GuidePedia

0
أمام حالة التفكك التي عرفتها الأندلس خلال عصر ملوك الطوائف، وإلحاح إسبانية النصرانية في إنهاكها، واستنزاف قواها، سقطت طليطلة في سنة 1085م، وقد اتجهت الأنظار إثر ذلك صوب عدوة المغرب مستنجدة بالمرابطين، حيث لبى أميرهم يوسف بن تاشفين النداء، وعبر الجيش المرابطي إلى الأندلس مجاهدا في سبيل الله.
كانت معركة الزلاقة في شهر رجب سنة 497هـ - 1086 ، وقد رد الجيش القشتالي على أعقابه، وكان نصرا عزيزا، اهتزت له النفوس في الأندلس والمغرب وبقاع  العالم الإسلامي. قبل عودة أمير المرابطين إلى المغرب جمع رؤساء الأندلس ـ كما أخبرنا أحدهم ـ فنصحهم ووعظهم: "وأمرنا بالاتفاق والائتلاف، وأن تكون الكلمة واحدة، وأن النصارى لم تفترسنا إلا للذي كان من تشتتنا، واستعانة البعض بهم على البعض. فأجابه الكل أن وصيته مقبولة، وأن ظهوره مما يجمع الكل على الطاعة والجري إلى الحقيقة". عاد الجيش المرابطي إلى المغرب في شعبان سنة 479هـ- 1016م، ولقب يوسف بن تاشفين "أمير المسلمين" بعد وقيعة الزلاقة الشهيرة.
أرسل ألفونسو السادس ـ عقب استيلائه على طليطلة ـ قوات للإغارة على بعض مناطق  شرق الأندلس. ثم ابتنى قرب مرسية حصنا ضخما، ليكون قاعدة للإغارة على تلك المناطق، في مكان اسمه لييط (Aledo) ، شحنه بالمقاتلين، حتى بلغت حاميته ثلاث عشر ألف مقاتل، فيهم ألف فارس.
وجد المعتمد بن عباد أنه لابد من الاستعانة بالمرابطين مرة أخرى لإنقاذ  شرق الأندلس من هذا العيث، فعبر بنفسه إلى المغرب، والتقى بأمير المسلمين، وعرض عليه الأمر، فوعده  يوسف بن تاشفين خيرا.
وفى يوسف بوعده، فجاز  إلى الأندلس ـ جوازه الثاني ـ سنة 881 هـ - 1088م، وتوجه بقوته إلى حصن لييط، ولحق به عدد من ملوك الطوائف بقواتهم، وضربوا الحصار حول الحصن، لكن لم يتمكنوا من فتحه. ثم آثر يوسف الانسحاب، حين علم مجيء ألفونسو بجيشه. وفضل هذا الأخير إخلاء الحصن بعد تهديمه، وذلك سنة 482هـ -1089م، وعاد يوسف إلى المغرب، وترك في الأندلس حامية، كما فعل بعد معركة الزلاقة.
  ساء ت أحوال الطوائف ـ مرة أخرى ـ وعادوا إلى خلافاتهم، وبسبب ذلك ترددت الكتب والفتاوى من مسلمي الأندلس، إلى يوسف بن تاشفين بإنجادهم وإنقاذهم، من ملوك الطوائف هذه المرة. كما وردت الفتاوى من بعض فقهاء المشرق وعلمائه، أمثال: أبي حامد الغزالي (450-505 هـ=1058-1111م) وأبي بكر الطرطوشي 451-520هـ-1059-1126م). وأمام ظروف الأندلس وأحوالها استجاب يوسف لذلك. وجهز جيشا  وعبر الأندلس ـ للمرة الثالثة ـ في أوائل سنة 483هـ1090م، واتجه لتوه إلى طليطلة التي أصبحت عاصمة قشتالية. وحين شاهد ابن تاشفين مناعتها، تركها عائدا إلى جنوب الأندلس متوجها صوب غرناطة حيث استلم له أميرها عبد الله بن بلقين في شهر سنة  483هـ-أيلول 1090م. وفرح أهل الأندلس لهذا.
  عاد أمير المسلمين إلى المغرب، وترك عددا من قادته، ليتموا  خلع ملوك الطوائف.  وخضعت قرطبة ـ وكانت  تابعة لبني عباد ـ للمرابطين سنة 484هـ-1091م، وقتل  حاكمها الفتح بن المعتمد الملقب بالمأمون.
لما علم ألفونسو السادس باتجاه الجيش المرابطي صوب إشبيلية ـ بعد إخضاع قرطبة ـ بقيادة سير بن أبي بكر، أرسل  إليهم  حملة بقيادة البرهانش مؤلفة من عدة آلاف، من فارس وراجل. دارت في أحواز إشبيلية معركة عنيفة انتهت بانتصار المرابطين، بعد ما  أثخن القائد القشتالي بالجروح.        
استسلمت إشبيلية للمرابطين ـ في شهر رجب من السنة المذكورة ـ بعد مقاومة شديدة من المعتمد، الذي أسر ونفي إلى أغمات في المغرب، وتوفي هناك في شوال سنة 488 هـ (تشرين الأول-أكتوبر  1095م).
وأخذت المرية من حاكمها معز الدولة أحمد  بن المعتصم بن صمادح في رمضان سنة 484هـ-1091م، ومرسية في شوال،  وكذلك شاطبة ومدن أخرى  سنة 485هـ-1092م.
بعد ذلك ستأتي صفحة أخرى من جهاد المرابطين في الأندلس،  حيث أنفقوا جهودا كبيرة لإنقاذ  بلنسية من الطاغية القمبيطور والقشتاليين. دخل المرابطون بلنسية، معيدين فتحها، في شهر رجب سنة خمس وتسعين وأربع مئة للهجرة، وحدثت موقعة أقليش بين المرابطين والجيش القشتالي،  الذي تمزق، وقتل فيه الابن الوحيد لألفونسو السادس، سنة 501 هـ-1107م. بعدها دخلت سرقسطة والثغر الأعلى تحت  سلطان المرابطين، كما دخلت تحت سلطانهم  مملكة بطليوس، في غرب الأندلس، التي كان يحكمها بنو الأفطس سنة 488هـ-1095م ـ . وأرسلت ـ بعد ذلك ـ حملة مرابطية إلى أشبونة (لشبونة)، حيث كانت تحتلها الجيوش القشتالية وفيها حامية من جيشهم. واستطاع المرابطون إخضاعها.
عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس عبوره الرابع ـ سنة (490هـ-1096م)، وكان قد عهد بأمور الأندلس إلى كبير قادته سير بن أبي بكر. ووجه جيشا بقيادة محمد بن الحاج صوب طليطلة عاصمة قشتالة. والتقى بالقشتاليين بقيادة الفونش السادس قرب كنشرة (Consuegra)، فانهزم الجيش القشتالي متكبدا خسائر كبيرة سنة 491 هـ-1097 م.
توجه يوسف إلى قرطبة سنة 495هـ-1101م لأخذ البيعة لابنه أبي الحسن علي. وكان بصحبته  أخوه الأكبر أبو الطاهر  تميم. اشترط في هذه البيعة لعلي أن ينشئ في الأندلس جيشا مرابطيا ثابتا، يوزعه على سائر القواعد. وعاد يوسف بن تاشفين إلى مراكش، حيث توفي أول المحرم سنة (500هـ-2 أيلول-سبتمبر 1106 م). أوصى ابن تاشفين ولي عهده  بأمور تتعلق بحسن السياسة والرفق والعناية بالأندلس. خلف علي أباه يوم وفاته،  وأخذت له البيعة، واختار يوسف عليا ليخلفه، لما يتمتع به من النباهة والحزم والتقوى،  وكان مقتفيا سيرة والده. وعبر ـ في السنة الأولى من حكمه ـ إلى الأندلس مجاهدا، وأجرى بعض التغييرات الإدارية، فعين أخاه أبا الطاهر تميما قائدا أعلى للجيوش في الأندلس، ثم عاد إلى المغرب.
                  من كتاب تاريخ المسلمين في الأندلس (بتصرف)
                          د.  محمد علي طقوس

إرسال تعليق

 
Top