :
"ما رأيت ببلاد الجزيرة أكثر من توزر مياهها غزيرة وجناتها كثيرة ينساب
فيها واد كبير" (الدرعي، ص 52).
"السبخة الكبيرة الهائلة
التي لم يسمع مثلها في الأرض في الطول والعرض والتي توجد بها آبار كثيرة الماء إلا
أنها لا تصلح إلا لضرورة شرب الدواب للملوحة مائه ومرارته" (الدرعي، ص100).
"وماء حامة قابس حار جدا
كأنها على النار ولا يستطيع الإنسان الجلوس فيه إلا تكلفا وكرها"(الدرعي،
ص119).
2-الأوضاع الاقتصادية :
من الجوانب التي أثارت اهتمام الرحالة
المغاربة عناية أهالي توزر بصفة خاصة الزراعة وطرق توزيع المياه للرعي
والسقي :"بعد اجتماع المياه بوضع يسمى وادي الجمال تنقسم على ستة جداول
ويتشعب من تلك الجداول سواقي لاتحصى كثرة تجري في قنوات مبنية من الصخر على قسمة
عادلة لايزيد بعضها على بعض شيئا كل ساقية سعة شبرين ويلزم كل من يسقي منها أربعة
أقراص مثقال في العام ،ويلزم من يسقي نهارا أربعة أسداس المثقال في العام ويعمد
الذي يكون له دور السقي إلى قادوس، والقادوس هي عبارة عن آنية تسع اللتر وبها ثقب
صغير بترك أو يعلق والماء ينبع فيه وخلال الربع ساعة يكون اللتر من الماء قد نفذ
ثم يملأ من جديد ،ويعتمد الذي يكون له دور السقي إلى سقي حائطه أو بستانه من تلك
الجداول ... وقد علموا أن سقي اليوم الكامل هو
قدما" (الناصري، ص 101).
وعن الإنتاج الفلاحي ذكر (الراعي، ص
119):
"ما رأيت كبلاد الجريد
نخلا بها من الثمار مالا يحصى عدده إلا الله يرد عليها من الأعراب الآلاف المتالفة
ويملأ كل واحد إبله بما شاء من الثمار وبهذه البلاد يرخص غالبا سعر السمن واللحم
وأما التمر فيها فرخيص جدا يكون كبلاد درعة" .
أما التجارة الداخلية فتعد توزر من
أهم مراكزها "وبموضع في توزر يعرف بباب المنشر ينشر التجار هناك من الثياب
الملونة والأمتعة الموشية ما يعمله على كبره فيتخيل لناظره أنه روض تفتحت أزهاره
" (الدرعي، ص 104).
أ- عامل الأمن "من
الألطاف الخفية أن جميع إيالة تونس في غاية ما يكون من الأمان من شر الغارات كما
هي عادة الأعراب ولايقدر أحد أن يمد يده جهارا على جهة بالتعدي خوفا من الفعل
الواصل إليهم من الولادة" (الدرعي، ص 54).
ب- نظام الجباية : "نزلنا
توزر ضحى يوم الأربعاء رابع شعبان عام 1121ه فوافينا بها أمير تونس رمضان
باي جاء لقبض الخراج الموظف على البلاد وأخبرني بعضهم أنهم يعطون ستة نواصر
على كل نخلة وأربعة على كل زيتونة وأخبرني آخر أن خراج الجريد من نفطة إلى قابس
خمسمائة ألف ريال بكل عام وخراج دربة وحدها ستون ألفا" (الدرعي، ص120) .
غير أن اضطراب الأمن والتعسف في
الجباية كثيرا ما تسبب في مضاعفات خطيرة :
"ذكر الدرعي أن جميع إيالة تونس
في غاية ما يكون من الأمن ... لعل ذلك اتفق في زمنه أما اليوم فقد عز الأمان وشنت
الغارات في كل مكان " (الناصري، ص 111).
وزاد من اضطراب الأوضاع تعسف بعض
الجباة:
"نزلنا توزر... فوافينا بها
رمضان باي جاء لقبض الخراج كما سنتهم قطعها الله من سنة ... لقد أضرجور بعض العمال
بهذه البلاد وشاع حتى كاد الخراب يستولي عليها الضعف أهاليها بالجبايات"
(الدرعي، ص 123).
وخراج جربة وحدها ستون ألفا ومؤونة
مائتي صاحب من القمح والأرز والسمن والزيت واللحم"(الدرعي، ص 54).
3- الناحية الأجتماعية:
أكد الرحالة المغاربة اتساع العمران
وتعدد مراكز التجمع البشري في السواحل التونسية وفي المناطق الداخلية من البلاد
وأبرزوا الكثير من الصفات المتميزة للشعب التونسي وبصفة خاصة حسن الاستقبال وكرم
الضيافة :
"تونس مدينة عظيمة آهلة دار علم
وعمل" التامكروتي، ص 34).
"والقيروان مدينة طيبة لم أر
بلدة أحسن منها ولا من أهلها بعد الحرمين الشريفين ذات بناء متقن و
أسواق...وهي من المدن التي لاينبغي أن
تهمل زيارتها ،ومن جملة مزاياها أنه لا يدخلها يهودي ولا غيره من الكفار ولا يخلو
أهلها من مكارم الأخلاق" الفاسي، ص 70).
أما مدينة توزر " فكثير من أهلها
يسكنون الغابة في مبان ضخمة حسنة بخلاف المباني داخل المدينة وليس بتوزر أحسن من
هذا المنظر" (الدرعي، ص104).
"دخلنا السبخة الكبيرة
الهائلة ونزلنا غرب زاوية الرمل وقبل هذه مررنا على أولاد الحاج فوجدناهم تعرضوا
للحجاج بخيامهم وسط الطريق وفرحوا بهم غاية الفرح وصبوا عليهم أودية من الأطعمة
واللبن تفصلا منهم وإحسانا ... وهؤلاء الناس لهم محبة تامة في الركب النبوي
يطعمونه كل ما مر بهم ولهم في ذلك أحباس فقد أدخلونا دارهم في جماعة وافدة من
الركب فأطعمونا قصعة كسكس ولحم ما رأيت في عمري أعظم منها وكأنها معدة لذلك
وأردفوها بفواكه من عنب وغيره" (الدرعي، ص. 154 ).
4-الحياة الفكرية :
حرص الرحالة المغاربة على زيارة المساجد
والزوايا التي توجد في المدن والمناطق التونسية التي مروا بها وسعوا إلى
الالتقاء بالعلماء والفقهاء وطلبة العلم والتباحث معهم في المجالات العلمية
المختلفة كما دونوا الكثير من المعلومات المتعلقة بالأماكن التي زاروها :
"تونس مدينة عظيمة آهلة
دار علم وعمل فيها مساجد عامرة بذكر الله... زرنا جامع الزيتونة وما أدراك
ما الجامع ،جامع عظيم البركة يعلوه نور ومهابة وانشرح من أثر من سلك من العلماء
والصالحين ينبسط فيه القلب وينشرح فيه الخاطر ولا يحب داخله أن يخرج منه . مرفوع
كله من أساطين وأعمدة من رخام ملون عديم النظير
بديع الصنعة مبني كله بحجر منحوت له صحن فسيح بديع الحسن بهيج المنظر وفيه
إمام خطيب هو محمد الأندلسي فقيه عليه سمة أهل الخير ووقار أهل العلم
يتعاطى دراسة فنون كثيرة من تفسير وفقه ونحو وبيان وغير ذلك" (التامكروتي، ص
54).
وفي سوسة (جامع مليح فسيح) وفي
المنستير "رباط منعزل لأهل العلم كهيئة المدرسة مثمن البناء فيه بيوت
للطلبة" (التامكروتي، ص 57).
أما مسجد القيروان الكبير فهو
في غاية الإتقان وعليه أثر الرحمة والبركة وله ثمان بلاطات في غاية الكير والضخامة
وسواريها كلها من رخام وصحنها مفروش بالرخام الأبيض وله صومعة أدراجها مفروشة
بالرخام يصعد إليها بمائة درجة وعشرين درجة، وبوسط بلاطها الأول عند المحراب
والمنبر موضع مقطوع عن المسجد وضعت في بعض الآلات الحربية من بقية آثار الصحابة
رضي الله عنهم أجمعين" (الفاسي ، ص 77).
"وتوزر الجديدة اليوم مدينة
كبيرة عامرة كل العمارة تحتوي على مساجد كثيرة تقام في الأربع منها الجمعة "
(الناصري، ص 105).
"من الذين اجتمعت بهم في توزر من
طلبة العلم الفقيه أبوعبد الله محمد بن أحمد بن منصور له دراية بالفقه والنحو أو
قفني على ما لديه من الكتب وطلب مني أن أجزيه بما لدي بعد أن أوقفني على مالديه من
الكتب وطلب مني أن أجيره بما لدي بعد أن أوقفني على إجازات لبعض من مر به من علماء
أهل فاس فأجبته ،وممن اجتمعت به في توزر قاضي البلد محمد بن عيد وكانت لي معه
معرفة أيام غربتي بفاس يجمعني وإياه درس شيخنا أبي عبد الله محمد ابن عبد الحي القاسي" (الدرعي، ص
105).
" ونقطة قريبة من توزر وهي
عامرة بها جامع ومساجد وحمامات وجميع أهلها شيعة وتسمى الكوفة
الصغرى" (الدرعي، ص 104).
من الصفات المتميزة للشعب التونسي
:أصالة التدين وحبهم للجهاد والتصدي لكل غزو خارجي، ومن شواهد الإثبات على ذلك
القلاع والحصون والرباطات الممتدة على طول السواحل الشمالية والشرقية التي أفسدت
على الغزاة النورمانديين والإسبان وغيرهم كل محاولة للغزو وبسط النفوذ.
* *
* *
في التاريخ الحديث زار العلامة عمر بن
الحسن الحجوي تونس عام 1923 ومما جاء في
مذكراته عن هذه الرحلة وخاصة في الجانب الثقافي :
"لما وصلت إلى تونس ... وجدت بها
ما ملأ قلبي سرورا من النظام بسبب المدرسين الذين كانوا تخرجوا من مدرسة خصوصية
أهلتهم لتربية الشبان ... وهي مع كثرتها ضاقت على أولادهم لأنهم عرفوا حلاوة
العلم "(ص 16).
ويضيف "من جملة ما يسر به كل
مسلم تنظيم الزيتونة وماأدراك ما الزيتونة
قد جمعت هذه الكلية ما يزيد عن
ألفي طالب وما يقرب من ثمانين مدرسا كلهم علماء جامعون بين العلوم الدينية
والإطلاع على الأحوال الوقتية ومحصلون على عدة علوم الأسلاف" (ص 18 ).
"وأما الفنون التي تدرس فهي
معينة على حسب المراتب وكذلك العلوم العصرية كعلم الحساب والجبر والجغرافية
والهيأة والفلك والتاريخ وغير ذلك، ومن جملة الأمور التي أعانت الزيتونة على الوصول
إلى هذه النتيجة هو إعطاء المدرسين المرتبات التي كفتهم مؤونة التخمين عن دقيق
العليا حالة الدرس واللحم حالة المطالعة " (ص 18).
ويضيف "ومما زادني طربا وابتهجت
به جوارحي احترام سادتنا العلماء عند جميع الأهالي على اختلاف طبقاتهم " (ص
20).
ومن الملاحظات التي سجلها الحجوي :
"ومما زاد في علو رتبه التونسيين انتشار الجرائد بين طبقات الأمة ... ومما
أخذ بلبي اعتناء متخرجي المدارس... بدروس الكليات في أوربا ... للتحصيل على
الشهادات العليا كشهادة الطب والهندسة وغيرها" ويختم مذكراته "لما أفاق
السادات التونسيون من غفلتهم القديمة لم يكتفوا بالمبادرة إلى تربية الأولاد بل
صاروا يطلبون الدواء حتى لمن اشتعل رأسه شيبا ولذلك نظموا دروسا ليلية للتعليم
" (ص 28).
المصادر :
- علي تامكروتي : النفحة المسكية
في السفارة التركية ، مخطوط بدار الوثائق التابعة للخزانة العامة بالرباط، ك
2829 .
-أحمد بن ناصر الدرعي : الرحلة
الكبرى، مخطوط بدار الوثائق بالرباط،
د 1291.
-محمد بن عبد السلام الناصري : الرحلة
الكبرى ،مخطوط بدار الوثائق بالرباط ، د 2651
-أحمد بن عبد القادر الفاسي : رحلة
الفاسي مخطوط بدار الوثائق بالرباط، ج 88
.
عمر بن الحسن الحجوي الفاسي :
مسامرة أخلاقية ، فاس ،مطبعة أندري ،1923.
إرسال تعليق