كانت
فرنسا من أسبق
الدول
الأروبية
التي عقدت
معاهدة
الامتيازات
مع الدولة
العثمانية في
عام 1535، وذلك
لتدعيم
مصالحها
الاقتصادية
في ممتلكات
تلك الدولة.
ففرنسا لم تنس
ذكرياتها
ومصالحها في
البحر
المتوسط منذ
أيام الحروب
الصليبية،
وتجددا تلك
المصالح
بحملة نابوليون
بونابارت على
مصر في أواخر
القرن الثامن
عشر، تلك
الحملة التي
أضرت
بالمصالح
البريطانية
في شرق البحر
المتوسط.
بالإضافة إلى
محاولة
بونابرت
إثارة القوى
المحلية
بالمشرق العربي
ضد بريطانيا.
لهذا
عملت
بريطانيا
جاهدة على
تحطيم الأسطول
الفرنسي في
موقعة أبي قير
البحرية في
عام 1798م وعلى
إخراج
الفرنسيين من
مصر، وفي
الوقت نفسه
على عدم
وقوعها مرة
ثانية في يد
أية دولة أجنبية
قوية، أو قيام
حكم محلي بها
يستطيع أن
يلحق الضرر
بالمصالح البريطانية
في تلك
المنطقة. وقد
نجحت في ذلك
إلى حد كبير.
وعندما
نجح محمد علي
في إقامة نظام
حكم قوي ومستقر
في مصر لايتفق
مع مصالحها
عملت على القضاء
عليه وعلى
تحجيمه.
وحينما أنزلت
فرنسا بعض قواتها
بالشام إثر
مذابح عام 1860،
بحجة حماية
أرواح
المسيحيين،
راقبت بريطانيا
هذا العمل
بقلق شديد،
ولم يهدأ لها
بال إلا بعد
أن سحبت فرنسا
قواتها من تلك
البلاد. كما
أنها عارضت
بشدة ضم حكم
جزيرة كريت
إلى مصر في
عام 1866 بعد أن
تمكنت من
إخماد ثورتها
ضد العثمانيين،
والسبب في ذلك
أنها خشيت أن
بمتد نفوذ
فرنسا إلى
الجزيرة،
نظرا للتقارب
الواضح بين
فرنسا ومصر في
ذلك الوقت(1)
.
حرصت
بريطانيا على
تفوق نفوذها
في الدولة العثمانية
على نفوذ أية
دولة أخرى،
ومن ثم انتهجت
سياسة
المحافظة على
ممتلكات تلك
الدولة، ورفض
تقسيمها بين
الدول
الأوربية
الطامعة، لما
تحققه تلك
السياسة من
تدعيم
للمصالح البريطانية.
فسياسة
المحافظة على
كيان الدولة العثمانية
التي امتدت
طوال الثلاثة
الأرباع الأولى
للقرن التاسع
عشر تمثل حجز
الزاوية في
سياسة
بريطانيا
إزاء تلك
الدولة. فمنع
الروس من
السيطرة على
المضايق
والوصول إلى
مياه البحر
المتوسط
الدفيئة تمثل
الاستراتيجية
البريطانية
قبل فتح قناة
السويس(2)
.
واعتبرت
آسيا الصغرى -
في نظر سياسة
بريطانيا - خط
الدفاع الأول
عن الطريق
المؤدية إلى
الهند. ولذا
فهم يرون أن
احتلالهم
مصر، إذا ما
قسمت ممتلكات
الدولة
العثمانية،
ليعادل احتلال
الروس للاستانة
وسيطرتهم على
المضايق(3)
.
وعندما
اندلعت حرب
القرم في
منتصف القرن
التاسع عشر،
أدرك
الأنجليز
-رغم
كونها حربا
برية - أهمية
القوة
البحرية والتفوق
البحري
وقتذاك، إذ
لولاها لما
استطاعت
بريطانيا
نجدة الدولة
العثمانية،
ولا المحافظة
على كيانها.
وإذا
كان تفوق
البحرية
البريطانية
على البحرية
الفرنسية قد
بدا واضحا
خلال الحملة
الفرنسية على
مصر، فإنه قد
تعرض
للاهتزاز بعد
ذلك. فمنذ
تسوية فينا
عام 1815، أصيبت
البحرية
البريطانية
بشيء من
الإهمال،
نتيجة لشعور
بريطانيا
بنشوة النصر
على فرنسا من
جهة،
ولاطمئنانها
على مركزها
البحري من جهة
أخرى،
ولاعتقادها
بضعف قوة منافستها
فرنسا من
ناحية ثالثة.
طال
أمد هذا
الإهمال، إذ
امتد أكثر من
أربعين عاما،
حينما أفاقت
بريطانيا من
غفلتها في عام
1859، وأدركت
خطورة مركزها
البحري بعدما
وجدت فرنسا في
عهد نابليون
الثالث (1848 - 1870)
تبنى أسطولا
جديدا من
السفن
البحرية
المصنوعة من
الحديد
فأسرعت في
الفترة فيما
بين عامي 1859 و 1869
وهو عام
افتتاح قناة
السويس، إلى
إعادة إنشاء
بحريتها من
جديد لمواجهة
التهديد
البحري الخطير
من قبل فرنسا.
كان
هذا هو مقف
الدولتين
البحريتين
بريطانيا
وفرنسا قبل شق
قناة السويس،
وهو موقف اتسم
بالمنافسة
بينهما، نظرا
لمحاولة كل
منها
الاحتفاظ
بقوة بحرية كبيرة
في البحر
المتوسط.
وستزداد تلك
المنافسة -
دون شك - بعد
افتتاح
القناة، وذلك
لازدياد أهمية
الدور الذي
يلعبه هذا
البحر في
المجال السياسي
والاقتصادي.
لاسيما فقد
صاحب إنشاء القناة
في النصف
الثاني من
القرن التاسع
عشر وتطور
هائل في بناء
السفن
الحربية، من
حيث استخدام
الحديد
والصلب بدلا
من الخشب، فمن
حيث تزويدها
بمدافع أكثر
قوة، وأبعد
مدى، ومن حيث
الخطط
والتكتيكات
الحربية.
هذا
فضلا عن ظهور
أنواع جديدة
من السفن
الحربية، مثل
قوارب الطوربيد
وغيرها، بحيث
يمكننا القول
بأنه قد حدثت
ثورة في فن
بناء السفن،
جعلت من
الأساطيل
الحربية قوة
خطيرة في
الدفاع
والهجوم.
ومن
العوامل التي
ساعدت على
زيادة
الاهتمام بالشؤون
البحرية
انتماء
كثيرين من
رجال البحرية
والجيش
والسياسة إلى
المؤسسات
الصناعية
المتعلقة
بصناعة
السفن،
وإسهامهم في
إدارتها.ويبدوا
هذا واضحا
بصفة خاصة في
بريطانيا، إذ
سنجد في
السنوات
الأخيرة من
القرن التاسع
عشر، وبداية
القرن
العشرين عددا
من رجال
البحرية يسهمون
في شركة فيكرز
(Vickers)،
وعددا آخر من
رجال السياسة
مثل سولسبري (Salisbury)، وبرايس (brice)، ودفنشر،
ولانزدون (Lansdoun) يسهمون في
شركة
أرمسترنج (Armstrong) أكبر
شركات صنع
الأسلحة.
وقد
عبر فيشر (fisher)
وهو من أكبر
رجال البحرية
الإنجليزية
في أواخر
القرن التاسع
عشر وأوائل
القرن
العشرين من
تطوير السلاح
البحري
الإنجليزي
بما يتلاءم مع
طبيعة العصر،
بأنه ليس من
الأمور
الملحة فحسب، ولكنه
مسألة حياة أو
موت بالنسبة
لبريطانيا. فهي
كدولة تعتمد
في حياتها
وقوتها على
التجارة،
يصبح هذا
الأمر
بالنسبة لها
مسألة حياة أو
موت. فمن
الممكن لو
أستطاعت دولة
أوربية أن تنتزع
منها السيادة
البحرية أن
تميتها جوعا.
ومن ثم نشأ
الاعتقاد في
بريطانيا
"بأن بالأسطول
تستطيع
بريطانيا أن
تبقى أو تسقط".
ومن هنا جاء
الاهتمام
بالبحرية
البريطانية،
فهي في نظر
البريطانيين
القوة
المدافعة
الأولى عن
الإمبراطورية،
ويأتي الجيش
في المرتبة الثانية.
ولكن لاغنى
لأحدهما عن
الآخر. ومن ثم
فهم يقولون
"بأن البحرية
كالدرع
الواقي، وأما الجيش
فهو كالرمح
الضارب".
ويتطلب
الاهتمام
بالبحرية
بناء سفن
جديدة متطورة،
وتدريب رجال
البحرية
التدريب
الائق،
وإعداد
القواعد
البحرية،
واعتناق مبدإ
حرية البحار .
وهذه الأمور
كلها
لاتستطيع
بريطانيا
القيام بها
دون الدخول في
منافسات مع
الدول
البحرية
الأخرى.
إستمرت
حركة بناء
وتجديد
الأسطول
البريطاني
تجري على قدم
وساق إلى أن
تولى جلاد
ستون (1809 - 1898) وزارته
الأولى، فنظر
لاعتناقه
سياسة ضغط النفقات
العامة،
وخاصة في
البحرية أن
تضاءلت تلك
الحركة بصورة
لم يقبلها
الرأي العام
الإنجليزي.
ويرجع
السبب في ضعف
نفقات
الأسطول - على
الأرجح -
تجربة الحرب
البروسية
الفرنسية 1870،
فعلى الرغم من
تفوق البحرية
الفرنسية على
البحرية البروسية،
ونجاح
الأسطول
الفرنسي في
محاصرة الشواطئ
الألمانية في
تلك الحرب ،
إلا أن تفوق
الجيش
البروسي على
الجيش
الفرنسي قد
اكتسب بروسيا
الحرب. هذا
فضلا عن سياسة
العزلة وعدم
التوسع التي
انتهجتها تلك
الوزارة.
وترتب
على ذلك أنه
في عام 1869، سنة
افتتاح القناة،
لم يكن نفوذ
بريطانيا في
البحر
المتوسط متفوقا
على نفوذ
فرنسا،
فأسطول فرنسا
أحدث، وربما
كان أقوى من
الأسطول الإنجليزي،
ويستند على
قاعدة طولون
البحرية(4)
التي لايوجد
لها نظير لدى
بريطانيا في
هذا البحر،
فمالطة وجبل
طارق لم تكن
قواعد بحرية
بمعنى
الكلمة، وإن
كانت
بريطانيا قد
أدركت خطورة
موقع جزيرة
مالطة بعد فتح
قناة السويس،
فقامت بتوسيع
مينائها،
لاستيعاب
السفن المارة بالبحر
المتوسط(5)
.
كذلك
كان لدى فرنسا
من القوات
الكثيرة
العدد في
الجزائر ما
يجعل اسهما
محترما في
شاطئ البحر
المتوسط
الجنوبي،
وأصبح لاسمها
دوي كبير بعد
افتتاح قناة
السويس.
فالقناة
مشروع قومي فرنسي،
وستكون نقطة
ارتكاز
للنفوذ
الفرنسي في
شرق هذا
البحر.
ولكن
كان يحد من
نفوذ فرنسا
نمو قوة
ألمانيا الحربية
على الضفة
الشرقية لنهر
الراين،
وازداد قلق
فرنسا
واضطرابها من
اندحار قوات
النمسا في
موقعة سادوقا
في عام 1866 أمام
قوات بروسيا،
ووقوف
الروسيا موقف
العطف على
الآمال
الألمانية. كل
ذلك لم يجعل
فرنسا في مركز
يسمح لها
بتحدي قوة
بريطانيا في
البحر
المتوسط أو إثارة
شكوكها في ذلك
الوقت.
فبريطانيا
حتى عام 1878كانت
مطمئنة على
قوتها
البحرية في
هذا البحر،
خصوصا وأن
منافسة فرنسا
لها قد ضعفت
بعد كارثة
سيدان 1870. هذا
فضلا عن
انشغال فرنسا
في إعادة بناء
جيشها . وقد
استمر هذا العمل
حتى عام 1880.
توطد
نفوذ
بريطانيا في
البحر
المتوسط
بعامة(6)
، وفي شرقية
بخاصة بعد
نجاح دزريلي (disraeli) (1804 - 1881) من شراء
أسهم مصر في
قناة السويس
في عام 1875 وحرمان
فرنسا منها.
ولقد أدركت
الدولة
الأوربية عظم
الصفقة،
فاعتبرها
ليوبولد
الثاني (LIOPOLD II) (1875 - 1909) ملك
بلجيكا كأعظم
حادث في
السياسة
الحديثة. كما
أنها أثلجت
صدر المستشار
الألماني بسمرك
(1815 - 1898)، لأنها
أضافت إذلالا
جديدا لفرنسا
فوق إذلال
سيدان.
أدرك
دزريلي نفسه
أهمية هذا
العمل الذي
قام به لتدعيم
المصالح
البريطانية
في مصر، فكتب
للملكة
فيكتوريا
يقول : "إن
الفرنسيين
غلبوا على أمرهم،
ولقد قدم
دلسبس عرضا
مغريا
للخديو، ولو
نجح لأصبحت
القناة ملكا
لفرنسا،
ولأغلقتها
أمام
بريطانيا".
بل
لقد نالت تلك
الصفقة إعجاب
المعارضين
للحكومة
الإنجليزية،
من أمثال
هارنجتون،
وهو من زعماء
حزب الأحرار،
وعبر عن
إعجابه هذا
بقوله بأن
حقوق سيادة
الخديو على
قناة قد
انتقلت إلى يد
بريطانيا.
أثبتت
هذه الصفقة
-بما لايدع
مجالا للشك -
أن بريطانيا
قد هجرت
نهائيا سياسة
العزلة والسلبية
التي انتهجها
جلادستون في
وزارته الأولى
السابقة على
وزارة
دزريلي،
وأصبحت تؤمن
بضرورة اتباع
سياسة خارجية
قوية، ستؤدي
في السنوات
التي أعقبت
عام 1878 إلى
احتلال مصر،
والتصميم على
البقاء فيها،
وتقسيم
إفريقية،
والإشراف على مناطق
كثيرة في
آسيا.
لقد
وعت فرنسا عظم
الخسارة
لضياع تلك
الأسهم،
ولانتقالها
إلى يد
منافستا
بريطانيا،
وأدركت
المغزى
الحقيقي من
وراء من وراء
استحواذ
بريطانيا على
هذه الأسهم،
وهو لايخرج عن
أحد أمرين :
التمهيد
لاحتلال مصر،
أو على الأقل
التدخل في
شؤونها المالية،
لاسيما وأن
الأمر الأول
ينال تأييد
وموافقة
المستشار
الألماني
بسمرك.
اما
بالنسبة لأثر
هذه الصفقة
على مصر، فمما
لاشك فيه كانت
وبالاعليها
فرغم أن
القناة
مصرية، وتسير
في أرض مصرية،
وأنها قامت
على أكتاف
تسخير العمال
والفلاحين
المصريين،
وإهدار
حقوقهم، وحرمان
الزراعة منهم
مدة طويلة. كل
هذا في مقابل
لاشيء، بل لقد
أصبحت القناة
منذ عام 1875
كارثة عليها
وعلى
مستقبلها
قرابة ثلاثة
أرباع القرن.
لقد
جعلت القناة
لمصر مركز
استراتيجيا
خاصا(7)
في الشرق
الأدنى، فجبل
طارق،
ومالطة،
وقبرص،ومصر
هي قواعد
البحرية
الحصينة
للأسطول البريطاني
في البحر
المتوسط من
أجل السيادة
والسيطرة على
هذا البحر .
وتعتبر مصر
-والإسكندرية
بصفة خاصة -
أهم حلقة في
هذه السلسلة
من القواعد،
ومصدر خطر
شديد على
الإمبراطورية
البريطانية
إذا ماتعرضت
لغزو خارجي .
وقد
أثر هذا
المركز
الأستراتيجي
لمصر اهتمام
الدول
الأستعمارية،
إلى الحد الذي
ضحت هذه الدول
بمصالح مصر
ونموها
واستقلالها
في سبيل
الإشلراف
عليه والتحكم
فيه. وهذا
الأهتمام من جانب
ابريطانيا
والدول
الأخرى بمركز
مصر، يشبه إلى
حد ما اهتمام
ابريطانيا
بالعراق لوقوعه
على رأس الخلج
العربي، وعلى
الطريق المؤدية
إلى الهند
التي كانت
توليه
ابريطانيا
حتى عام 1880
أهمية أعظم من
أهمية السويس.
وذلك لأن ذزريلي
كان حتى ذلك
التاريخ يرى
أن آسيا الصغرى
هي التي تشرف
على الطريق
إلى الهند
وليست مصر،
ولا قناة
السويس. ومن
هنا جاءت
أهمية العراق
بالنسبة
لبريطانيا .
وترتب
على عدم إدراك
ذزريلي لعظم
أهمية القناة
في المواصلات
العالمية حتى
عام 1880، أنه لم يوجه
اهتماما
كبيرا لعروض
المستشار
الألماني
بسمرك خلال الأزمة
الروسية
التركية (7 - 1878)،
بأن يأخذ مصر،
في مقابل
سيطرة الروس
على شرق
البلقان. كما
أن دزريلي و
زملاءه
الوزاراء لم
يصغوا لنوبار
باشا حين ذهب
إلى لندن يطلب
بسط حماية
ابريطانيا على
مصر، وأهملوه
إلى حد
مخاطبته
لسفير ألماني
في لندن قائلا
: " إن الأسد
البريطاني
سيغرق في
نومه، وأن
أظفاره ستسرق
منه دون أن
يستقيظ".
ورغم
أن حكومة
المحافظين في
بريطانيا
كانت تدرك
أهمية مصر
لبريطانيا،
وبأنها
ستحتلها في
يوم ما قرب أم
بعد، إلا أنها
خشيت في ذلك
الوقت أن تفقد
صداقة فرنسا
إذا ما أقدمت
على احتلالها،
لاسيما وأنها
كانت في عزلة
سياسة تحتم
عليها
المحافظة على
هذه الصداقة .
وبمجيء
سولسبري (1830 - 1903)
إلى الوزارة
الخارجية الإنجليزية
خلفا لدربي في
وزارة
المحافظين، أن
بدأ تغير
جوهري في
السياسة
الخارجية
الإنجليزية
إزاء الدولة
العثمانية،
فقد غادر نهائيا
السياسة
التقليدية
الرامية إلى
المحافظة على
كيان تلك
الدولة،
واتجه إلى
الأخد بوجهة
نظر بسمرك
والتي تهدف
إلى تقسيم
الممتلكات
العثمانية،
على أن تكون
مصر من نصيب
بريطانيا
.ولاكنه
استعاض عن
احتلال مصر
وقناة السويس
باحتلال
جزيرة قبرص في
1878، وتمتاز
بإشرافها على
آسيا الصغرى
وقناة السويسمعا(8)
ولايهمنا
هنا الدخول في
تفصيلات
المسألة الشرقية،
واضطراب
العلاقات
الروسية
العثمانية
إلى حد إعلان
الحرب(7 - 1878)، إلا
بقدر ماتثيره
من تقسيم
ممتلكات
الدولة
العثمانية،
وهل سيتم هذا
دون حرب أم
بحرب، وهل
ستدخل
بريطانيا الحرب
ضد روسيا
دفاعا عن
مصالحها في
منطقة الشرق
الأذنى ؟
على
إي حال حاولت
ابريطانيا
جاهدة في
التسوية التي
تمت بمؤتمر
برلين 1878 ألا
تمس الموقف
كثيرا في
البحر
المتوسط،
وقفت
بريطانيا
وفرنسا أما
التقدم
الروسيا إلى
هذا البحر،
ولكن كان هذا
على حساب
ازدياد ضعف
الدولة
العثمانية .
وأثناء
انعقاد
المؤتمر،
وخارج قاعاته
تمت مقابلات
بين سولسبري
وزير خارجية
بريطانيا،
ووادنجتون(wadington) وزير
خارجية
فرنسا،
والمستشار
الألماني بسمرك،
نتيجة ثورة
الوزير
الفرنسي
حينما علم بنبأ
الإتفاقية
السرية التي
فردتها
بريطانيا على
السلطان
العثماني
والتي انتزعت
بموجبها
جزيرة قبرص
وسيطرتها
بالتالي على
شرق البحر المتوسط
القناة
السويس. وقد
استبد
بالوزير الفرنسي
الغضب إلى حد
تهديده
بمغادرة
برلين وعدم
الاشتراك في
المؤتمر.
كان
بسمرك
وسولسبري على
استعداد
لاسترضاء وزير
الخارجية
الفرنسية،
وعلى استعداد
أيضا للمساومة،
طالما كان في
ذلك تحقيق
وجهة النظر
الألمانية في
تقسيم ممتلكات
الدولة
العثمانية
التي تجد
تأييدا من
وزير
الخارجيةالإنجليزية
وقتذاك،
فأبديا
موافقتهما
على مطامع
الفرنسيين في
تونس، في
مقابل
الاعتراق
بالوضع
الجديد في شرق
البحر
المتوسط . كان
هذا كافيا - من
جهة نظر
الوزير الفرنسي
- لإعادة
التوازن الذي
اختل في البحر
المتوسط
باحتلال
البريطانيين
قبرص . وهذا
يدلنا على مدى
اهتمام فرنسا
بمركزها في
هذا البحر(9)
.
وفي
ربيع 1881 فرض
الفرنسيون
حمايتهم على
تونس بالقوة
المسلحة،
وأصبحوا من
هذا الموقع
الاستراتيجي
الجديد
يشطرون البحر
المتوسط إلى
شطرين. وعندما
أدركت
بريطانيا
خطورة هذه
الحقيقة بعد
فوات الأوان،
حاولت أن تقلل
من خطر الوجود
الفرنسي في
تونس على
المصالح البريطانية
في هذا البحر
إلى حد ما،
وذلك عن طريق
أخذ وعد من
الفرنسيين
بألا ينشئوا
قاعدة حربية
بحرية في هذا
المكان. ومع
ذلك فقد شعرت
بأن هذا الوعد
لن يكون له
قيمة كبيرة .
ومن ثم فقد
صممت على ألا
تقع مصر إلا
في يدها
وحدها، تعويضا
لها عن صفقة
تونس.
وحينما
تأزمت الأمور
في مصر بقيام
الثورة العرابية
عام 1882، طلبت
بريطانيا من
فرنسا وإطاليا
الاشتراك
معها في
احتلال قناة
السويس، وفي
إخماد الثورة،
كان جلادسون
رئيس الوزارة
البريطانية وقتئذ
واثقا تمام
الثقة من
تقاعس
الدولتين، فالبرلمان
الفرنسي لن
يسمح لحكومته
بأن تدخل في
مغامرة
عسكرية جديدة
ولم يمر أكثر
من عام على
احتلال تونس.
أما من ناحية
إيطاليا، فإن حكومتها
لم تكن تستطيع
أن تتحرك دون
أن تتلقى الإشارة
من برلين، ولم
تكن برلين
راغبة في التدخل.
فعروض
جلادستون إذن
كانت عروض
مجاملة ليس
إلا.
وعندما
تحرجت الأمور
في مصر،
واستدعى
اجتماع مؤتمر
الآستانة 1882
لمناقشة
الموقف، رأت
بريطانيا ألا
يصبح المؤتمر
عائقا دون
تحقيق ما تسعى
إليه،ألا وهو
احتلال مصر،
فاشتركت في
جلساته
ومناقشاته،
ولكنها قررت
عدم التقيد
بما يسفر عنه
من قرارات
لاتتفق مع المصالح
البريطانية.
فاهتمامها
كان مركزا على
مصر في المقام
الأول،
فراقبت
تحركات
المصريين،
واعتبرت
تحصين بلادهم
عملا عدائيا
موجها للسفن
الحربية
الإنجليزية
الراسية في
ميناء الإسكندرية
وقامت القوات
البريطانية
باحتلالها.
حاولت
بريطانيا أن
تصور هذا
العمل على أنه
خدمة للمصالح
الأوربية،
فحينما وجد
سفير بريطانيا
في روما شيئا
من الضيق
والقلق يجتاح
إيطاليا،
أعلن "أنه يجب
على دول أوربا
أن تشكر هذه
الظروف، وأن
تحمد الحكومة
الأنجليزية
على اتخاذ
خطوات من
شأنها رفعة
مركز أوربا في
الشرق
الأدنى".
كان
حل المسإلة
المصرية -كما
فهمته
بريطانيا - هو
في احتلال
قناة السويس،
واتخاذها
قاعدة لتحركاتها
العسكرية في
زحفها نحو
العاصمة. ولم
تعر بريطانيا
احتجاجات
شركة القناة
أدنى اهتمام،
بل وأنذرت
الحكومة الفرنسية
حينما وجدت
بعض العراقيل
من جانب دي
لسبس.وينجاح
الغزو
البريطاني
لمصر،
استطاعت بريطانيا
أن تعيد
التوازن
الدولي في
البحر المتوسط،
وكذلك
الإشراف على
قناة السويس.
وحتى عام 1884 كان
النفوذ
البريطاني
متفوقا في
البحر المتوسط.
ولكن كان يثير
قلق
بريطانيا نمو الأسطول
الفرنسي
بسرعة كبيرة.
هذا فضلا عن
احتمال
انضمام دولة
بحرية أخرى
مثل ألمانيا
إلى جانب
فرنسا . ولو تم
ذلك لأصبح
موقف
بريطانيا جد
خطير، لأن قوة
الدولتين
البحرية تفوق
قوة بريطانيا
في هذا البحر.
لم
تنظر
بريطانيا
بعين
الارتياح إلى
نمو قوة دول
أوربا البحرية
مثل الروسيا،
وأيطاليا،
وألمانيا،
وخصوصا
الدولة
الأخيرة التي
اتخذت من
تقوية بحريتها
سياسة مقررة،
بعد أن عزنت
على الدخول في
مضمار
الاستعمار.
فهذه الدولة
مجتمعة
تستطيع أن
تهدد مصالح
بريطانيا في
البحر
المتوسط بعامة.
وفي مصر بخاصة
. وهذا هو سر
تسليم
بريطانيا بمطالب
ألمانيا
وفرنسا
الاستعمارية،
وتسوية
المسألة
المالية في
مصر بطريقة
ترضي فرنسا،
بل وفي
الاستجابة
إلى مطلب
فرنسا بتحديد
مركز قناة
السويس في
معاهدة دولية.
ونظرا
لاستعمار
توتر
العلاقات بين
بريطانيا
وفرنسا بشأن
مصر من
ناحية،وبين
بريطانيا وألمانيا
بخصوص المسائل
الاستعمارية،
أن زاد الخطر
على بريطانيا،
وطالب الرأي
العام
البريطاني
حكومته مضرورة
زيادة
الاعتمادات
البحرية
اللازمة لإيجاد
أسطول بحري
كبير. خصوصا
وأن تقارير
رجال البحرية
الأنجليزية
أوضحت أن
الأسطول البريطاني
في البحر
المتوسط غير
مستعد
وغيركاف لمواجهة
أي خطر مفاجيء
من جانب
فرنسا. وزاد
الموقف خطورة
مطالبة الرأي
العام
الفرنسي
حطكومته بضرورة
عقد تحالف مع
روسيا.
وحتى
عام 1888 ظل أسطول
فرنسا في
البحر
المتوسط متفوقا
على الأسطول
الإنجليزي،
وأصبحت طولون
أعظم ترسانة،
وأقوى قاعدة
للعمليات
البحرية في
هذا
البحر. كما
كان الأسطول
الفرنسي على
أهب
الاستعداد دائما
للحرب . ولم
تكن قوة
الأسطول
الفرنسي تفزع
بريطانيا
وحدها، بل
كانت تخفيف
إيطاليا أيضا
. إذ كان
الإيطاليون
يعتقدون بأن
أسطولهم لن
يستطيع
الصمود أمام
الأسطول
الفرنسي أكثر
من ثمان
وأربعين ساعة.
لقد
صاحب اهتمام
بريطانيا
بتقوية
بحريتها،
زيادة اهتمام
بالبحر
المتوسط،
فمصالحها
ليست
استرابيجية
فحسب، وإنما
اقتصادية
وسياسية كذلك.
فعبر قناة السويس
تمر 16% من
وارداتها، و 21% من
صادراتها،
وفقدان هذه
التجارة أو
تعطيها خسارة
كبيرة.
وهناك
مسألة على
جانب عظيم من
الأهمية، ألا
وهي سلامة
المواصلات
الأمبراطورية،
وممتلكات
بريطانيا في
البحر
المتوسط، في
جبل طارق، ومالطة،
وقبرص، ومصر،
ومصالحها
التي تدعيها في
قناة السويس.
فأصبح البحر
الأحمر
الطريق الرئيسية
التجارة
البريطانيا.
وكلما تعاقبت السنون
تكشف
بريطانيا
ازدياد
أهميته.فالحرب
الصينية
اليابانية (1894 - 1895)
وجهت
الاهتمام إلى
الصين كأهم أسواق
المستقبل،
وبالتالي
توجه
الاهتمام إلى
الطريق
المؤدية
إليها، ألا
وهي طريق البحر
المتوسط.
أدركت
بريطانيا
أيضا أن
بالقوة
البحرية في ذلك
البحر تستطيع
إقناع دول
التحالف
الثلاثي (الروسيا
والنمسا
وأيطاليا) من 1879 -
1882، ولا سيما
إيطاليا
بالوقوف إلى
جانبها .
فبالقوة
البحرية يمكن
لبريطانيا أن
تنال احترام
الدول المطلة
على البحر
المتوسط، باستثناء
فرنسا بطبيعة
الحال. كما أن
بريطانيا كانت
ترى في قوة
بحريتها في
هذا البحر خير
ضمان لعدم
قيام حرب
أوربية في غير
صالحها.
ومن
الناحية
الاستراتيجية،
فوجود
الأسطول البريطاني
يجب أن يكون
حيث يوجد
العدولبريطانيا،
وليس هماك عدو
لها سوى فرنسا
في الدرجة الأولى،
وروسيا في
الدرجة
الثانية. وبما
أن فرنسا
تحتفظ بمعظم
قواتها
البحرية في
البحر المتوسط،
فوجود أسطول
بريطاني قوي
في مواجهتها
أمر ضروري.
كما أن نجاح
بريطانيا في
اقتحام البحر
الأسود في حرب
القرم (1853 - 1856) يذكر
روسيا دائما
بقوة
بريطانيا
كدولة بحرية
عظمى.
وهناك
ما هو أسمى من
المصالح
الاقتصدية
والسياسية،
ألا وهي هيبة
بريطانيا
وسمعتها اللتان
اكتسبتهما
منذ مائتي
عام، لابد من المحافظة
عليهما ، مهما
كلفها ذلك من
تضحيات .
واعتبرت
بريطانيا أن
العمل على
إضعاف قوتها البحرية
أو إخراجها من
هذا البحر يعد
بمثابة "إلقاء
عود ثقاب
مشتعل في
برميل بارود
أوربا"(10)
.
وفي
الجانب الآخر
نرى نمو موكز
فرنسا في البحر
المتوسط يسير
سيرا مطردا،
ففرنسا لها
مصالح مهمة في
هذا البحر بعد
استيلائها على
الجزائر،
ونمو نفوذها
في سوريا،
وبعد فرض
حمايتها على
تونس، وبعد
انشائها
لإمبراطوريتها
الاستعمارية
الشرقية في
مدغشقر والهند
الصينية. بل
إن روسيا قنصل
فرنسا في تونس
كان يعتبر
البحر
المتوسط
بحيرة فرنسية(11).
فمصالح
فرنسا
الإمبراطورية
، والتنازع مع
بريطانيا
بشأن الجلاء
عن مصر وتأزم
العلاقات بينها
وبين إيطاليا
، كل هذه
الأمور جعلت
فرنسا تركز
نشاطها حول
تدعيم قوتها
في البحر
المتوسط ،
وتركز معظم
سفنها
الحربية
الكبرى في
قاعدة طولون،
وخصوصا بعد أن
اطمأنت إلى
تحديد مركز
قناة السويس
في معاهدة
القسطنطينية
1888.
وفي
مواجهة هذا
الإجراء من
جانب فرنسا
قررت الإمبريالية
البريطانية
أن ينضم أسطول
القنال
الإنجليزي
إلىالأسطول
الإنجليزي في
البحر
المتوسط
لتعزيزه وقت
الخطر .
ولكنها مع ذلك
لاتصل قوتها
حتى عام 1891
مساوية لقوة
الأسطول الفرنسي
في ميناء
طولون.
ولما
وجدت
بريطانيا ألا
قبل لها على
مجاراة فرنسا
في قوة
بحريتها في
هذا البحر
تركت سياسة التفوق
البحري إلى
حين، ولم يكن
ذلك لقصور مادي
أو فني، ولكن
لعدم وجود
قواعد بحرية
كبيرة صالحة
لرسو الأعداد
الكبيرة من
السفن مثل مالدى
فرنسا. فجبل طارق
ليس فيها
الميناء
المناسب، ولا
بحتمل عتادا
حربيا كبيرا،
ولا أسبانيا
لبريطانيا.
ولذا
وجدت
بريطانيا
أخيرا أن من
الخير لأسطولها
ألا يلتجئ إلى
جبل طارق في
حالة حرب مع
فرنسا، إذ
يستطيع أسطول
طولون
المتفرق أن
بحاصره وأن
يكسر شوكته.
بل عليه أن
يغادر البحر
المتوسط
طالبا للنجاة.
ولكن تنفيذ
هذا القرار محفوف
بالمخاطر، إذ
أن هروبه
سيهبط باسم
بريطانيا ،
ولا يحفظ ما
لها من مركز
كبير في العالم.
ثم
هناك مشكلة
بنزرت
(بيزرته) وهو
ميناء يشرف على
جزءي البحر
المتوسط
الشرقي
والغربي، ويتسع
هذا الميناء
التونسي
لأكثر من
أسطول، ويصلح
قاعدة هائلة
للعمليات
الحربيةالبحرية.
ولكن فرنسا
حتى عام 1890 لم
يكن لها قاعدة
بحرية واحدة
في شمال
إفريقية،
لأنها التزمت
حتى ذلك الوقت
بالوعد الذي
قطعته على
تفسها لبريطانيا
بعدم إنشاء
القاعدة
البحرية في
هذا الميناء
الكبير، لأن
إنشاء مثل تلك
القاعدة البحرية
سيقلب ميزان
القوى
البحرية في
البحر
المتوسط
لصالح فرنسا ،
وفيه تهديد
لإيطاليا في
الوقت نفسه .
وخطورة
إقامة بلك
القاعدة في
بنزرت كبيرة
على
المواصلات
والتجارة
البريطانية
عبر البحر
المتوسط. وإن
كان البعض يرى
في إنشاء تلك
القاعدة
تقسيم لقوى
الأسطول الفرنسي
بينها وبين
طولون.
وفي
منتصف عام 1895
افتتحت قاعدة
بنزرت
-لاكقاعدة
كبيرة - ولكن
كرد من جانب
فرنسا على
افتتاح قناة
كيل(1894) التي
ربطت بحر
البلطيق ببحر
الشمال، عند
ئذ تتحقق
مخاوف
بريطانيا،وأدركت
أن وعد فرنسا
لم يكن إلا من
قبيل التمويه
. وازداد ضطراب
بريطانيا
عندما علمت
بنبإ زيادة
قوة الأسطول الروسي
في البحر
الأسود، وما
ينطوي عليه
هذا العمل من
تهديد
للآستانة،
وما سيلقيه
هذا التهديد
من أعباء
جديدة على
الأسطول
الإنجليزي في
البحر
المتوسط،
لاسيما وأن
احتمال اجتماع
الأسطولين
الفرنسي
والروسي ضد
الأسطول الإنجليزي
أمر محتمل
الوقوع، بعد
أن أصبح
التحالف الفرنسي
الروسي حقيقة
غير خافية على
بريطانيا.
طالب
الرأي العام
البريطاني
بإلحاح شديد
بضرورة زيادة
الاعتمادات
المخصصة
للبحرية لمواجهة
هذا الموقف.
وقد وافق
أعضاء وزارة
جلادستون على
ذلك ، إلا
جلادستون
نفسه الذي
انسحب من
الوزارة ومن
الحياة
السياسيةكلية
.
لقد
شغلت مسألة
مرور السفن
التجارية
الإنجليزية
في البحر
المتوسط في
حالة حدوث حرب
مع فرنسا
أذهان السادة
الإنجليز،
فوجود موانئ
في تونس
والجزائر
ومراكز قوارب
الطوربيد في
يد فرنسا يجعل
هذا الأمر في
غاية الخطورة
. وخيل لهؤلاء
السادة أن
الفرنسيين قد
يتمكنون من
إغلاق القناة
. وإذا ما تم
ذلك فليس أمام
الإنجليز إلا
ترك هذه الطرق
كلية.
زادت
هموم
الأنجليز في
عام 1895 على وجه
الخصوص ، فقد
عانوا من
أزمات عديدة
في أماكن
مختلفة من العالم
، بعضها يتعلق
بالدولة
العثمانية -
وهذا ما يعنينا
في هذا البحث -
والآخر يختص
بفنزويلا،
وإفريقية
الجنوبية.
ففيما
يتعلق
بالدولة
العثمانية
فقد استطاع الروس
السيطرة
التامة على
البحر
الأسود، ومدوا
نشاطهم جنوب
الشرق
الأقصى، حيث
عقدوا مع الصين
معاهدة تنازل
لهم بمقتضاها
عن ميناء بورت
آرثر لاتخاذه
قاعدة بحرية تشرف
على مدخل
بكين، وكان
ذلك يمثل خطرا
هائلا على
المصالح
البريطانية
في تلك
المنطقة.
أما
في جنوب
إفريقيا
فكانت تعطف
على مطالب البوير،
وتؤيد
استقلالهم،
وفكرت هي
وفرنسا وروسيا
التدخل
لصالحهم ضد
بريطانيا،
وقد كانت بريطانيا
تعتمد على
صداقة
إيطاليا - رغم
عدم ثقتها في
كفاية رجال
البحرية
الإيطالية،
إلا أن فشلها
في موقعة عدوة
أمام
الأحباش، جعل
الاعتماد
عليها أمرا
غير محسوب.
ولذا كان على
بريطانيا -
أمام كل تلك
الصعاب -
ويأتي على رأسها
عزلتها
السياسية التي
تكاد تكدون
تامة - ألا
تعتمد إلا على
نفسها وحدها -
وقد نفذت هذه
السياسة
الجديدة في
برنامج 6 - 1897
البحري الذي يجعل
قوتها
البحرية في
مستوى أقوى
قوتين بحريتين.
كانت
عتمادات
البحرية
الإنجليزية
حاسمة في تقرير
مصير البحر
المتوسط،
فلقد فصلت في
مصير مصر بعد
أن تحرجت
الأمور بين
بريطانيا
وفرنسا إلى أن
بلغت ذروتها
في أزمة فاشودة
1898. فكان اللقاء
بين كتشنر(KITCHENER) قائد
القوة
المصرية،
ومارشان (MARCHANT) قائد
القوة
الفرنسية في 19
سبتمبر 1898 هو
نهاية المنافسة
الحامية بين
بريطانيا
وفرنسا طوال ثلاثين
عاما تقريبا.
وحين رفضت
بريطانيا المفاوضة
في أول الأمر،
وتحرجت
الأمور بين
الدولتين ،
وضعت الحكومة
الفرنسية
أسطول طولون على
أهبة
الاستعداد .
وكان الرأي
العام الأنجليزي
متحمسا للحرب
لأنه كا مؤمنا
بعد التعزيزات
البريطانية
الأخيرة، من
إحراز نصر على
فرنسا يضاهي
نصرهم في
الطرف الأغر.
ففي البحر المتوسط
-الميدان
الحربي الأول
- كان لدى بريطانيا
ما حمولته من
السفن
الحربية 450, 239
طن، بينما لم
يكن لدى فرنسا
سوى 170,085طن.
بدأت
بريطانيا
تركز أسطولها
في المناطق
الحساسة ،
فراقبت حركات
الأسطول
الفرنسي،
وأرسلت أسطول
القنال
الإنجليز إلى
قرب جبل طارق،
وأسطول البحر
المتوسط إلى
جزيرة كورفو
للمحافظة على
مصر والقناة،
وأسطول الشرق
الأقصى إلى هنج
كنج.
ومما
زاد من حرج
مركز فرنسا،
ومن إدلالها
أن حليفتها
روسيا رفضت
تقديم أية
مساعدة ولم
بكن في واقع
الأمر تستطيع
ذلك، فأسطول
بحر البلطيق
حبيس في مياهه
المتجمدة،
وأسطول البحر
المتوسط لم
يكن على أهبة
الاستعداد
للحرب ، كما
لم يكن لروسيا
مصلحة في أن
تزج بنفسها عل
حرب مع
بريطانيا من
أجل مطامع
استعمارية فرنسية.
عزمت
بريطانيا
علىضرب كل
موانئ فرنسا،
وعلى إخراج
الأسطول
الفرنسي إلى
عرض البحر
حامية، وأدرك
الفرنسيون
خطورة
موقفهم،
فاتخدوا موقف
الدفاع دون
الهجوم،
خصوصا وأن الحكومة
الفرنسية
كانت تعاني من
متاعب داخلية.
أما
من ناحية
الحكومة
البريطانية،
فكان عدد من
أعضائها يرون
انتهاز هذه
الفرصة
للتخلص نهائيا
من فرنسا
كمنافس عنيد.
ولكن هذا
الفريق لم يجد
تأييدا
كافيا، خصوصا
بعد أن أعلنت
فرنسا بأنها
ستنسحب من
فاشودة. وبذلك
تنتهي الأزمة.
بعد
انتهاء
الأزمة
البريطانية
الفرنسية، حاولت
فرنسا التحول
نحو دول
التحالف
العثماني،
وبالفعل أخذت
تتقرب من
ألمانيا،
ولكن مسألة
الألزاس
واللورين
كانت عائقا
دون إقامة تفاهم
بين الدولتين
لمدة طويلة.
كذلك حاولت فرنسا
تحسين
علاقاتها
بإيطاليا،
وحثها على زيادة
قواتها
البحرية حتى
تستطيع
الدولتان السيطرة
على البحر
المتوسط. ولكن
إيطاليا، لم تكن
مستعدة
للتضحية
بعلاقاتها
الودية مع بريطانيا
من أجل فرنسا.
كانت
أزمة فاشودة
درسا قاسيا
وعته فرنسا
بعمق، وعرفت
مدى أثر القوة
البحرية،
وأدركت في الوقت
نفسه أنها
لاتستطيع أن
تحاري
بريطانيا في
الحركة بناء
السفن، وخاصة
الكبيرة منها
. وبالتالي
أيقنت بأن
المنافسة مع
بريطانيا يجب
أن تهدأ، وأن
تتنتهي إلى غير
رجعة.
وبانتهاء
الخطر
الفرنسي على
بريطانيا
ومصر، استقرت
الأمور في
البحر
المتوسط إلى
حين.
وحل
محل التنافس
الفرنسي
بالنسبة لبريطانيا
التنافس
الألماني.
فإذا حدث
واستطاعت
ألمانيا
التفاهم مع
فرنسا لنال
بريطانيا الخسران
المبين...وخاصةإذا
مالت الروسيا
إلى مثل ذلك
التفاهم. ولذا
أسرعت
بريطانيا
بعقد حلف مع
اليابان
لتدعيم
مركزها في
منطقة الشرق الأقصى.
كما عملت في
الوقت نفسه
على إصلاح ذات
البين مع
فرنسا، كي
تطمئن على
سلامة مرور
تجارتها أمام
الشاطئ
الإفريقي
الشمالي.
ورأت
بريطانيا أن
خير حل يمكن
الوصول إليه
لتسوية
مشكلاتها مع
فرنسا أن
تتنازل لها عن
حقوق
لاتملكها في
مراكش، في
مقابل تنازل
فرنسا لها عن
حقوق بملكها
في مصر بمقتضى
الاحتلال. وكانت
فرنسا مستعدة
لقبول مبدأ
التعويض.
وبالفعل دارت
المفاوضات في
لندن بين
اللورد
لانزدون( lansdown) وزير
الخارجية
البريطانية
وبين سفير
فرنسا في
بريطانيا.
وكانت فرنسا
مترددة في أول
الأمر
لإدراكها أن
بريطانيا
ستتنازل لها
عن حقوق لاتملكها،
في مقابل حقوق
تمتلكها انتلاكا
حقيقيا.
ولكنها
اقتنعت أخيرا
بأن حقوق فرنسا
في مصر - مهما
كانت أحقيتها
فيها - فقد تلاشت
وعفى عليها
الزمن، وأن من
الأفضل لها أن
تتطلع إلى
اكتساب حقوق
جديدة في بلاد
أخرى على البحر
المتوسط
نفسه.
وطالت
المفاوضات
بين الطرفين
بسبب رفض فرسا
التسليم
ببقاء الإنجليز
في مصر لأجل
غير محدود،
وتمسك الإنجليز
بأن تتنا زل
فرنسا عن
مطالبة
بريطانيا بالجلاء
عن مصر، وحسم
الموقف
بتوقيع
الاتفاق الودي
بين الدولتين
في ربيع عام 1904،
وفيه تركت فرنسا
لبريطانيا
حرية التصرف
في مراكش.
وبهذا
الاتفاق
اطمأنت
بريطانيا على
مركزها
في مصر، وإلى
تفوقها في
البحر
المتوسط،
وقررت أن تكون
الاسكندرية
أهم قاعدة في
البحر المتوسط
للأسطول
البريطاني.
وتجدر
الإشارة هنا
إلى أن هذا
الأتفاق - وإن
كان قد وضع
حدا فاصلا
للمعارضة
الأوروبية
للاحتلال
البريطاني
لمصر، إلا أنه
لم يغير من مركز
مصر السياسي،
ففرنسا
لاتستطيع لأن
تعطي ما ليس
حقا لها . ثم إن
بريطانيا
نفسها وافقت
على عدم تغير
مركز مصر، فهي
لم تضم مصر
إلى
ممتلكاتها ،
بل لقد اعترفت
بأن كل ما لها
في مصر هو
حماية فعلية
مستورة ومؤقتة.
ولكن الاتفاق
لم يلق اليأس
في قلوب المصريين،
فلم يعترف
المصريون
بالوضع الجديد،
وازدادوا
إيمانا
بحقوقهم ،
واستمساكا
باستقلالهم
معتمدين على
أنفسهم أولا
وأخيرا.
إرسال تعليق