امتد عمر الحماية في المغرب من 1912 إلى 1956، أي لمدة 44 سنة لكن هذه المدة
تعبر فقط عن فترة زمنية دخلت في إطار قانوني واعتراف دولي بانفراد فرنسا وإسبانيا
بالمغرب في حين بقيت طنجة مدينة دولية، أما من الناحية التاريخية فإن الحماية
ممتدة بجذورها في تاريخ المغرب وقد أرجعها بعض الباحثين إلى العصر السعدي، وبالضبط
إلى الفترة التي احتل فيها البرتغال والاسبان بعض الثغور المغربية، حيث دخل أفراد
من المغاربة تحت حمايتهم، لكن هذه الظاهرة كانت محدودة ونادرة والنادرة لا حكم له،
لأن الظاهرة لم تكن فعلية وقوية وملفتة للانتباه إلا بعد حرب تطوان 1860م حيث نشأت
وانتشرت الظاهرة ببروز مجموعة من المحميين مغاربة ومستوطنين فوق التراب المغربي،
لا تنالهم الأحكام ولا يخضعون لسلطان، بل أصبحوا يكونون دولة داخل دولة وزاد من
تعزيز نفوذهم تدفق الأوربيين بكثافة على المغرب للاستيطان والتجارة ومنح الحماية
لخدامهم وأتباعهم.
والواقع التاريخي يجعلنا نضع الحماية في إطارها ومنطلقها الصحيح، منذ بدأت
أراضيه في التآكل، وأصيب مجتمعه بالتفرقة بين الخاضعين وغير الخاضعين للدولة
والإصلاحيين والمحافظين.
فمنذ معركة إسلي واستمرارا مع معاهدة لالة مغنية إلى التسرب الفرنسي في إقليم
توات منذ 1854م تآكلت الأراضي المغربية ودخلت بعضها تحت السيطرة المباشرة لضباط
الطابور الفرنسي الاستعماري، ولذلك فإن للحماية جذورها وأسبابها ومسبباتها
المباشرة وغير المباشرة ومنها إفراغ خزينة الدولة المغربية نتيجة الغرامة المجحفة
في حرب تطوان، وما ترتب عنها من ديون لصالح بريطانيا حيث بلغت مجموع مصاريفها 69
مليون بسيطة، بل الأدهى من ذلك استيلاؤهم على نصف موارد الجمرك المغربي، فأصبحنا
نجد إلى جانب كل أمين مرسى قابض لصالح دولة إسبانيا لمدة 25 سنة، ومعنى ذلك مشاركة
دولة أجنبية إلى جانب الدولة المغربية في أحد أهم مواردها المالية، بل زادوا على
ذلك بواسطة عقد الاتفاقيات بأحقية إعفاء المحميين من الضرائب التي يدفعها المحمي
إلى القنصلية التابع لها بدل أن يدفعها للدولة التي يعمل فيها ويمارس فيها نشاطه
التجاري والفلاحي.
هذه دسائس تحاك داخل المغرب بمرأى ومسمع منه، أما ما يحاك خارجه فهو التنافس
لتوزيع خيراته بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا. وهنا يحق لنا أن ندخل عنصر
مفهوم الحماية القانوني الذي يتضمن الالتزام، والذي يعني فقط التزام دولة اتجاه
دولة أخرى حيث التزمت فرنسا برفع اليد عن مصر مقابل التزام بريطانيا بالحياد
في القضية المغربية، والشيء نفسه ينطبق على ألمانيا التي استرضيت بمستعمرات في
إفريقيا.
والاتفاق الوارد ضمن قانون الحماية كان عبارة عن اتفاق سري، بل اتفاقيات سرية
انكشفت حقيقتها في مؤتمر الجزيرة الخضراء حيث أظهرت جلها انفراد إسبانيا وفرنسا
بالمغرب من خلال التدخل في الأمن والجمارك والضرائب وأحقية إنشاء البنوك بالمغرب،
ومراقبة الحدود، بل وأحقية التعارض مع دول أجنبية، والأمر كله يلخص في الهيمنة على
الداخلية والخارجية والمالية. فإذا كانت هذه هي رموز الدولة فماذا بقي للمغرب قبل
اتفاقية الحماية؟
إذا كانت هذه الأسباب الخارجية وجيهة لأسباب الحماية بالمغرب، فإن الأسباب
الداخلية لها أهميتها وهي كثيرة ومتنوعة ومتعددة ويكفي أن نذكر منها اندلاع
الثورات واستمرارها منذ وفاة السلطان سيدي محمد بن عبد الله عام 1790م، فلا تكاد
تنطفئ ثورة هنا إلا لتشعل هناك، وفي كل ذلك استنزاف للدولة المغربية، وقد خطط
الأوربيون لإضعافها قصد احتلالها، بالإضافة إلى مؤثرات رفع شعار الجهاد الذي أصبح
لواء كل قائم وثائر وهادف إلى السلطة (بوحمارة نموذجا)، وزاد من حدة هذا العنصر
احتلال الجزائر التي اندفع المغاربة لإغاثتها بالمال والسلاح ومواجهة فرنسا، أضف
إلى ذلك المعارضة التي ووجهت بها الإصلاحات من طرف المحافظين وأصحاب المصالح
والمتمردين الذين يريدون أن يستمر ما كان على ما كان، بل عارضوا حتى الفئة
المتنورة العائدة من طلاب البعثات العلمية الذين لم يتمكنوا من المساهمة في بناء
المغرب وتحديثه من داخل هياكل الإدارة المغربية.
إرسال تعليق