استهل الكتاب بمقدمة استعرضت فيها د.مينة المغاري الأهداف والغايات التي وجهت مسار هذا الكتاب، وأبرزت أن الموضوع يأتي لترسيخ مسار كتابة التاريخ الأثري والعمراني للمدن المغربية العتيقة، التي مازالت الدراسات المغربية تفتقر إليها، حيث يرصد الكتاب جوانب تاريخية وأثرية لمدينة الصويرة، وأكدت على على أن موقع المدينة ساهم في خلق نمط معماري ناتج عن تفاعل الموقع الجغرافي مع نسيج المدينة التي شكلت عبر التاريخ منطقة عبور أساسية في المناطق البعيدة، بالإضافة إلى قربها من مراكش، وترد كذلك أن تأسيس المدينة على يد السلطان سيدي محمد بن عبد الله قد جعل المدينة تتوافد عليها العديد من الاثنيات والقبائل:الشبانات/الشياضمة، وتحلل الأستاذة الباحثة اسم المدينة من خلال المقاربة الطبونيمية، وتعطينا العديد من الأسماء:تاموسيكا،أمكدول،الكاريستيول،موكادور...ولكنها فضلت اسم السويرة الذي يحيل على فكرة التحصين، وهي تصغير للسور الصغير حيث تضم العديد من الأسوار.
وفي سياق أخر، تطرقت الأستاذة إلى البعد التاريخي للمدينة والتي شكلت منطقة استقرار منذ العهود القديمة خصوصا ما قبل الإسلام، وأبرزت البعد الاقتصادي للمدينة كمحطة تجارية عرفت تواجد الفنيقيين والقرطاجيين، وتطرقت الى أن المدينة خلال الفترة الإسلامية عرفت ازدهار التجارة القارية وشكلت منطقة عبور في اتجاه الجنوب الإفريقي، وأما الفترة الحديثة فقد تميزت بالتواجد البرتغالي، وقد شيد البرتغال الحصن الملكي، وعرفت المدينة خلال القرنين 18و19م تزايدا للأطماع الأوروبية على المغرب، مما كان له أثر في تبني السلطان سيدي محمد بن عبد الله سياسة قائمة على إنشاء ميناء منفتح على التجارة مع أوروبا لتسهيل مراقبة السلطان للتجارة الخارجية، وانعكس على المظهر المعماري للمدينة.
وقفت الأستاذة كذلك على مسألة المظاهر العمرانية للمدينة من خلال قراءة النقائش الخطية التي تساعد الباحث على التأريخ، وترى الباحثة أن لها أهمية بالغة في معرفة التطور التاريخي للمدينة ولكونها تحمل أسماء المهندسين لأبواب المدينة، وهي متعددة فنجد نقائش الأبواب والبنايات الدينية كنقيشة باب القصبة سنة 1767م،باب المرسى سنة 1770م ،نقيشة القنطرة سنة 1844م، نقيشة السقالة القرن 18م، وكذلك نقيشة باب السبع، وأما نقائش البنايات الدينية فنجد محراب مسجد سيدي يوسف والقصبة القديمة،الزاوية القادرية، بالإضافة إلى نقائش متواجدة في القنصلية البرتغالية وسوق الجديد وأهم المدافع في السقالة.
وفصل الكتاب في الخصائص الحضارية للمدينة، حيث تطرقت إلى أسوار المدينة التي لعبت أدوارا في تحصين المدينة، وحمايتها من الخطر الأجنبي، ومن القبائل المجاورة، ولتأمين الجانب التجاري، حيث نجد أسوار السقالة والقصبة الجديدة التي تضم العديد من المرافق:الأبواب حسب الاتجاهات الجغرافية، وهي تحصينات عكست التمازج الحضاري الذي عرفته المدينة. أما بخصوص المآثر التاريخية الدينية، فرأت الأستاذة على أنها شاهدة على التعايش الديني فنجد ثلاث بنيات دينية حاضرة بالصويرة:المسجد،الزاوية،الكنيسة، فترد أن العديد من مساجد المدينة تم بناءها في العديد من الفترات، وخضعت لعدة ترميمات، فنجد جوامع تم بناءها في عهد السلطان محمد بن عبد الله التي تميزها الساحات المكشوفة والواسعة، وعرفت المدينة العديد من الزوايا كأماكن للعبادة والوعظ:كالزاوية القادرية،التيجانية،الوزانية، بالإضافة إلى تواجد الطرق الصوفية والأضرحة والكنائس والبيع التي ازدادت بشكل كبير في عهد السلطان محمد بن عبد لله، فالبيع توجد في المنازل غالبا وتخصص لها قاعات:حاييم بنتو،شمعون عطية، كما توجد بالمدينة الكنيسة البرتغالية،وخلصت إلى أن المدينة عرفت بالانفتاح الديني حيث كان اليهود يتمتعون بالعديد من الحقوق الدينية.
وخصص الكتاب دراسة تفصيلية للمرافق الاجتماعية للمدينة كالحمامات والسقايات وقنوات تصريف المياه، فأشارت إلى أن المدينة تعرف وجود الحمامات بالأزقة والأحياء، التي تعتمد على مياه الآبار التي توجد في القصبات والدور، كما أبرزت مشكل المياه الذي ظل أحد العوائق، مما دفع بالمخزن إلى بناء قنوات المياه، مثلا قناة المزوضي التي بناها المولى عبد الرحمان بن هشام، وكما تتوفر المدينة على السقايات العمومية والمرافق الصحية :المارستان والمستشفى الذي تم بناءه لأول مرة في 1902م، ويتواجد به طبيب واحد، كما احتضنت الجزيرة الكبيرة حجرا صحيا الذي مدته 40يوما.
أبرزت الباحثة في هذا الكتاب إلى أن قيمة العمارة المحلية، قد أعطى للصويرة خصوصياتها المعمارية من حيث الدور السكنية الخاصة التي تتميز بالتنوع والتعدد:مثلا دار الصناعة،محل السفن،دار السلطان،دار القائد،دار القنصل...وهي تسمى حسب الشكل والمساحة الذي تتخذه،كما نجد الدويرة،الرياض...التي تتخذ أنماط معمارية حسب الصنف والوظيفة مثلا:دور فخمة سكنها اليهود والتجار والأجانب ودار المخزن ودار المولي ادريس الذي كان مستشارا للسلطان، دار مبروكة، دار أبيهي وأنفلوس...وأما الأبواب فهي قابلة للفتح وعبارة عن مستودعات، ونجد المصرية فهي غرفة خاصة لاستقبال الضيوف، نموذج دار توفلعز التي باعها لعائلة أفرياط، وبحكم كون صاحبها من فئة التجار فهي تتوفر على مخازن للسلع ومستودعات لتخزيين السلع.
تلك إذن هي أبرز المحاور التي شكلت موضوع الكتاب من خلال إبراز الأهمية المعمارية لمدينة السويرة، وما تتميز به من خصوصيات معمارية، جسدت التنوع والتعدد الثقافي للمدينة في علاقتها بمكوناتها الاجتماعية، وهو كتاب كشف النقاب عن جزء من التاريخ الأركيولوجي لمدينة الصويرة عبر تاريخها العتيد، ويمكن اعتبار كتاب الأستاذة أ\مينة المغاري مساهمة في دراسة تاريخ المدن العتيقة بالمغرب، وذلك بالارتكاز على مصادر بيبلوغرافية متنوعة ومقاربة ميدانية عملية لاستنطاق الشواهد الأثرية لمدينة الصويرة.محمد أبيهي ـ باحث في تاريخ المغرب المعاصر
إرسال تعليق