GuidePedia

0

التصوف المغربي


إن تاريخ المغرب هو تاريخ سيادة التيار الصوفي بتعبيراته المختلفة، ولم يشكل هذا التيار محاضن للتربية الروحية فقط، بل محاضن للجهاد أيضا، لقد كانت الممارسة الصوفية هي الشكل السائد للتدين في المجتمع المغربي وذالك من خلال الرعاية الرسمية للدولة


مر التصوف في بلاد المغرب الأقصى بمرحلتين: مرحلة التبعية؛ حيث تم إدخال التصوف ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي من قِبل حجاج الأماكن المقدسة، ومن الصعب الحديث في هذه الفترة عن تصوف "مغربي"؛ لكون أهم الصوفية المغاربة -أمثال أبي يعزى يلنور، وابن عربي، وعلي بن حرزهم- كانت صوفيتهم شرقية قلبا وقالبا. ومرحلة "مغربة" التصوف التي دشنها مولاي عبد السلام بن مشيش، فبالرغم أنه درس على يد أئمة الصوفية التابعين -كأبي مدين الغوث وعلي بن حرزهم- فإنه لم يسلك مسلكهم؛ بل سعى إلى التميز عنهم، وقد أكمل تلميذه أبو الحسن الشاذلي مرحلة "مغربة" التصوف لتصل ذروتها مع محمد بن سليمان الجزولي. 

انتشار التصوف في المغرب في البداية كان يهدف أساسا إلى نشر الإسلام فيما وراء الحواضر؛ حيث بدأ منذ القرن الثالث عشر الميلادي يتوغل في الأرياف. 

وبدءا من القرن الرابع عشر الميلادي انتقل التصوف من الإطار الدعوي إلى الإطار السياسي، وبدأت المعالم الأولى للطرق الصوفية تتشكل في العهد الموحدي ليكتمل هذا التشكل مع أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي الذي يعتبر مؤسس أول طريقة صوفية في المغرب جراء التحولات التي طرأت على بنية المجتمع. ويمكن القول بأن الطرق الصوفية أصبحت ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي مؤهلة لتزويد البلاد بنظام الحكم. امتدت الصوفية المغربية إلى ما وراء الحدود، فتأسست بمختلف أقاليم الشمال الإفريقي ـ بل وحتى في مصر - زوايا تقبس من معين الطرق المغربية كالعيساوية والتيجانية والوزانية بتونس، كما أحدث المغاربة أورادا خاصة لطرق خارجة عن المغرب مثل القادرية. 
يتميز المشهد الصوفي المغربي حاليا بتنوع الطرق والزوايا التي تمتد على طول التراب المغربي، من الشمال إلى الجنوب، ومن أشهرها: الطريقة الكتانية، والعلوية، والبودشيشية، والزاوية الريسونية، ومجلس أهل الله، والطريقة البوعزاوية. 

ما يميز الزوايا الصوفية بالمغرب هو اتفاقها جميعا على ضرورة "الشيخ" في السلوك إلى الله تعالى، وهذا ما يثير تحفظات منتقدي الصوفية؛ لأن هناك مبالغات غير مقبولة في النظر للشيخ، والاعتماد عليه في الزاد الإيماني والمراقبة والمشارطة. 


الحركة الصوفية بالمغرب الأقصى

 التأسيس والتقعيد من القرن 6 هـ 9 هـ.



إن البحث في تاريخ المغرب في العصر الوسيط الإسلامي يحتاج إلى طرق مواضيع جديدة للكشف عن جوانب لا يزال الغموض يكتنفها، خصوصا في المجالات الدينية والفكرية ومالها من تأثير على تطور الأحداث التاريخية، وباعتبارها--أيضا- العنصر المحدد في تشكيل ذهنيات المجتمع.

وعلى الرغم من أهمية 
تاريخ المجتمعات والذهنيات لدى المناهج المعاصرة، إلا أننا نحسب أنه لم يحظ بعد بالاهتمام المكافئ لأهميته، وذلك راجع فيما نظن إلى اعتباره من اختصاص السوسيولوجيين والأنثروبولوجيين أكثر من المؤرخين على اعتبار تركيز المؤرخين على التاريخ السياسي وأحداثه الكبرى المدوية. 

بينما نرى أن تاريخ المجتمع والذهنيات هو من أخصب حقول البحث لدارس التاريخ، ونتائج التنقيب فيه قد تصحح مجموعة من "الأخطاء" كانت إلى عهد قريب تعد شبه "مسلمات" لا يرقى إليها الشك. 

من هذا المنطلق يحاول البحث المساهمة في إبراز جزء من التطور الديني والفكري للمجتمع المغربي في العصر الوسيط من خلال تتبع المجهود الذي بذله رجال التصوف لإقرار مشربهم وتوطينه في المجتمع وبالتالي مساهمتهم في صياغة ذهنياته وتوجيههم لأحداثه. 

1- أهمية الموضوع 

لم يجانب الباحثان: دوبون وكوبولاني الصواب، حين خلصا في بحثهما حول الطرق الصوفية الإسلامية إلى أن التصوف يعتبر "المحرك الحقيقي للمجتمع الإسلامي". 

من خلال عدة مستويات: دعوة وإقناعا، وتنظيرا وتقعيدا، وتنظيما وتأطيرا، في حركية واعية لا متناهية لرجالات التصوف بدأت تبلورها "كفئة ذات خصائص مميزة" نهاية القرن الخامس الهجري ومطلع السادس، وأخرجت شطأها واستغلظت طيلة القرنين السادس والسابع، واشتد عودها واستوت على سوقها في القرنين الثامن والتاسع، لتغدو في القرون اللاحقة: الملاذ الروحي الأمثل للمجتمع، والإطار التنظيمي الأقوى له، ويكون لها بالتالي الدور المحدد في الحراك الاجتماعي، لا نزال نشاهد أثره القوي حتى الآن مما جذب نخبة من الباحثين، كل من موقع تخصصه، وبحسب توجهه وأدواته للنبش في تاريخ الصوفية "الشائك" باعتبار التصوف ظاهرة مجتمعية متطورة متجددة مما يجعلها عصية على التحليل العلمي، لا يكون خائض غمارها إلا على غرر من استنتاج خلاصة، أو إصدار حكم قد يصدق على مجموعة أو فترة دون أخرى. 

من جهته يحاول هذا البحث دراسة حركية فئة الصوفية داخل المجتمع فكرا وعملا، تنظيرا وتنزيلا في تفاعلاتها مع فئة العلماء والسلطة السياسية باعتبار فئتي الصوفية والعلماء قوتين متكاملتين من الناحية النظرية يشتركان في المنطلقات، ويتقاربان في الأساليب والوسائل. لذلك حاول الموضوع رصد وتحليل العلاقة بين الفئتين من خلال صيرورة طويلة للبحث عن أسس للتوافق والاندماج. 

كما حاول البحث تتبع العلاقة بين الصوفية والسلطة وتطورها، والتعايش الحذر الذي كان غالبا على علاقة "مشروعين إصلاحيين" يتميز كل منهما بمميزات خاصة تمنحه شخصيته واستقلاليته. 
إن محاولة التركيز على "المشروع الإصلاحي" الذي اعتمده رجالات الصوفية بالمغرب الأقصى، وإماطة اللثام عن أهم خصائصه وملامحه وأبرز توجهاته لم يقلل من اهتمامه بأدوار كل من السلطة والعلماء، لاعتقادنا أن التقاطعات والتجاذبات بين هؤلاء الفاعلين هي التي شكلت التاريخ الديني والاجتماعي والسياسي لبلاد المغرب. 

يهدف البحث إذن إلى محاولة القيام بدراسة تحليلية تطورية لحركة الصوفية بالمغرب الأقصى في العصر الوسيط الإسلامي لمحاولة التعرف على المجهود الذي بذله رجالات "الصلاح" لنشر مشربهم الصوفي، والمقاربات "البيداغوجية" التي اعتمدوها، والاختيارات التي أقروها والنتائج التي أفضت إليها هذه الاختيارات على المستويات الفكرية والاجتماعية والسياسية. 

ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن المناقشات الفكرية التي طبعت الفترة بين مختلف المشارب الصوفية، وبينها وبين الفقهاء والسلطة أخذت حيزا مهما من البحث، لكن دون أن يغرينا ذلك بالاسترسال وراءها، لأن إيرادها لم يكن هدفا في حد ذاته ولكن وسيلة لفهم الفعل التاريخي للصوفية. 

2- فرضيات البحث 

لقد فرضت علينا طبيعة البحث الانطلاق من عدة فرضيات لتوجيهه حذرا من الوقوع في فخ الانجرار وراء النظريات الصوفية "المغرية" ووجهات النظر المختلفة حولها التي قد تخرج البحث عن أهدافه. 
لذلك فقد حاولنا الإجابة عن عدة أسئلة كبرى اعتبرناها محددة، تتولد عنها ما لا يحصى من أسئلة فرعية:- أولا: هل اجتهادات الصوفية وإبداعاتهم كانت رد فعل على طغيان سلطة الدولة وتشدد الفقهاء وفقدان الأمن في المجتمع؟ وهل الصوفية إفراز لمجتمع "مأزوم" وبالتالي، هل التصوف وليد أزمة؟أم هل التصوف باعتبار نشدانه "الإحسان" وتركيزه على الجانب "الروحي" للدين هو فريضة شرعية وضرورة نفسية لحفظ توازن الفرد والمجتمع؟ - ثانيا: ما هي أهم المراحل التي عرفها تطور "الحركة الصوفية" بالمغرب الأقصى؟ وما أبرز تمفصلاته؟ 

- ثالثا: ما هي المشارب الصوفية التي اختارها رجال "الصلاح" في المغرب لتحظى بإجماعهم، ويتوافقوا عليها مع النخبة العالمة؟ وما هي النتائج التي ترتبت على هذه الاختيارات في تشكيل ذهنية المجتمع وبالتالي رسم معالم التاريخ الفكري والذهني والثقافي والاجتماعي والسياسي للمغرب. 

3 - المنهج 

حاولنا في هذا البحث مقاربة التجربة الصوفية بالمغرب من منطلق الباحث في التاريخ وبأدواته وطرقه، لإعادة قراءة "الوثائق" وتحليلها  دون توغل في تتبع المفاهيم النظرية والأطروحات الفكرية إلا بالقدر الذي يخدم أهداف الموضوع مستفيدين من اجتهادات "تاريخ الفكر" في تحليل "الخطاب الصوفي". 

لقد كان من الضروري الانتقال من المستوى "الظاهر" من "خطاب الصوفية" إلى المستوى "الباطن" منه لسبر أغواره والتعرف على ما قيل وما لم يقل وتلمس الواضح والمضمر منه، في علاقة الصوفية بالسلطة والعلماء وتفاعلها واندماجها في الواقع وتبنيها وهيمنتها عليه لتوجيهه. 

لذلك عمدنا إلى تتبع المصادر التاريخية بأكبر قدر ممكن من الشمولية معولين على منهج يعتمد التحليل والاستنتاج لرصد وتحليل تطور الوقائع والأحداث الفكرية والاجتماعية والسياسية بالمغرب من خلال خط سير إحدى أنشط فئات المجتمع وهم الصوفية مستعينين بخلاصات الأبحاث التي اعتمدت المدة الزمنية الطويلة في رصد التحولات الاجتماعية والذهنية. 

وقد حاولنا تأطير الموضوع  مكانيا بمجال المغرب الأقصى، الذي يرى الأستاذ القبلي أن حدوده الجغرافية قد اتضحت إبان الحكم المرابطي، لكن ذلك لم يمنعنا من الحديث عن عدوة الأندلس وباقي بلدان المغرب الكبير لصعوبة الفصل بين هذه الأقطار في الفترة الوسيطية. 

أما الإطار الزمني فقد جازفنا بمحاولة تتبع الحركة الصوفية بالمغرب منذ نشأتها في أواخر القرن الخامس الهجري ومطلع السادس إلى اكتمال نضجها التنظيري والتنظيمي في القرنين الهجريين الثامن والتاسع. 

4- مصادر البحث 

        4-1- كتب دعوة وتأسيس 

كان لهذه المؤلفات الدور الكبير في نشر التصوف والإقناع به، وهي وإن كانت تركز على سرد مناقب رجالات الصلاح بطريقة تضخم الجانب المشرق من حياتهم لتبرزهم للاقتداء، فإن مقدماتها والفصول الأولى منها تعتبر في غاية الأهمية، إذ غالبا ما تتحدث عن مفاهيم التصوف وتدافع عن سنية مشربه وتحتج للكرامات، كما يعد حرصها على تقديم تصوف سني عملي قائم على المجاهدات، وترجمتها لمجهولين من أبرز الدلائل على غايتها الدعوية، ومن أهم ما اعتمدنا عليه في هذا البحث: 
 -* السر المصون في ما أكرم به المخلصون للشيخ طاهر الصدفي (أواخر القرن السادس الهجري) تحقيق وتقديم حليمة فرحات، طبعة دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1998.-* المستفاد في مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد لأبي عبد الله محمد بن عبد الكريم التميمي الفاسي، (ت603/ 604 هـ) دراسة وتحقيق محمد الشريف، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، طبعة 2002.* التشوف إلى رجال التصوف لأبي يعقوب يوسف بن يحيى التادلي عرف بابن الزيات (ت627-628هـ) تحقيق الأستاذ أحمد التوفيق. * دعامة اليقين في زعامة المتقين لأبي العباس العزفي (ت 633هـ)، تحقيق الأستاذ أحمد التوفيق.* تحفة المغترب ببلاد المغرب لمن له من الإخوان في كرامات الشيخ أبي مروان تأليف أحمد بن إبراهيم بن يحيى الأزدي القشتالي، تحقيق المستشرق الإسباني فرناندو دي لاجرانخا Fernando de Lagranja))* المنهاج الواضح في تحقيق كرامات أبي محمد صالح ، تأليف حفيده أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي محمد صالح بن ينصارن الماكري (أواسط القرن 8هـ)، تحقيق أحمد فريد المزيدي. * المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تأليف عبد الحق بن إسماعيل البادسي (كان حيا سنة 722هـ)، تحقيق سعيد أعراب.* أنس الفقير وعز الحقير، تأليف أبي العباس أحمد الخطيب الشهير بابن قنفذ القسنطيني (ت 810هـ)، نشره وصححه، محمد الفاسي وأدولف فور.* السلسل العذب والمنهل الأحلى، ألفه محمد بن أبي بكر الحضرمي (النصف الثاني من القرن 8هـ) وقدمه للسلطان المريني أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن (ت 774هـ). * المناقب المرزوقية، تأليف أبي عبد الله محمد بن مرزوق التلمساني (ابن مرزوق الجد) (ت 781هـ) دراسة وتحقيق سلوى الزاهري، والعنوان من اقتراح المحققة. * إثمد العينين  ونزهة الناظرين في مناقب الأخوين، تأليف أبي عبد الله بن تكلات (ق 8هـ)، تحقيق محمد رابطة الدين، والكتاب ترجمة ضافية لمؤسسي الطائفة الغماتية أبي عبد الله (ت 678هـ) وأبي زيد (ت 706هـ) الأخوين الهزميريين وشرح لمشربهما الصوفي السني.* بهجة الناظرين وأنس الحاضرين، تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد العظيم الأزموري، (وهو من علماء القرن التاسع الهجري). 

* تحفة الزائر بمناقب الحاج أحمد بن عاشر، تأليف أحمد بن عاشر الحافي. تحقيق وتقديم مصطفى بوشعراء. 
4-2: كتب تسنين وتقعيدونقصد بها المؤلفات التي حاول أصحابها تنقية التصوف مما شابه من "بدع" وتسنين مقولاته وأعماله وأحواله بالتأصيل لها من الكتاب والسنة وعمل السلف، والتنظير العلمي لتصوف سني عملي واقعي يحظى بتوافق الفقهاء والصوفية وأهمها:* المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات، والتنبيه على بعض البدع والعوائد التي انتحلت وبيان شناعتها وقبحها ، تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري المالكي الفاسي الشهير بابن الحاج (ت737هـ)، تحقيق أحمد فريد المزيدي،* الرسالة الششترية أو الرسالة العلمية في التصوف ،تأليف أبي الحسن الششتري (ت 668هـ) تلخيص أبي عثمان بن ليون التجيبي (ت 750هـ). دراسة وتحقيق: محمد العدلوني الإدريسي. * الاعتصام ، تأليف الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي (ت790هـ). 

* مؤلفات ابن عباد الرندي (ت 792هـ) يعتبر ابن عباد عند كل الدارسين الناشر الفعلي والمنظر الأساسي للمدرسة الصوفية الشاذلية  بالمغرب الأقصى، من خلال العمل الدؤوب الذي قام به، وخصوصا من خلال مؤلفاته ورسائله العديدة التي نالت ثناء كل من جاء بعده من الصوفية والعلماء. وأهم مؤلفاته في التصوف:- شرح حكم ابن عطاء الله السكندري - الرسائل الصغرى تحقيق: بولس نويا، Paul Nwyia))، منشورات دار المشرق، بيروت، د ت.- الرسائل الكبرى، تحقيق الباحث الأمريكي.كنث،ل، هو نركمب (.Kenneth,L,Honerkamp)* مؤلفات الشيخ أحمد زروق (ت 899هـ)يعتبر "محتسب الأولياء والعلماء" أحمد زروق أبرز ممثل للمدرسة الشاذلية بالمغرب الإسلامي بعد ابن عباد، وقد عمل على إكمال مشروعه بالتقعيد للمشرب الصوفي الشاذلي راسما بذلك حدود الطريقة الشاذلية التي ينبغي على المريد احترامها في سلوكه.وأهم كتب الشيخ زروق الصوفية هي:- قواعد التصوف، تحقيق عبد المجيد خيالي، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، 2003.- عدة المريد الصادق من أسباب المقت في بيان الطريق القصد وذكر حوادث الوقت تحقيق إدريس عزوزي. - كتاب الإعانة، تحقيق علي فهمي خشيم، منشورات الدار العربية للكتاب، ليبيا-تونس، 1979. - النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية، تحقيق عبد المجيد خيالي، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، 2001.******* هداية من تولى غير الرب المولى  تأليف الشيخ أبي حفص عمر بن موسى بن محمد الرجراجي (توفي بعد 819هـ)، تحقيق: براوليو خو ستيل كلابوثو، (Braulio,justel,Calabozo)، منشورات المعهد الإسباني- العربي للثقافة، مدريد،1983* الحلال والحرام  تأليف أبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي (ت 675، بينما أكد محقق الكتاب أنه عاش إلى ما بعد سنة 688هـ)، تحقيق عبد الرحمن العمراني الإدريسي، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، 1410هـ/1990م.* روضة التعريف بالحب الشريف، تأليف محمد بن عبد الله بن سعيد بن علي السلماني المعروف بلسان الدين ابن الخطيب (ت 776هـ)، تحقيق عبد القادر محمد عطا، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، 2003.* بغية السالك في أشرف المسالك، تأليف أبي عبد الله الساحلي المالقي (ت754هـ) تحقيق عبد الرحيم العلمي، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، 2003.* شفاء السائل لتهذيب المسائل، تأليف العلامة عبد الرحمن بن خلدون (ت808هـ)، دراسة وتحقيق: أبو يعرب المرزوقي. منشورات الدار العربية للكتاب،1991. * نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير  تأليف محمد بن يوسف السنوسي (ت895هـ) تحقيق حسن حافظي علوي، كتاب دعوة الحق،العدد التاسع، 1422هـ/2002م. * نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما يجب عليهم من حقوق آل البيت الكرام عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، تأليف الشيخ أبي عبد الله محمد بن أبي غالب المكناسي المعروف بابن السكاك (ت 818هـ)، طبع على الحجر بفاس سنة 1316هـ. 4-3: كتب الطبقات والرجال اعتمدنا خصوصا على:* ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك تأليف القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي (ت 544هـ)،ضبط وتصحيح محمد سالم هاشم، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، 1998.* معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان تأليف أبي زيد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الأسيدي الدباغ (ت 696هـ) وأبي القاسم بن ناجي التنوخي (ت839هـ)، منشورات المكتبة العتيقة، تونس، الطبعة الثانية، 1993.* الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب السلماني (ت 776هـ)، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت 2003.* الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، ضبطه وصححه عبد الوارث محمد علي، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت 1997.* الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تأليف القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون المدني المالكي (ت 799هـ)، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط 2،2005.*  جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس، تأليف أحمد بن القاضي المكناسي (ت 1025هـ)، منشورات دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1973.* درة الحجال في غرة أسماء الرجال له أيضا، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، 2002.* نيل الابتهاج بتطريز الديباج، تأليف أحمد بابا التنبكتي (ت 1036هـ)، تحقيق علي عمر، منشورات مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2004.* بيوتات فاس الكبرى المنسوب لابن الأحمر، منشورات دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972.* أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، تأليف أحمد بن محمد المقري التلمساني (ت 1041هـ)، تحقيق عبد السلام الهراس وسعيد أعراب، طبع تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، سنة 1980.* نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، له أيضا، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت 1995.* المنح البادية في الأسانيد العالية والمسلسلات الزاهية والطرق الهادية الكافية، تأليف أبي عبد الله محمد الصغير الفاسي (ت 1134هـ)، تحقيق محمد الصقلي الحسيني، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، 2005. 4-4: كتب الرحلة * رحلة ابن جبير المسماة: تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار،تأليف الرحالة الأندلسي محمد بن محمد بن أحمد بن جبير (ت 614 هـ).* رحلة العبدري، تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن سعود العبدري (توفي بعد سنة 700هـ). * فيض العباب وإفاضة قداح الآداب في الحركة السعيدة إلى قسطنطينية والزاب تأليف أبي القاسم برهان الدين إبراهيم بن عبد الله النميري الغرناطي المعروف بابن الحاج (توفي بعد سنة 774هـ).* رحلة ابن بطوطة المسماة  تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة (ت779 هـ). 

* نفاضة الجراب في علالة الاغتراب،تأليف لسان الدين ابن الخطيب السلماني (ت776هـ) وقد اعتمدنا على الجزأين: الثاني الذي حققه الدكتور أحمد مختار العبادي والثالث الذي حققته الدكتورة السعدية فاغية. 

4-5: كتب التاريخ العام 

اعتمدنا كثيرا على كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر للعلامة عبد الرحمن بن خلدون. 

خصوصا في التأطير التاريخي لفترة حكم المرينيين، وتعريفاته بعلماء عصره وعلاقتهم بالسلطة، كما استفدنا من "مقدمته" المخصصة لعلم العمران البشري في نظرته للتصوف والصوفية وتطور وتعدد مشاربهم وتأثر بعضهم بالشيعة الإسماعيلية خصوصا في مسألة "المهدي المنتظر" كما أفادتنا كثيرا في التأريخ لتطور المذهب الأشعري في العقيدة. 

وأمدتنا كتب ابن أبي زرع الفاسي:  الأنيس المطرب بروض القرطاس  في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس والذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية بمعلومات قيمة عن بدايات بني مرين وحرص أمرائهم المؤسسين على الظهور بمظهر الصلاح والتشبه بشيوخ الصوفية، مما ساهم في رسم سياسة بني مرين تجاه رجال الصلاح.  

وأهم ما استفدناه من كتاب  جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس  لعلي الجزنائي هو تميز فئة آل البيت بمدينة فاس في القرن الثامن الهجري والنظرة الخاصة التي أصبح المجتمع ينظر بها للشرفاء، وتبلور سياسة الدولة المرينية تجاههم بتنظيمهم وتقديم "مزوار" أو نقيب لهم، ولعل الجزنائي أول من تحدث عن مزوار الشرفاء بفاس ومهامه. 

والجزنائي وهو – أحد الصوفية- يذكر بداية "ترسيم" تدريس كتب التصوف بمساجد فاس منذ أواسط القرن السابع بعد خضوعها لبني مرين. 

كما اعتمدنا على كتاب البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب  لابن عذاري المراكشي خصوصا في التأريخ لفترة الصراع الموحدي المريني حول حكم المغرب. 

واعتمدنا على كتاب  مفاخر البربر  لمؤلف مجهول في تبيان حرص جزء من صوفية المغرب الإسلامي على التشوف "للمهدي المنتظر" وقد ذكر صاحب المفاخر عدد "المتمهدين" به. 

وفي الكتاب تفضيل واضح لآل البيت من قبل بربر المغرب، وإشارات مهمة إلى كبار شيوخ الصوفية خصوصا أبي محمد صالح الماكري وأبي مدين. 

4-6: كتب النوازل 

لا تخفى قيمة هذه الكتب على الباحث في التاريخ الفكري والاجتماعي، فعليها يمكن الاعتماد لفهم تطور الحركة العلمية والعلاقات بين مختلف الفاعلين خصوصا العلماء والصوفية والسلطة، وقد أمدنا كتاب  المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب  لأحمد بن يحيى الونشريسي (ت 914هـ) وفتاوى البرزلي  جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام  بمعلومات قيمة عن هذا التفاعل خصوصا بين علماء الشريعة وعلماء الحقيقة. 

4-7: الدراسات السابقة 
لم يسبق – فيما أعلم- أن درس هذا الموضوع بالصيغة المقترحة في هذا البحث، غير أن عددا من الباحثين في تاريخ الفكر والمجتمع قدموا دراسات كل من زاويته لموضوع الصوفية والصلحاء بالمغرب في العصر الوسيط الإسلامي، لعل أهم هذه الدراسات هي: * محمد مفتاح: التيار الصوفي والمجتمع في الأندلس والمغرب أثناء القرن 8هـ / 14م. أطروحة دولة مرقونة موسم 1980-1981.*- محمد القبلي: Société pouvoir et religion au Maroc à la fin du moyen – age. Maisonneuve / Larose. Paris: 1986      المجتمع والسلطة والدين بالمغرب في نهاية العصر الوسيط         كما فصل الأستاذ القبلي "أطروحته" في عدة كتب ومقالات وزاد عليها توضيحات مهمة وهي:* مراجعات حول المجتمع والثقافة بالمغرب الوسيط.* جذور وامتدادات: الهوية واللغة والإصلاح بالمغرب الوسيط.* الدولة والولاية والمجال في المغرب الوسيط: علائق وتفاعل* جوانب من تاريخ المجال والسكان بالمغرب.+ عبد اللطيف الشاذلي:  التصوف والمجتمع نماذج من القرن العاشر الهجري. + إبراهيم القادري بوتشيش.   المغرب والأندلس في عصر المرابطين: المجتمع، الذهنيات، الأولياء + محمد المغراوي:العلماء والصلحاء والسلطة بالمغرب والأندلس في عصر الموحدين أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، الرباط، موسم 2001-2002.+ نللي سلامة العامري:الولاية والمجتمع: مساهمة في التاريخ الديني والاجتماعي لإفريقية في العهد الحفصي. + لطفي عيسى:مغرب المتصوفة: الانعكاسات السياسية والحراك الاجتماعي من القرن 10م إلى القرن17م + عبد الله نجمي:التصوف والبدعة بالمغرب: طائفة العكاكزة ق 16 – 17م + عبد المجيد الصغير:إشكالية إصلاح الفكر الصوفي في القرنين 18 / 19م: أحمد ابن عجيبة ومحمد الحراق  + زكية زوانات: ابن مشيش شيخ الشاذلي + كامل مصطفى الشيبي: الصلة بين التصوف والتشيع + علي فهمي خشيم:  أحمد زروق والزروقية: دراسة حياة وفكر ومذهب وطريقة + عبد الله حمودي: الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة + محمد المازوني: آل أمغار في ثيط وتامصلوحت، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا، الرباط: 1986-1987.+ أحمد الوارث: الأولياء ودورهم الاجتماعي والسياسي في المغرب خلال القرن السادس عشر، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا. تحت إشراف أحمد بوشرب. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. فاس 1988. + لطفي بوشنتوف: العالم والسلطان: دراسة في انتقال الحكم ومقومات المشروعية العهد السعدي الأول+ Paul. Nwyia.Un mystique prédicateure à la Qarawiyin de Fès: IBN ABBAD DE RONDA. (1332 -1390). 

+ Une voie soufie dans le monde: La Shadhiliyya. Maisonneuve et larose,Paris,2005.

5- خطة البحث 

قسم البحث إلى بابين: خصص الباب الأول لدراسة المرحلة الأولى للحركة الصوفية بالمغرب الأقصى التي تتمحور حول الدعوة إلى التصوف لترسيخه في المجتمع والتمكين له عبر وسائل متعددة. طيلة القرنين الهجريين السادس والسابع ومن خلال ربطها بمرحلة "زهدية" اعتبرت أرضية انطلاق لها، مع إلمام بأهم قنوات انسياب الفكر الصوفي للمغرب. ثم فصلت الحديث في مجهود رجالات التصوف المغاربة في نشر مشربهم وأهم الوسائل التي اعتمدوها. 

اشتمل الباب على أربعة فصول: اهتم الفصل الأول بالوسيلة التعليمية كالوعظ والخطابة والتأليف. 

وخصص الفصل الثاني لأسلوب الكرامة حيث نظرت إليها من منظور "دعوي" يجعل منها إحدى أهم دعامات نشر التصوف والإقناع به. 

وتطرقت في الفصل الثالث لدور الصوفية الفعال في الخدمة الاجتماعية وأعمال البر والمواساة التي يقدمونها لعامة الناس. 

بينما أفردت الفصل الرابع للتنظيم الصوفي باعتباره وسيلة هامة لنشر التصوف، وقمت بتتبع منطلقات وأوليات التنظيم الصوفي بالمغرب من خلال التجربة الرائدة لشيخ آسفي أبي محمد صالح بن ينصارن الماكري. 

وفي الباب الثاني درست مجهودات علماء القرنين الهجريين الثامن والتاسع لتسنين وترسيخ وتقعيد المشرب الصوفي بالمغرب، وبيان ملامح اختيارهم للطريقة الشاذلية. وأهم التحولات التي واكبت هذه الاختيارات على المستوى الفكري والثقافي والسياسي بالمغرب. 

وقسمته إلى خمسة فصول: تطرقت في الفصل الأول لتقارب علماء الظاهر وعلماء الباطن وأسس توافقهم حول المذهب المالكي في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة. 

بينما درست في الفصل الثاني عودة الشاذلية إلى المغرب ومجهودات الشيخ ابن عباد - رائد هذه العودة – في بسط تعاليم هذه المدرسة الصوفية وتقريبها للناس 

مع بيان خصائصها التي ساهمت في سرعة انتشارها.وتطرقت في الفصل الثالث للعمل الكبير الذي قام به الشيخ زروق لتقعيد الطريقة الشاذلية وبيان حدودها وتوضيح البدع التي تشوب طريقة السالكين. 

وفي الفصل الرابع درست بروز فئة "الأشراف" بالمغرب وتطور الاهتمام بها خصوصا لدى الصوفية والسلطة من خلال المدائح النبوية والاحتفال بالمولد النبوي، ونزوح عدد من الأسر الشريفة إلى المغرب، مركزا على دور الصوفية في اصطفاء الأشراف في مقابل محاولات السلطة المرينية ضمهم إلى مشروعها. 

وخصصت الفصل الخامس لدراسة العلاقة بين السلطة المرينية والصوفية انطلاقا من تحديد موجهات هذه السياسة، ومحاولات السلطة "الاستحواذ" على مبادرات الصوفية للعمل على استقطابهم، ومواقف الصوفية من هذه السياسة. 

6- خلاصات 
وفي ختام هذا البحث، ومن خلال قراءتنا لتاريخ الصوفية بالمغرب الأقصى في العصر الوسيط الإسلامي، أمكننا الخروج بعدة خلاصات نجملها في الآتي:أ‌-     إن الحركة الصوفية بالمغرب ليست وليدة لمجتمع "مأزوم" ولا نتاجا لأزمات اقتصادية وسياسية، ولم تنبن على ردود أفعال تجاه تجاوزات السلطة أو تشدد الفقهاء، بل هي حركة أصيلة في المجتمع المسلم، وتطور تلقائي للمنحى  الزهدي الذي عرفه المغرب منذ الفتح الإسلامي، وإنما عرفت تطورات في صيرورتها التاريخية كانت استجابة لتغيرات اقتصادية وثقافية وسياسية أفرزت عدة إشكاليات، تعاملت معها الحركة الصوفية بانفتاح، وحاولت تقديم أجوبة وحلول لها من خلال تكيف "داخلي" تمثل في تطوير "الذات الصوفية" لمضاعفة الوظائف والقدرات خصوصا بإفراز التنظيمات الصوفية منذ مطلع القرن السابع الهجري، ولم يتوقف هذا التطور إلى أن عرف أوجه مع الشيخ محمد بن سليمان الجزولي (ت870هـ) وتلامذته في القرنين الهجريين التاسع والعاشر وما بعدهما.ومن خلال تكيف خارجي تميز باندماج قوي في شرائح المجتمع خصوصا المستضعفين لتقديم حلول لمشاكلهم اتسمت بقدر كبير من الواقعية والنجاعة لعل أبرزها تنظيم أبي محمد صالح لركب الحجاج المغاربة.ب- وفيما يخص علاقة الصوفية بالسلطة: بدا لنا أنه من التسرع الحكم بأنها كانت "متشنجة"أو "مساندة"أو"مدجنة"، نظرا لطول الفترة المدروسة وتغير السياسات والمواقف. لكن الموقف الذي ظل ثابتا طيلة هذه الفترة ولم يتغير مهما كان قرب الصوفية من السلطة أو بعدهم عنها هو "الاستقلالية"، هذا الثابت الذي حرص الصوفية عليه في "مشروعهم الإصلاحي للمجتمع" جاء منسجما مع نظرتهم للإصلاح المنطلق من منهج تربوي يجعل من إصلاح قلب المريد مناطا ووسيلة لإصلاح حاله، وبالتالي إصلاح أحوال المجتمع الخلقية والثقافية والاقتصادية والسياسية،لذلك، فسواء قبل الصوفية لقاء السلطان أو نفروا، وسواء أخذوا أعطياته أو رفضوا... إلا أنهم أصروا على أن تبقى أمورهم بعيدة عن تدخله، وهذا لم يمنع من التعاون معه بالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساندته في جهاد الأعداء.ج- أما عن علاقة الصوفية بالفقهاء فقد خلصنا إلى تهافت الفكرة القائلة بوجود صراع مذهبي بله صراع طبقي  بين الشريحتين، وتأكد لنا انطلاقا من  النصوص المختلفة  وعبر أزمنة متعددة أنهما يخرجان من مشكاة واحدة هي الوحي قرآنا وسنة، وأن العلاقة بين الفئتين كانت علاقة تكامل شابتها بعض التشنجات بسبب اجتهادات قبلها طرف ورفضها آخر، دون أن تفرز اصطفافا للفقهاء هنا وللصوفية هناك، وهو ما مكننا من رسم خطاطة لسيرورة اندماجية بين الفقهاء والصوفية بدأت بتأسيس التوافق وانتهت بتحقيق الاندماج.هذا التوافق كان على أساس إقرار اختيارات مذهبية تمثلت في ترسيخ العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والمشرب الصوفي السني الشاذلي.تحقق ذلك بفضل المجهودات الكبيرة التي بذلها رجال العلم والتصوف في تأكيد سنية المذهب الأشعري في العقائد، وبيان فضل مذهب إمام دار الهجرة في الفقه، وحرص على تنقية التصوف مما علق به من "بدع"، والعودة به إلى أصله السني باختيار المشرب الشاذلي لسنيته وشموليته وواقعيته ويسره، مما رسخ توجه المجتمع المغربي ونخبه نحو التوحد في العقيدة والسلوك والمعاملات.د- إن رأي بعض الباحثين في التصوف الذين يعتبرونه "المحرك الحقيقي للمجتمع الإسلامي" فيه قدر كبير من الصحة، والمجتمع المغربي خير دليل على ذلك، إذ منذ انطلاقها، لم تعرف الحركة الصوفية تقهقرا ولا تراجعا، بل تميزت بمجهودات لا نهائية لرجالاتها، وتكيفت مع مختلف الظروف لكنها لم تتوقف. وحتى في القرن الثامن الهجري الذي يصر عدد من الباحثين على تراجع الحركة الصوفية فيه بالنظر إلى غياب الأسماء الكبيرة لشيوخ الصوفية ـ في نظرهم ـ بينا أنه عرف إحدى أنشط مراحل التصوف بالمغرب من خلال مساهمات كبار العلماء في التأليف الصوفي، وأنه كان فترة حاسمة في "مغربة" التصوف على المستوى العلمي التنظيري أدى في نهايته إلى إقرار المشرب الشاذلي.هذه " الدينامية" لرجالات التصوف مكنتهم من كسب المواقع، وحيازة قصب السبق في التأثير على أوسع شرائح المجتمع، وتوجيه ذهنياته وبالتالي المساهمة في التحولات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي عرفها تاريخ المغرب.وختاما لا يمكن لهذا البحث ولا لصاحبه الادعاء بأنه أحاط بموضوع شائك كموضوع الصوفية بالمغرب في العصر الوسيط، فالتصوف ظاهرة مجتمعية معقدة ومتغيرة، والفترة طويلة وحبلى بالمتغيرات، والسفر عبرها طويل، والعقبة فيها كؤود.ولكن حسب هذا البحث أن أعاد قراءة موضوع الصوفية بالمغرب من جديد، ومن زاوية أخرى، وطرح للنقاش قضايا كانت شبه مسلمات لدى الدارسين، وفتح المجال لعدة أسئلة تحتاج إلى مجهودات وعزائم أخرى. من هذه الأسئلة التي تمثل مواضيع خصبة للبحث التاريخي موضوع الشرفاء آل البيت بالمغرب،حيث نحسب أنه في حاجة إلى دراسات أكثر شمولية وعمقا لما يمثله من أهمية بالنسبة لتاريخ الذهنيات والتاريخ السياسي للمغرب، وأما ما ذكرناه بخصوص  الأشراف  في ثنايا هذا البحث فلا يعدو أن يكون أرضية للنقاش حاولنا من خلالها فهم العلاقة بين الصوفية وآل البيت.هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها نظن أنها لم توف حقها من البحث هي حركة الشيخ محمد بن سليمان الجزولي (ت870هـ) التي هيمنت على الحقل الصوفي منذ القرن التاسع الهجري، وبلغ معها التنظيم الصوفي الطرقي غايته. 

هذه بعض المواضيع التي استوقفتنا أثناء بحثنا في تاريخ الصوفية بالمغرب الوسيط، والتي نسأل الله تعالى أن يقيض لها من همم الباحثين من يخرجها إلى النور. 

نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس رسالة دكتوراه بالعنوان أعلاه – بتاريخ الثلاثاء 22 محرم 1432 هـ الموافق 28 دجنبر 2010 – تقدم بها الطالب يوسف العلوي.

إرسال تعليق

 
Top