لا ريب أن
تاريخ الصحافة يعتبر من الدراسات المستجدة والمرتبطة بالحقبتين الحديثة والمعاصرة
التي لم تنل بعد كل ما تستحقه في البيبليوغرافيا العربية . فهذا الحقل ما زال في
أمس الحاجة إلى المزيد من
البحث والتنقيب وإسهاما متواضعا في ملء هذه الثغرة يسعدني أن أوافي مجلة التاريخ
العربي ببحوث ودراسات عن تاريخ الصحافة بالمغرب اعتمادا على تصفح مجلات وجرائد
نادرة واستنادا إلى وثائق غميسة استقيناها من دور الأرشيف المغربية والأجنبية .
المبحث الأول - المحزن الحسيني وظاهرة الصحافة
"أ. .. م إن الجوازيط (1) من باب حاطب ليل،
ومن محدثات الأمور التي لم يعهد مثلها. وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (...
أ"(2
إن هذا الحكم
الصارم في حق الصحافة قد صدر عن السلطان المولى الحسن سنة 1889، حسب ما أورده
وزيره المفضل غريط في رسالة وجهها إلى النائب المخزني بطنجة
الحاج محمد بن العربي الطريس . ولو أخذناه مجردا عن سياقه التاريخي لاستنتجنا منه
عن علاقات الخزن الحسنى بالصحافة خلا صات تتنافى تماما عما هو مشهود له به من سعى
حثيث إلى امتلاك أسباب الحداثة قصد مواجهة ما يتربص حينئذ ببلاد المغرب من تحديات
ومخاطر. لذا، وحتى نلم بصورة أصح عن علاقة الخزن الحسنى بظاهرة الصحافة، نقترح وضع
الحكم السالف الذكر في سياق معين سنحدده فيما يلي . لكن ، قبل ذلك ، وحتى تكون
نظرتنا شاملة، نذكر في عجالة ببعض المعالم التي تؤرخ لتعرف النخبة المغربية
المثقفة على الصحافة كإحدى مظاهر العالم الحديث والمعاصر. فأول مصدر مغربي أشار
إليها هو كتاب الغساني المعنون ب "رحلة الوزير في افتكاك الأسير)،، والذي
ألفه صاحبه في أواخر القرن السابع عشر عقب مهمة كلفه بها السلطان المولى إسماعيل
لدى الملك الإسباني كارلوس الثاني (1690-1691). فقد تحدث الغساني في مؤلفه عن
الجريدة بقوله : "ويسمونها الكاسيطة، فيطلع الإنسان منها على أخبار كثيرة،
إلا أن فيها من الزيادة والكذب ما تحمل عليه الشهوة الإنسانية،،(3).
وبعد هذه
الشهادة بما ينيف عن نصف قرن ، كتب محمد الصفار التطواني رحلته المشهورة إثر
زيارته لفرنسا 1845-1846(4). وفي هذه الرحلة نجد وصفا مهما لصحافة باريس ؟ ذلك أن
الكاتب يمدنا بمعلومات عن انتشارها، وعن كيفية الاشتراك فيها، وعن الإشهار فيها،
وعن القوانين المنظمة لها، وعن دورها كأداة للمعارضة السياسية .. . ليلاحظ في
الأخير أن القارئ الفرنسي متشبث بجريدته إلى ثم قام ذ. خالد
بن الصغير بتعريب هذا الكتاب ونشر النص العربي لم حلة في مؤلف صدر له عام 1995م ضمن
منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت عنوان : صدفة اللقاء مع
الجديد. رحلة الصفار إلى فرنسا، 1845-1846
درجة قد يستغني
فيها عن الأكل والشرب ، ولا يستغني عنها. ومما جاء تحت قلم الصفار في هذا الصدد :
"وبالجملة، فالكوازيط عندهم من أهم المهمات ، حتى أن أحدهم قد يصبر على الأكل
والشرب ولا يصبر على النظر في الكازيطة"(5). أما إدريس العمراوي ، الذي اطلع
على رحلة الطهطاوي المصري واستفاد منها، فقد أسهب أكثر من الغساني والصفار في وصف
الطباعة والصحافة والمكتبات التي استرعت انتباهه إبان سفارته إلى فرنسا في 1860.
ولم يتوقف العمراوي عند الوصف ، بل إن إعجابه بالمطبعة قد جعله يلتمس من سلطانه
سيدي محمد بن عبد الرحمن أن يزود المغرب ب "نعمة" الطباعة سيرا على سنة
بعض البلاد الإسلامية بالشرق (6). ولما تولى
المولى الحسن زمام الأمور عام 1873، كانت البلاد قد شهدت بعض التطورات التي لها
علاقة إما بالنشر عامة أو بالصحافة خاصة : - فالمدينتان المحتلتان سبتة ومليلية قد
شهدتا منذ العشرينيات من القرن التاسع عشر ميلاد جرائد باللغة الإسبانية مثل el-liberal
africano 1820، eco
constructional
(1822). ثم جاء دور تطو"ن في بداية الستينيات ، إذ صدرت بها el-eco de
tetuan (1860
) el-noticiero ( 1861
). وإذا كان من غير المؤكد أن لهذه الجرائد الإسبانية أي
تأثير مباشر على المغاربة فإن هؤلاء اقتبسوا كلمة geceta
جيرانهم الإسبان واستعملوها بصيغ عربية مختلفة (جزيطة، جوازيط ، كازيطة، كوازيط .
. .) للدلالة عن تلك الأوراق المخطوطة أو المطبوعة والتي يراد منها نشر الأخبار
على نطاق واسع . وقد استمر تداول هذا المصطلح في المراسلات المخزنية مدة طويلة حتى
حلت محله كلمتا (،الجريدة" و"الصحيفة" بفعل تأثير بعض المشارقة
المستقرين في المغرب والعاملين في حقل الصحافة(7).
أما
طنجة، فقد شهدت هى الأخرى محاولة لإنشاء صحافة سنة1870 بعد أن تم استقدام مطبعة من
الرابطة الإسرائيلية بباريس . غير أن الصحيفة (وربما كان اسمها La gazitte
de tanger ماتت في مهدها
نظرا للإجماع الحاصل في معارضتها من لدن الدوق إيمي داكان (Ayme Aquin ) (ممثل فرنسا) وجون دراموند هاي (john
drammond ) (مفوض
بريطانيا) والنائب المخزني محمد بركاش .
لم يكن الخزن الحسنى إذن يجهل كل شيء عن الصحافة
عندما تأسست خلال الثمانينات عدة جرائد أوروبية بطنجة(8). بل إنه كان في بداية
الأمر يأمل منها خيرا إذ أنها وسيلة قد تساهم في تفتح العقول وتقرب بين المغاربة
والأوروبيين القاطنين بطنجة. وتظهر هذه النية جلية في رسالة بعث بها بركا!ثر إلى
جون دراموند هاي بتاريخ 9 نونبر1884 حيث جاء فيها: "لم يتم ما كان يؤمل لأن
الجرائد المذكورين هكذا قد غيروا وبدلوا لسانهم عن الخير المأمول منهم إلى ما ينتج
الضرر. فعوض غرس المحبة بين الأهالي و"لأجناس ، صاروا يغيرون أفكارهم
ويشوشونها ويمسخونها إلى القبائح والتخويض ضد الحكومة،،(9).
أجل ، إن صحافة طنجة ، سيما )،Le reveil du
Maroc (يقظة المغرب )،
قد تجاوزت مهمتها الإخبارية لتتحول إلى أداة للتجاسر على الخزن ورجالاته . وكانت
ذرائعها في ذلك متعددة، فتارة تنتقد سلوكات الجهاز الحاكم في تصرفه الطيوقراطى،
وتارة أخرى تمتطي مبادئ إنسانية وإحسانية مزعومة لتندد بوضعية الرقيق أو المساجين
أو اليهود إلخ. وكلما حاولنا إماطة اللثام عن الدوافع الحقيقية الكامنة وراء تلك
التهجمات إلا وتبين أن البون شاسع بينها وبين المواضيع التي تتخذها مطية . فمثلا، فيما يتعلق بجريدة )+،79 لماه (أع 3 خ *ه ها
التي كان يديرها اليهودي المغربي ليفي كوهن (10)، يجب أن نعلم أنها كانت
ممولة بصفة غير مباشرة من طرف البنك الفرنسي ترانساطلانتيك Transatlantique الممثل في طنجة من طرف حاييم
بنشيمول ، أحد المقربين إلى Ladislas Ordega
وزير فرنسا بمدينة البوغاز بين دجنبر 1881 ودجنبر 1884. ومن جهة أخرى، كانت نفس
الجريدة تجد الدعم الكامل من لدن جل أعمال فرنسي هو الكونت دوشوقانيك
(Le conte de Chevagnac) الذي كان يحاول جادا، وبمختلف الضغوط ، أن ينتزع من الخزن حق استغلال بعض المناجم في الشمال المغربي.
(Le conte de Chevagnac) الذي كان يحاول جادا، وبمختلف الضغوط ، أن ينتزع من الخزن حق استغلال بعض المناجم في الشمال المغربي.
وطبعا، كلما
قاوم الخزن هذه التحولات أو تلك إلا وصبت الصحافة جام غضبها عليه منددة بسياسته
ومؤازرة المتمردين على سلطته . وقد بلغ السيل الزبى في ربيع 1884 عندما أسدلت
فرنسا حمايتها على الحاج عبد السلام ، شريف وزان (11). فقد انتهز Le Reveil du
Marocهذه الفرصة ليناصب السلطان المولى الحسن العداء الكبير.
وكانت خطورة هذه المواقف ، بالنسبة للمخزن ، تكس في كون الجريدة الطنجاوية تعتبر
مصدرا للمعلومات من لدن صحف أوروبية عديدة، بل ومن طرف وكالة هافاس نفسها الذي كان
ليفى كوهن مراسلا لها. وقد كان بعض رجالات النخبة المغربية على وعى بدور الصحافة
الأوربية في المس بسمعة
المغرب بالخارج . فهذا الحسين السملالي (المتوفى عام او،ا) يكتب .كاد ليفي كوهن في
الوقت داته تاحرا ومحاميا وصحفيا. وبهذه الصفة الأخيرة أشرف على (Le Reveil du
Maroc) وراسل عددا من
الصحف الأوروبية.
وتد وافت
المنية ليفي كوهن في لندن ، وهو في ربيع العمر، في نونبر1988( فلما وصل كتاب
الباشادور –
أوريكا- لهؤلاء الفرنسيين إ، فرحوا به وأمروا بتعليق الكوازيط ، وهى النفايل
المكتوب فيها ما أرادوا إعلام الكافة به ، كالبراح ينادي في الأسواق والازقة . ومن
جملة ما كتبوا في الكوازيط أنهم أدركوا ثلث المغرب لاعتقادهم أن هذا الوزاني يتبعه الناس ولو في الكفر، ولم يعلموا
أنه لا يسعده إلا خماميسه وعبيده )،(12).
ومن ثمة وجب
التحرك على أعلى المستويات بعد أن اقتصر الخزن إلى ذلك الحين على التدخل لدى
دراموند هاي بصفته عميد السلك الدبلوماسى ولأن كل مديري صحف طنجة في ذلك الوقت
يحملون الجنسية البريطانية . فكانت زيارة بركاش لباريس حيث تم لقاء، يوم 12 ماي
1884 مع جول فيري (Jules Ferry
)، وزير الخارجية ورئيس الوزراء في الحكومة الفرنسية.
خمسة أسابيع بعد هذا اللقاء، أرسل حول فيري برقية سرية إلى ممثله بطنجة يدعوه فيها
إلى ضرورة التخفيف من لهجة )، Le Réveil du Maroc
التي لم يعلم الجميع أنه هو مسيرها الحقيقي (13). كان لاحتجاجات المغاربة ولضغوط
القوى الأوروبية المنافسة لفرنسا، سيما بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، أثر في جعل
الحكومة الفرنسية تبتعد عن سياسة التصعيد التي كان يسلكها ممثلها بالمغرب . وهكذا، انتهت مأمورية أورديكا بطنجة في دجنبر 1884 ليحل
محله المستعرب ،Chqrles Feraud
الذي مثل بلاده بطرابلس الغرب قبل تعيينه بطنجة(14).
كان المخزن قد
بدأ مشاورات مع دراموند هاي رمى من خلالها إما إلى جعل الصحافة الطنجاوية تتخلى
نهائيا عن انتقاداتها الجارحة أو تيم
توقيفها كلية لأنها على كل حال لم تحصل أبدا على رخصة للصدور، كما أن البلاد تفتقر
إلى قانون ينظم نشاطها في حدود مقبولة. ولما لم تفض هذه المشاورات إلى ما كان يصبو
إليه المخزن،بعث الحاج محمد الطريس ، بتاريخ 20 يوليوز 1886 مذكرة إلى مختلف
المفوضيات الأجنبية بطنجة ليبلغها قراره بإلغاء الصحف الصادرة بالمدينة. وهذا نس
الرسالة(15) التي توصل بها الفرنسي شارل فيرو في الموضوع (16) : الحمد لله وحده
المحب العاقل المحترم اللبيب المنسطر المفوض بأكمل التفويض لدولة الفرنصيص
الفخيمة، مسي فيرو. لا زال السؤال عنك كثيرا محبة أن تكون بخير وعافية. وبعد فغير
خاف عنكم أن ليس لنا بإيالة مراكش شرع خاص بحكم المطبعة كما بغيرها من الدول .
وعلى فرض أنه لو كان عندنا كالغير فلا قدرة لنا إجرائه حيث أن من يباشر أمر الجوازيط هم من رعيات الأجناس ولا تجري عليهم
أحكام هذه الإيالة فيما يتعلق بخصوص أنفسهم كمثل هذه القضية. ولما رأينا فيما قبل
هذه المدة لعدي الجوازيط على بعض رعيات الأجناس وهتك أعراض بعض الناس خفنا أن يزيد
ذلك ويتفا حش إلى أن يصل الضرر إلى بعض النواب أنفسهم أو غيرهم من المتوظفين في
المخزانية الذي يجب علينا بمقتضى الشرطات توقيرهم وحفظهم من تعدي الغير. وعليه فمن
حيث لا قدرة لنا لمنع ذلك ، نطلب منكم إبطال الجوازيط التي تطبع بهذه الإيالة على
وجه البث وإلا-فها نحن نجدد الاسترعاء لئلا يطلب منا إجراء الشروط إن صدرت إذاية من الجوازيط لبعض النواب أو غيرهم من
المتوظفين في المخزانية. وعلى المحبة والسلام .
في 18 شوال عام 1303
محمد بن العربي
الطريس لطف الله به.
أثار قرار المخزن الحسني بمنع النشاط الصحافي
سخط مسئولي صحف تلك المدينة، فتكتلوا في نقابة نصبت نفسها للدفاع عن حرية الصحافة.
وطبعا، كان من متزعميها ليفي كوهن السابق الذكر والذي لم يهدأ يتجاسره على سلطات
البلاد بالرغم من النهج المعتدل الذي سلكه ممثل فرنسا الجديد : شارل فيرو. وأما
المفوضيات الأجنبية فقد اختلفت كلمتها في الموقف الواجب اتخاذه . فبعض النواب ، وهم الأغلبية، يرون أن صحافة طنجة استغلت استغلالا سيئا
جو الحرية السائد في مدينة البوغاز. بينما يرى البعض الآخر أن حرية الصحافة مبدأ
مقدس يجب عدم التفريط فيه بأي حال من الأحوال . ويرى الكاتب والصحفي اسحاق لاريدو (Issa Laredo) أن مفوضين
أجنبيين اثنين ، أغفل ذكر اسميهما واكتفى بنعتهما ب "عدوي النور"(17)،
حاربا بشكل عنيد حرية الصحافة. ولعل لاريدو يقصد كلا من شارل فيرو وجون دراموند
هاي ! فالنائبان عانيا كثير" من انتقادات صحافة طنجة إ. ولا يخفي شارل فيرو
في مراسلاته مع وزارة الخارجية
الفرنسية امتعاضه من هذه الصحافة التي يصفها ب"المنشقة والمرتشية)،(18). فعند
حلوله بطنجة بفهي السير على نهج سلفه أورديكا والاستمرار في تقديم منحة مالية
قدرها ألف فرنك إلى جريدة (Le Réveil du Maroc).
وفضلا عن ذلك ، فإنه عند زيارته للبلاط السلطاني في ماي / يونيو1885، لم يخف تعاطفه مع وجهة نظر السلطان متذمرا جدا من Le Réveil du
Maroc لكونه ينسخ
الأكاذيب ويتدخل في الشؤون المغربية الداخلية ويتجاسر على المخزن في كل المناسبات
(19 ).
بالرغم من الخلاف السائد بين النواب الأجانب حول
الموقف الواجب اتخاذه إزاء المبادرة المخزنية الرامية إلى منع الصحافة، فقد تم التوصل إلى حل وسط في
شكل نداء موجه إلى مسئولي الجرائد حتى يكفوا عن نشر المقالات الجارحة. وإذا كان
هؤلاء قد استجابوا لتوه لهذا النداء فعدلوا من لهجة "جوازيطهم " فإن هذا
الاعتدال لم يعمر طويلا إذ سرعان ما عادوا إلى سلوكاتهم السابقة عابثين بكرامة البلاد والعباد. وهذا ما جعل
الخزن يجدد طلبه في يناير 1887، لكن حظه لم يكن أوفر من المرة الأولى. وشيئا فشيئا
بدا للمخزن ألا مناص من التعامل مع هذه "البدعة"، بل وتسخيرها عند
الضرورة لما فيه مصلحة البلاد. فلهذا
كتب النائب الطريس ، سنة 1892، مقرا ألا جدوى من محاربة الصحافة في طنجة :إن
الجوازيط لها الحرية للكلام في أمور السياسة والمخزنية التي تعرض سائر الدول من
غير معارضة لها في ذلك . والكلام من نواب الدول في هذا الشأن لا يجدي
شيئا"(20).
وفضلا عن هذا التصريح الواضح ، فإن الخزن الحسنى،
الذي لم يحاول منع الصحافة إلا عندما تجاوزت الحدود المقبولة حتى من لدن النواب
الأجانب أنفسهم ، لم يغفل المكاسب التي يمكنه جنيها من الجرائد. ويظهر ذلك جليا
فيما يلي :
-أسس الخزن مصلحة مكلفة بتعريب وتتبع ما تكتبه
الصحافة في شأن المغرب . ونظرا للأهمية التي تكتسيها هذه المصلحة، فإنها تتنقل مع
السلطان في كل حركاته (21). –
كان المسؤولون
يطلعون باستمرار على ما يكتب عن المغرب في الصحف الصادرة في طنجة أو حتى في أقطار
نائية. فمن لندن كان التاجر اليهودي موسى أفلالو (Moussa
Aflalo) يبعث إلى
المخزن من حين إلى آخر بقصاصات مختلف الأخبار التي تنشرها الصحافة البريطانية عن
العالم الإسلامي . ومن الأستانة، وجه سليم فارس الشدياق ، مدير جريدة "الجو
ائب" العثمانية، مراسلة إلى مندوب المغرب في مؤتمر مدريد 1880 ضمنها نسخة من
جريدته وكذا طلبا بأن يمده بأخبار عن المؤتمر ينشرها لفائدة قرائه (22).
-
ربط المخزن علاقات طيبة مع دو كيرديك شينى (De
Keredec Chény) عندما تولى
هذا الصحفي الفرنسي إدارة (Le Réveil du Maroc). ومن الخدمات
التي أسداها للسلطات المغربية رده على مزاعم الجمعية البريطانية (Howard
Association) فيما يخص حالة
المساجين في المغرب (23).
ربط المخزن
علاقات طيبة مع الفقيه ميكن ،،(24) صاحب جريدتي (The Times of
Maroc) والمغرب (25)،
واتفق معه على التشهير بالتاجر المراكشي أبي بكر الغنجاوي الذي احتمى بالإنجليز
وأخذ يتطاول دون هوادة على سلطات بلاده .
- استعمال
المخزن للصحافة اللندنية The Times
إبان الثمانينات من القرن التاسع عشر كأداة دعاية لإحباط مشروع "شركة سوس
وشمال إفريقيا)، الرامي إلى الاستقرار على السواحل السوسية بدون إذن السلطات المغربية(26).
هكذا يتبين إذن بجلاء أن المخزن الحسنى قد تأقلم
مع ظاهرة الصحافة واستوعبها كإحدى مظاهر الحداثة التي لا مناص منها. أما كون
السلطان قد نعتها مرة بالبدعة - كما أشرنا إلى ذلك في مستهل هذا المقال - فهو حكم
عابر وليد ظرفية خاصة تميزت بهجمة دعائية عنيفة. فالأقوال ، شأنها في ذلك شأن
الأحداث ، لا تفهم إلا على ضوء سياقها التاريخي.
إرسال تعليق